إنها الحرب..مصر تواجه «داعش» بدمائها

إنها الحرب..مصر تواجه «داعش» بدمائها

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢ يوليو ٢٠١٥

إنها «حرب». هكذا اختصر مسؤول عسكري مصري ما شهدته سيناء امس بعد سلسلة هجمات كبيرة ومنسقة، على مراكز الجيش المصري في أكثر محطات الصراع دموية على الارض المصرية خلال السنوات الاخيرة، وتعكس مدى اتساع الخطر الذي بات تنظيم «داعش» يمثله، لا على هيبة الدولة المصرية فقط، بل على قدرتها على الاحتفاظ بسيادتها على بعض أراضيها.
ولم تكن «حرب سيناء» أمس مشابهة لما جرى في السابق من مواجهات مسلحة بين المسلحين الإرهابيين وقوات الامن المصرية التي لجأت الى استخدام مقاتلات «اف 16» في هجماتها المضادة. فالتكتيكات التي استخدمها تنظيم «داعش» ـ «ولاية سيناء» من حيث ضخامتها، والغارات الخاطفة على مواقع الجيش بخمس هجمات متزامنة في المرحلة الأولى، وإلحاقها بسلسلة من الانتحاريين والانغماسيين، كانت تشي بمحاولة زعزعة سيطرة الجيش على هذه المنطقة الحدودية الحساسة، أو الاستيلاء عليها بعدما نمت فيها على مدى العامين الماضيين حالة أمنية مقلقة. كما تظهر الهجمات المنسقة أن التنظيم التكفيري نقل خبرات راكمها في العراق وسوريا إلى مصر.
وتأتي هجمات، أمس، بالتزامن مع الذكرى السنوية لـ «ثورة 30 يونيو» وسقوط حكم «الاخوان المسلمين»، ثم وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الحكم، في ظل التحديات الأمنية المتنامية عند الحدود الشمالية في سيناء، والغربية من الجهة الليبية التي سبق لتنظيم «داعش» أن نفذ فيها هجمات على القوات المصرية في المناطق الحدودية. وتضع هذه الهجمات الجيش المصري أمام المزيد من التحديات على المستوى الحدودي على وقع تحديات الأمن الداخلي المتواصلة التي كان آخرها، أمس الأول، اغتيال النائب العام هشام بركات.
وسارعت إسرائيل إلى استغلال الهجوم الدموي في سيناء. وأعلن الاحتلال رفع حالة التأهب على الحدود مع مصر. وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو «إننا شركاء مع مصر ومع دول كثيرة أخرى في الشرق الأوسط وفي العالم في النضال ضدّ الإرهاب الإسلامي المتطرِّف»، فيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون إنَّ «هناك إرهاباً إسلامياً في كل أرجاء الشرق الأوسط، وأنا من هنا بودي المشاركة في إبداء الأسى ومعانقة الشعب المصري بسبب الحادث الأليم في سيناء». (تفاصيل ص 10)
وبعد ساعات من إعلان السيسي انه سيتم تطبيق أحكام الإعدام بحق العناصر الإرهابية، أقرت الحكومة المصرية مشروعي قانوني مكافحة الإرهاب والانتخابات. وذكر مجلس الوزراء، في بيان، أنه «اتخذ من الإجراءات ما يردع تلك الجماعات الإرهابية على النحو التالي: إقرار حزمة من مشاريع القرارات بقوانين التي تحقق العدالة الناجزة والقصاص السريع لشهدائنا، والموافقة على مشروع قرار بقانون مكافحة الإرهاب الذي يحقق الردع السريع والعادل وكذا اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجفيف منابع تمويل الإرهاب».
وقتل تسعة من جماعة «الإخوان المسلمين»، بينهم النائب السابق ناصر الحوفي، خلال عملية مداهمة نفذتها الشرطة في القاهرة حسب ما أعلنت الجماعة، فيما قالت الشرطة ان القتلى «إسلاميون مطلوبون»، مضيفة أن المطلوبين أطلقوا النار عندما وصل فريق من قوات الأمن لإلقاء القبض عليهم في شقة في ضواحي القاهرة، وقد قتلوا عندما ردت الشرطة على مصادر النيران.
