الإرهاب يُوجع مصر في ذكرى ثورتها.. اغتيال ينقل الصراع مع الدولة إلى مرحلة جديدة

الإرهاب يُوجع مصر في ذكرى ثورتها.. اغتيال ينقل الصراع مع الدولة إلى مرحلة جديدة

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣٠ يونيو ٢٠١٥

وجّه الإرهاب ضربة موجعة لمصر عشية الذكرى الثانية لـ «ثورة 30 يونيو» التي اسقطت نظام «الإخوان المسلمين»، وتمثلت في اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في تفجير استهدف سيارته في أحد أحياء القاهرة.
وبرغم التهديدات المسبقة، التي انتشرت قبل أيام عبر الصفحات الإلكترونية التابعة للجماعات المتشددة، بتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات كبيرة في ذكرى «ثورة 30 يونيو»، وبالرغم من أن النائب العام هو من أكثر الشخصيات التي تعد مستهدفة من قبل عصابات الإرهاب، إلا أن الجريمة التي كان يجب توقعها وتفاديها نفذت بالفعل، وأودت بحياة أحد أبرز رموز الدولة المصرية.
العملية تعد تطورا نوعيا في المواجهة بين الدولة المصرية والعصابات المتشددة.
وبرغم الملاحقة الأمنية الممتدة لجماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية وأخواتها، والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى وآلاف المعتقلين، فإن عملية اغتيال النائب العام المصري كشفت عن امتلاك تلك الجماعات قدرات غير متوقعة.
ولعل تفخيخ سيارة في العاصمة المصرية وتحديد مكان الهدف ومسار موكبه، والتغلب على وجوده في سيارة مصفحة ووجود حراسة محيطة به، كلها أمور تختلف بشكل حاسم عن تفجير برج كهرباء في مكان ناء أو ترك عبوة بدائية على قارعة الطريق.
هذا المستوى في العمليات الإرهابية بما يمثله من تحدّ لأجهزة الأمن، بتطابقه مع كل التوقعات للزمان والمكان والشخص المستهدف، لم يحدث من قبل سوى في سيناء التي تتمتع فيها الجماعات المتطرفة بمزايا عدّة لا تتوافر في قلب العاصمة المصرية.
عملية اغتيال النائب العام التي هزت مصر صباح أمس، وفاجأت الجميع رغم الإنذارات المبكرة، أدّت إلى خسارة البورصة المصرية 4.5 مليارات جنيه، وأنهت بشكل حاسم كل التوقعات بالتهدئة بين الدولة المصرية وجماعة «الإخوان»، حيث تصاعدت سريعا الأصوات المطالبة بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق أعضاء الجماعة وبإعلان حالة الطوارئ واتخاذ سائر الإجراءات التصعيدية ردا على الجريمة.
«الهيئة العامة للاستعلامات»، وفي بيان ورد إلى «السفير»، أشارت إلى أن «الجريمة الإرهابية التي اقترفها عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، وأسفرت عن استشهاد النائب العام المستشار هشام بركات، تشكل تأكيداً جديداً على استمرار هذه الجماعة الإرهابية في نهج العنف والقتل، وتبرهن على رفضها لدولة القانون، بل ولفكرة الدولة المصرية من أساسها».
وأضاف البيان أن «استهداف رموز القضاء بهذه الجريمة، هو امتداد للتاريخ الأسود لجماعة الإخوان، بداية من اغتيالهم للقاضي أحمد الخازندار في 22 آذار العام 1948... وصولاً إلى اغتيال ثلاثة من الشباب القضاة في مدينة العريش في 16 أيار العام 2015».
واعتبرت «الهيئة العامة للاستعلامات» أن «هذه الجريمة جزء من مخطط الإرهاب الذي شاهده العالم على مدار الأيام الأخيرة في كل من تونس والكويت وليبيا، وامتداد لجرائم داعش في كل من العراق وسوريا»، مشيرة إلى أن جماعة «الإخوان» هي جزء، بل هي الأصل، لكل هذه التنظيمات التي تتبنى إيديولوجية واحدة معادية للحضارة ولكل معاني الاستقرار والتقدم الإنساني».
ويبدو أن جريمة الاغتيال، التي أوقفت برامج الاحتفالات الرسمية بذكرى «ثورة 30 يونيو»، ستكون لها آثار ممتدة، وستترك بصماتها على المرحلة المقبلة من المواجهة بين الدولة المصرية والإرهاب.
أحمد بان، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، يقول في حديث إلى «السفير» إن تفاعلات تلك العملية ستكون سلبية، وستدفع إلى الصدام الصفري بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان».
