سورية.. الرقم الصعب بوجه صناع الموت

سورية.. الرقم الصعب بوجه صناع الموت

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١ يوليو ٢٠١٥

لم يكن بريجنسكي مخطئًا عندما زار أفغانستان وقال: من هنا سأصل إلى قلب موسكو. لقد خرج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان يحمل جثث 30 ألف قتيل نتيجة حرب استنزاف قادتها المخابرات الأمريكية، وتلاها خروج الشيوعية من الحكم. ولكن المخطط لم يتوقف، فدخل إلى الفناء الخلفي الإسلامي لروسيا كتركمنستان وأذربيجان وتتراكستان وقرغيزيا وأخيرًا الشيشان التي انتهت بـ15 ألف قتيل روسي. هذه الحرب المستمرة لم تكن إلا جزءًا من صناعة الموت التي برعت بها المخابرات الأمريكية، ولا ننسى الحروب السرية في أمريكا اللاتينية بحجة مواجهة الشيوعية بقيادة نغروبونتي.

في العمق، لم تقم أمريكا بصناعة الإسلام السياسي، ولكنها أيقظنه لتستخدمه تحت عناوين متعددة أقلها القاعدة أو داعش أو أي اسم آخر. قد لا يكون مضرًا إن ذكرنا مثلاً أنّ بريطانيا وعلى يد لورنس العرب نفسه، قامت بتشكيل مقاومة إسلامية ضد الجيش القيصري الروسي وهزمته.

كل ما ذكرت هو جزء بسيط من الذاكرة الروسية التي تعلم تمامًا أنّ ما يجري في سورية يدق أبواب موسكو وبكين معها، وخاصة أنّ هناك أولوية إسلامية هي جزء من جيش مليوني هدد به بندر بن سلطان وعلى لسان السي آي ايه عند مقابلته لبوتين. هذا الجيش الذي يضم مرتزقة إسلاميين من كل أنحاء العالم، لا تهمه التسميات بقدر ما يسعى إلى فرض فكرة الخلافة التي تغازل خياله وخيال التنظيم العالمي للإخوان الذي هو الواجهة السياسية المتعاقدة مع السي آي ايه.

في العمق، هناك شيء خارج عن السيطرة أصبح ينتشر كالوباء نتيجة الفراغ الإيديولوجي في العالم، هذا الوباء اسمه الفكر الجاذب الذي بدأ يداعب خيال الكثير ممن يريدون أن يواجهوا أمريكا وكل الدول الرأسمالية. هذا الفكر الذي كان يطلق عليه اسم الجهاد والذي كان محصورًا بيد حديدية، انفلت وأصبح يتفشى كالسرطان مهددًا أمن صانعيه، وأصبح يطرق أبواب السيطرة والقوة ليدمرها من الداخل. لقد أصبح هناك إرهاب منفلت لا يمكن السيطرة عليه متواجد في ليبيا ونيجيريا والسنغال وفي الانتشار القبلي الإفريقي غير المنضبط وفي أواسط آسيا وصولاً إلى أواسط القوقاز، بمعزل عن الإسلام المتمرد في أوروبا الذي يريد إثبات موجوديته السياسية عبر الفوضى. وهذا يصب طبعًا في ضرب الكيان الإمبراطوري الأمريكي الذي ستتهاوى أنظمته التي يعتمد عليها في السيطرة. وطبعًا، لا ننسى عمق المشكلة ومركز الطاقة أي الشرق الأوسط. إنّ الإرهاب الآن سيطال الجميع ولن يرحم لا أمريكا ولا روسيا ولا الصانعين الإقليميين.

أمام هذه الصورة المستحدثة والقاتمة، كانت سورية تخوض حربها على جميع الجبهات. قد تكون أفشلت المخططات وجعلت أخصامها يلجؤون إلى اللعبة السابقة التي استخدموها في أفغانستان مستخدمةً أسلوب اللعب على وتر الزمن الدموي، ولكنها في العمق استطاعت مع حلفائها أن توقف انتقال الجيش المليوني إلى الداخل الصيني والروسي وأوقفت عنوان الصراع السني الشيعي لاحقًا من خلال حصر المعارك مع حلفائها تحت عنوان مكافحة الإرهاب الإقليمي، وهذا طبعًا يطيح بالمخطط وأصحابه ويفسر اهتزاز تركيا والسعودية وعدم مقدرة أمريكا على تغطيتهم. وهذا ما يفسر الانقلابات الداخلية وما تلاها من تراجع إلى خط واحد عنوانه إمّا السقوط والاستسلام أو الدخول مع خط المواجهة الممتد من موسكو وبكين وطهران ودمشق بتحالف لمواجهة الإرهاب المنفلت. وأمام هذا الواقع، انبرى بوتين مفاوضًا عن الخط بكامله كقائد مفوَّض ولكن ضمن حدود سيادة الشركاء. الموضوع الآن على طاولة المفاوضات والعروض تنهال من كل الاتجاهات، وعلى بوتين وشركائه اختيار ماذا يريدون تكتيكيًا واستراتيجيًا. ولكن هذا لا يعني أنّ موسكو لا تعلم أنّ الدعم الكامل لسورية في المواجهة الحالية والقادمة هو أقوى الأوراق على طاولة المفاوضات. وللعلم، لا أحد في الكون يستطيع أن يفرض على السوريين ما لا يريدون.

قالها وليد المعلم بوجه الأمريكيين وحلفائهم ورددها بشكل دبلوماسي من موسكو حين قال: يريدون أن يكونوا حلفاء على حساب دمنا، غريب أنّ القاتل والصانع يصبح مواجهًا للإرهاب ورغم ذلك نحن نفوّض بوتين بالمتابعة وننتظر معجزة، وكم سيكون حجم هذه المعجزة طالما وضع السوريون عنوانها، إنّها يجب أن تكون على مستوى الدم السوري الذي أهدر على أيديهم، فهل هم على استعداد؟؟ إنّه الدم السوري ولا شيء غيره، لا شيء.. والجميع يعلم ذلك لأنّنا لا زلنا رغم قتالنا في مدننا وقرانا وأزقتنا، نتقن اللعب الدولي والإقليمي فالصراع بيدنا سيبقى مصنّفًا تحت عنوان مع سورية وليس عليها... إنّها سورية، الرقم الصعب!