واستمراراً لحلقات مسلسل الإرهاب وعنف الجماعات التكفيرية في سيناء، تعرض 15 حاجزاً وموقعاً للقوات المسلحة والشرطة إلى هجمات إرهابية مكثفة، في توقيت متزامن صباح أمس، تبناها تنظيم «ولاية سيناء»، فرع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش»، أدت إلى استشهاد أكثر 63 شخصاً، غالبيتهم من العسكريين، بحسب مصادر، و17 بحسب الجيش المصري، ومقتل عشرات الإرهابيين، في اشتباكات وغارات جوية.
وبعد ساعات قليلة من بدء الهجوم، الذي استمر لمدة ثماني ساعات، أصدر تنظيم «ولاية سيناء» بياناً كشف فيه تفاصيل الهجمات على مواقع الجيش المصري في سيناء، مؤكداً أن أنصاره شنوا، بالتزامن، هجمات على أكثر من 15 حاجزاً وموقعاً عسكرياً للجيش.
وقال مسؤول رفيع المستوى في الجيش المصري «إنها حرب. لم نشهد مثل هذا العدد من الإرهابيين ونوعية الأسلحة المستخدمة من قبل». وقال عقيد في الشرطة إن «مسلحين اعتلوا أسطح البنايات وأطلقوا النيران من مدافع الار بي جي على قسم شرطة الشيخ زويد بعدما لغموا الطريق المؤدي له لمنع وصول أي إمدادات للقسم». وقالت مصادر أمنية وشهود إنه سمع دوي انفجارين في مدينة رفح المصرية على الحدود مع غزة.
وذكر تنظيم «داعش» أن «جنوده قاموا بتنفيذ عمليات متنوعة ومتزامنة على نادي الضباط في العريش وكميني السدرة وأبو رفاعي في مدينة الشيخ زويد، وشنوا هجمات بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وقذائف ار بي جي والهاون على كمائن (حواجز) الماسورة وسادوت وولي لافي والوفات وأبو طويلة والضرائب وقسم شرطة الشيخ زويد وجرادة والخروبة والعبيدات وقبر عمير والإسعاف والبوابة والشلاق». وأعلن أنه «سيطر على عدة مواقع، وحصل على ما فيها من أسلحة ومعدات، كما تم استخدام الصواريخ الموجهة ضد المواقع المصرية، وقطع الإمداد والسيطرة والتصدي للطيران باستخدام مدافع الدفاع الجوي، ما أجبر الطيران على الابتعاد عن مواقع الاشتباك».
وأعلن تنظيم «ولاية سيناء»، في البيان، «مشاركة 300 عنصر في الهجمات»، بينهم ثلاثة انتحاريين، وهو العدد الأكبر الذي يشارك في عملية له. وأعلن، في بيان آخر، «محاصرة قسم شرطة الشيخ زويد وتفجير آليتين للجيش المصري»، ضمن ما أسماه «الغزوة المباركة لجيش الخلافة في 14 رمضان».
وسارعت القوات المسلحة المصرية إلى شن عمليات مكثفة في شمال سيناء، لملاحقة الإرهابيين، ونجحت في تصفية العشرات منهم في غارات شنتها طائرات «أف 16». وأعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة، في بيان، «تصفية أكثر من 100 إرهابي خلال مداهمات للأوكار والبؤر الإرهابية في شمال سيناء».
وأوضحت أنه «في الساعة السادسة و55 دقيقة من صباح اليوم (أمس) قامت مجموعة إرهابية بالهجوم على عدد من الكمائن الأمنية للقوات المسلحة في منطقتي الشيخ زويد ورفح في توقيتات متزامنة باستخدام عربات مفخخة وأسلحة ذات أعيرة مختلفة»، مشيرة إلى أن «عناصر الجيش تمكنوا من التعامل مع هذه العناصر الإجرامية وإحباط كل المحاولات الإرهابية لتحقيق أهدافها».
