بين تدمر وأريحا زوبعة إعلام.. وحرب الحدود معارك

بين تدمر وأريحا زوبعة إعلام.. وحرب الحدود معارك

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣٠ مايو ٢٠١٥

انسحب الجيش السوري من أريحا، ووسط الهالة الإعلامية يحاول الطرف المعادي لدمشق أن يميل بكفة السياسة إلى طرفه، على اعتبار أن الدولة السورية تنهار، لكن الواضح في أن مجريات الميدان السوري لا تقف على جبهة واحدة، فمعركة الحدود مفتوحة على مصراعيها لتأمين جملة المناطق الحدودية، وإذا ما كانت محافظة إدلب ذات ثقل استراتيجي وتحمل من الإيحاءات السياسية الكثير على المستويين الجغرافي لجهة قربها من الحدود السورية ومن الساحل، وعلى المستوى العسكري لجهة أن الحكومة التركية مع من تتحالف معهم يرون فيها شكل الدولة التي يمكن أن تكون لمعتدلي النصرة بعد تعويمها وشرعنة وجودها وهي العملية التي بدأت بالحوار الأخير الذي أجرته قناة الجزيرة القطرية مع زعيم النصرة أبو محمد الجولاني معلناً "الاعتدال على المذهب الأمريكي" إن صح التعبير، فهل اختلت موازين القوى فعلاً..؟

في أريحا فرضت ضخامة هجوم الميليشيات التي حاولت التأسيس على حالة إعلامية استنادا على الشحن الميليشياوي في لقاء "الجولاني" مع الجزيرة، منطلقا للهجوم الذي اعتمد كثافة العدد والنيران، الأمر الذي واجهته الدولة السورية بواقعية، فكان قرار الإخلاء الذي جاء لتحقيق جملة من النقاط في مقدمتها قلب الأدوار في المعركة، والانتقال من نقطة المدافع إلى المهاجم، والذي يتطلب أولاً تخفيف الوجود الميليشياوي في مناطق الشمال الساخنة، بمعنى أن يكون التركيز العسكري السوري حالياً على جسر الشغور لتوسطها المنطقة، وبكونها نقطة ارتكاز أساسية في المعركة الشمالية، لجهة وصلها بين مدينة إدلب وريفي اللاذقية الشرقي، وحماة الشمالي، فالتواجد الميليشياوي في نقطة جديدة سيعني صرف جزء كبير من الميليشيات لحماية هذا الوجود، في حين أن القوات السورية التي كانت موزعة في أماكن عدة من الشمال، وشبه مطوقة في كل منها، باتت اليوم في وضع يسمح لها بالتركيز على نقطة والانطلاق منها إلى نقاط أخرى.كما إن القوات السورية تجنبت حجم خسائر كان سيكون كبيراً لولا هذا الانسحاب، فالمعركة لجهة ضخامة العدد المهاجم وكثافة النيران، لم تكن سهلة، وتعرف الميليشيات ومشغلوها إن الانسحاب من مدينة أريحا لم يكن ثمنه رخيصاً.

 

وإذا ما كان الحديث عبر وسائل الإعلام الخليجية عن تراجع نسبة سيطرة الدولة السورية  فالوقائع تقول، إن سير المعارك في جبهة الشمال، واحدة من جملة معارك الحدود، فما يجري في الحسكة وريفها يجب أن يأخذ بالحسبان، وكل محاولات التشويش المتعمد على ذلك من قبل وسائل الإعلام الموالية للخليج ولحكومة إقليم كردستان العراق، على عمليات الجيش ومحاولة فصل المجهود العسكري للوحدات عن المجهود العسكري السوري، فالقيادات الميدانية للوحدات الكردية تعرف إن قتال هذه الوحدات لتنظيم داعش يستفيد من الإسناد الجوي من سلاحي المدفعية والجو السوريين، دون وجود أي عملية للتحالف الأمريكي في المنطقة تعرف تماماً إن الطوق الذي كان مفروضا عليها في مدينة تل تمر تم فكه من قبل وحدات الدفاع الوطني وقوات المغاوير التي سيطرت على محمية جبل عبد العزيز والسفحين الجنوبي والشرقي قبل أن يخرج مقاتل واحد من الوحدات من مدينة تل تمر نحو المعركة في الجبل، أو بقية مناطق ريف الحسكة الغربي، وتعرف القوى الكردية بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي نشأت عنه الوحدات الكردية، أن الدعم اللوجستي الذي تتلقاه الوحدات ، يأتي من الحكومة السورية، وإذا ما حاول رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي "صالح مسلم" إنكار ذلك عدة مرات التشكيك بهذا بما في ذلك ما حاوله في منتدى موسكو، إلا أن الوثائق التي أبرزها الوفد السوري حينها أسكتت مسلم وسواه من ناكري الدور السوري المباشر.والواقع يقول إن أي من الجهات الغربية أو حتى حكومة إقليم  كردستان العراق ذات النزعة الانفصالية عن الدولة العراقية، لم تجرؤ على ادعاء تقديم هذا الدعم، وبالتالي من غير المنطقي إقصاء الجيش السوري والوحدات المساندة له (الدفاع الوطني – متطوعي المغاوير – العشائر العربية) من المشهد في ريف الحسكة وهذه القوات هي من تتقدم في ريف الحسكة من جهة الجنوب، والجنوب الغربي، والشرق.