ويوضح بأن «الدولة ستصعد من إجراءاتها القمعية ضد الإخوان، وستخلق تلك العملية مبررات إضافية لدى الأمن؛ ومن جانب آخر ستغذي تلك الإجراءات التطرف لدى الجماعة وتدفعها إلى المزيد من العنف»، مشيرا إلى أن هذه الجريمة «أطاحت كل احتمالات المصالحة والتصالح بين الدولة والجماعة».
ولكن العملية في حد ذاتها تعبر عن تطور ملحوظ لدى منفذيها.
وفي هذا الإطار، يقول بان: «أتصور أن بروز مجموعة قيادية جديدة تتبنى العنف في جماعة الإخوان المسلمين في مواجهة القيادة القديمة، ومحاولتها تنظيم العنف العشوائي الذي كان يقوم به أفراد ومجموعات، من بين العوامل التي أنتجت هذه العملية». ويضيف: «نحن أمام أول محاولة لتنظيم العنف من جماعة الإخوان، والهدف كان النائب العام، الذي تعتبره الجماعة المسؤول الأول عن إحالة قضايا الإخوان إلى المحاكمات التي حصلوا فيها على إعدامات وأحكام بالسجن المؤبد».
ويتابع: «هذا يعد تحوّلاً كبيراً، فبالنظر إلى الشخصية المستهدفة وطريقة تنفيذ العملية ومكانها وتوقيتها والتقنيات المستخدمة، نكتشف درجة من التطور لا يمكن إهمالها».
وحول تأثر «الاخوان» بالملاحقة الأمنية يقول بان إن «جماعة الإخوان المسلمين لها من الخبرات الحركية والتنظيمية الممتدة ما يجعلها تلتف على الملاحقات الأمنية والضربات المتتالية، وسواء كانت جماعة الإخوان من نفذ العملية أو إحدى المجمعات المتعاطفة معها فتصوري أنه حدث دمج للخبرات بين مجموعات مختلفة أنتجت درجة أعلى من الحرفية في تنفيذ العمليات، وهو ما يهدد بمحاولات لتطوير تلك العمليات أو على الأقل تكرارها في المستقبل القريب».
قد تمثل العملية التي وقعت أمس بداية مرحلة جديدة من المواجهة والصراع بين الدولة المصرية والإرهاب، وقد تكون بداية فعلية لإجراءات جديدة تتخذها السلطات الأمنية... ولكن الأمر قد يسير بشكل مختلف.
اللواء عادل سليمان، الخبير الأمني ورئيس «مركز الدراسات المستقبلية»، يقول في حديثه إلى «السفير»: «غالباً، أي عملية إرهابية كبيرة تنفذها الجماعات المتطرفة تليها فترة سكون وكمون. لذا فمن الصعب توقع حدوث عملية جديدة سريعا، خاصة أن اغتيال النائب العام يعد أكبر عملية إرهابية منذ محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم».
ويضيف سليمان: «لا يمكن القضاء على الإرهاب سريعا وبشكل تام، فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، أعلنت الحرب على الإرهاب منذ العام 2001، وحتى الآن لم تقضِ عليه. وتنظيم داعش تلاحقه جيوش ضخمة من أنحاء العالم ولم ينتهِ بعد».
ويرى سليمان أن «الحرب على الإرهاب ممتدة ومفتوحة، ويجب أن نتوقع فيها الخسائر».
وفي هذا الإطار، يعتقد سليمان أنه «لا توجد احتياطات (أمنية) كاملة» في المعركة ضد الإرهاب، موضحاً أن «النائب العام كانت سيارته مصفحة وكان في موكب حراسة ومؤمنا جيدا... ومع ذلك تم اغتياله».
ويضيف سليمان أن «صعوبة مواجهة الإرهاب تكمن في صعوبة توقع ضربته. شاب يظهر فجأة على مسبح حاملا بندقية آلية ويفتح النار على المصطافين، وآخر يفجر نفسه في مسجد، وثالث يلقي بعبوة ناسفة على جانب الطريق... وأشكال لا حصر لها من العمليات الإرهابية في أي لحظة وأي مكان؛ لا يمكن وقف كل ذلك والقضاء عليه بكبسة زر».
ويوضح سليمان: «لذلك، فإن مواجهة الإرهاب يجب أن تكون على الأصعدة كافة، وليس على المستوى الأمني فحسب، ويجب أن نسأل أنفسنا لماذا يقوم شاب في مقتبل عمره بتفجير نفسه، ولماذا يريد البعض رؤية الجثث تتطاير»، مشيراً إلى أن «هناك أسباباً يجب أن نبحث عنها ونعالجها، جنبا إلى جنب مع المواجهة الأمنية الفعالة والنشطة، ولكن من دون إهمال باقي الجوانب».
الذكرى الثانية لـ «ثورة 30 يونيو» التي أسقطت نظام «الإخوان المسلمين»، أتت بعملية اغتيال نوعية تحاول بها الجماعة المحظورة تأكيد وجودها. ولكن ذلك الوجود الذي تؤكده تفقد به وجودا آخر ربما أكثر أهمية. فمع التطور الجديد الذي تحرزه العمليات الإرهابية، يبدو أن أي هامش سياسي مقضي عليه مسبقا، وسيحل محله عنف يدفع المجتمع كله ثمنه.