وأضاف البيان «كما قامت عناصر القوات المسلحة بتدمير 20 عربة كانت تستخدمها تلك العناصر الإجرامية، وجارٍ الآن تنفيذ عمليات التمشيط بالمنطقة». وتابع أن «العمليات الإجرامية أسفرت عن استشهاد 17 من أبطال القوات المسلحة، بينهم أربعة ضباط، وإصابة 13 بينهم ضابط أثناء قيامهم بأداء واجبهم الوطني».
وقال مصدر طبي في شمال سيناء، لـ «السفير»، إن أعداد شهداء الهجمات الإرهابية، وصلت إلى 63، فيما وصل عدد القتلى في صفوف الجماعات الإرهابية إلى أكثر من 70، موضحا أن العناصر الإرهابية هاجمت الحواجز بمدافع هاون وقذائف «ار بي جي» إلى جانب ثلاثة تفجيرات انتحارية بسيارات وأسلحة ثقيلة.
وقال الخبير الاستراتيجي اللواء مجدي البسيوني، لـ «السفير»، «يجب تهجير القرى المليئة بالبؤر الإرهابية في منطقة الشيخ زويد على الفور للتمكن من إبادة الإرهاب بها، ونقل كل المواطنين إلى مناطق الإسماعيلية والعريش وبورسعيد، وحرق منطقة الشيخ زويد بالكامل، ومن يحفر نفقاً يساعد الإرهاب يجب إعدامه»، معتبراً أنه «يجب على الحكومة بناء خندق على طول الحدود مع غزة، لكشف كل الأنفاق الموجودة في المنطقة».
وطالب البسيوني الحكومة «بإقامة نقاط مراقبة دورية على طول الساحل في سيناء، الذي يبلغ طوله 300 كيلومتر، لأنه من المرجح دخول المخدرات والسلاح من البحر»، مضيفا «أقول للحكومة يجب ألا يشغلنا افتتاح المشاريع الكبرى عن مطاردة الإرهاب»، معتبراً أنه «يجب على الدولة أن تخترق الجماعات الإرهابية، وعرض مكافآت لتدعيم الدولة بالمعلومات ومراقبة حركة الإرهابيين، لتسهيل القبض عليهم، وبسرعة تنفيذ الأحكام القضائية ضد الإرهابيين، وأن يكون هناك إجراءات حاسمة ورادعة».
من جانبه، قال اللواء فؤاد علام، الخبير الاستراتيجي وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، لـ «السفير»، إن «السبب الرئيسي وراء الإرهاب والتفجيرات التي تشهدها مصر بصورة شبه يومية هو قدوم الإرهابيين عبر الأنفاق وحدود مصر الشرقية مع غزة»، مضيفاً «باقي حدود مصر الأخرى مؤمنة بالكامل، ولا خوف منها».
وأضاف «هناك حل لدحر الإرهاب يتمثل في وضع منظومة شاملة، لها ستة محاور، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وإعلامية ودينية»، لافتاً إلى أن «كل محور يتطلب قيام الوزارات بواجبات محددة لمواجهة الإرهاب لتقليل الخسائر، وغلق الباب أمام محاولات الإرهابيين تجنيد شبان جدد ودخول التمويل إليهم».
وأكد علام أن «هذه المنظومة قادرة على منع الإرهاب، لأنها تتضمن استيعاب الشباب وتوعيتهم وتصحيح المفاهيم، ومواجهة الفكر الضال، وإثبات أن الأسانيد الفقهية التي يتبعونها لا تستند لصحيح، والمنظومة تخلق وعياً عاماً بالدولة وتجعلها تنهض في مواجهة الإرهاب وبالتالي يتراجع الإرهاب ويمنع التعاطف مع الإرهابيين».
وتابع «لست مع تفريغ الشريط الحدودي وتهجير السكان، ولكن يجب أن يكون هناك بحث فني لكيفية غلق هذه الأنفاق والسيطرة عليها، والقوات المسلحة تقوم بدور بطولي في كشف الأنفاق وتفجيرها، ونجحت حتى الآن في أداء دورها وغلق أكثر من 90 في المئة منها، والأنفاق التي يقوم الإرهابيون بحفرها أصبحت لا تشكل خطراً كالعام الماضي».