 

وبالنظر إلى دير الزور وريفها، يحضر مشهد المعارك الطاحنة التي تخوضها القوات السورية في محيط مطار دير الزور، في حين تنفذ المقاومة الشعبية المكونة من أبناء العشائر عمليات نوعية تستهدف مقاتلي تنظيم داعش في الريف الشرقي، وبالتالي ما هي حسابات التنسيق بين الجانبين السوري والعراقي حال وصول معارك كل من الطرفين إلى المناطق المحاذية للشريط الحدودي، فالواضح والأكيد بأن اللقاءات الثلاثية في العاصمة الإيرانية التي جمعت (سوريا والعراق وإيران) أكثر من مرة، لم تكن لبحث التعاون السياسي و الاقتصادي وحسب، وبالنظر إلى حجم المنجز العسكري للجيش السوري و ما يرادفه من منجز عسكري للمقاومة العراقية والحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية، فإن تأكيد كتائب حزب الله ( تنظيم العراق) على أن التنسيق مع الجانب السوري سيتم حال الوصول إلى منطقة الحدود، وهو وصول لن يكون بعيداً، يفضي إلى أن  العملية العسكرية المشتركة بين المقاومة العراقية والمقاومة الشعبية في سوريا، بدعم من الطيران الحربي للدولتين، لن يطول انتظار انطلاقتها.

 

وبالذهاب نحو العمق الصحراوي لسوريا، فما هي حجم المناطق التي يسيطر عليها داعش، وما هي أهمية تواجد قوات سوريا في عمق الصحراء باتجاه مناطق جنوب تدمر وصولاً إلى الحدود الأردنية، فكلها مناطق صحراوية جرداء لا يوجد فيها أي مدينة سوريا، امتدادا من جنوب تدمر وصولاً إلى مناطق شرق مفرق "أبو الشامات" ومنها إلى مناطق شرق تل أصفر في ريف السويداء، وبذكر الحدود الأردنية، هل يسيطر تنظيم داعش على الشريط الحدودي، و ما الذي تتلقاه بشكل يومي الميليشيات التي تتواجد في بعض مناطق هذا الشريط، وما هو الدور الأردني في وصول جبهة النصرة إلى بعض النقاط على الشريط الحدودي..، ثم ماذا عن حجم الحشود العسكرية من قبل الدفاع الوطني والمتطوعين من مقاتلي السويداء الذين حشدوا لمواجهة أي تهديد محتمل للمدينة، وهذا الدفاع سيكون بإطلاق عملية عسكرية شعبية مدعومة من قبل الجيش السوري بمختلف صنوف الأسلحة، ولعل استكمال الحديث عن معركة الحدود يكون بمنجزات القلمون التي تتكلم عن نفسها.

 

بالتالي، يمكن القول إن أعداء سوريا يدركون قوة دمشق العسكرية والسياسية، ولهذا تحاول القوى المعادية لسوريا إعادة هيكلة الكيانات السياسية في شكل جديد من خلال مؤتمر القاهرة، كما إنها تعمل على تعقيد الحل السياسي من خلال جملة من المسارات التي تم إطلاقها لضرب مسار منتدى موسكو الذي ترى فيه الحكومة السورية المرحلة التمهيدي الصحيحة لمؤتمر جنيف3، ولولا إدراك أعداء سوريا لقوتها، لكن من الواجب أن يتم العمل من قبل المحور الأمريكي بتفعيل شعبية "الائتلاف" بكونه موجود وانصياعه مضمون، وإذا ما كان انهيار سوريا ملموسا ولو بنسبة ضئيلة من قبل واشنطن وتل أبيب، لعملوا على إعادة هذا الائتلاف إلى الواجهة بدلا عن تصنيع بديل جديد من أجل إقناع الرأي العام بأنه الممثل الأنسب للمعارضة السورية وبالتالي من حقه أن يهيمن على المعارضات ويمثلها في مؤتمر تريده أمريكا تفاوضي مع الحكومة السورية، وإذا ما نظر إلى الارتياح الذي تتخذ فيه دمشق قراراتها العسكرية سواء بفتح جبهات جديدة أو حتى إخلاء نقطة عسكرية، لفهم تماماً إن الهجمة الإعلامية المستفيدة من الانسحاب السوري من تدمر ومن أريحا، ما هو إلا زوبعة في فنجان والحرب ما زالت مستمرة، وصفحات الميليشيات المنتشرة في إدلب على مواقع التواصل الاجتماعي هي من تؤكد أن خسائرها في العمليات العسكرية السورية المستمرة كبيرة، خير اعتراف بأن المعركة لم تحسم هناك، والحرب كر وفر.