آل سعود يتجرعون من سمهم..

آل سعود يتجرعون من سمهم..

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣٠ مايو ٢٠١٥

 عباس الزين

ثمانون عاماً على احتلال "آل سعود" لشبه الجزيرة العربية، عاشت خلالها هذه العائلة الى حد ما ضمن حالة أمنية داخلية بعيدة عن أزمات المنطقة. والسبب لا يعود للقدرة العالية على ضبط الأمن، بل إنّ الأزمات الأمنية التي عاشتها المنطقة العربية خلال فترات سابقة وحالية سببها وداعموها "آل سعود". فكان طابخ السم بعيدًا عن تذوقه خلال هذه المراحل. بالإضافة الى الحالة الداخلية، كان التدخل الخارجي بحروب المنطقة وأزماتها الى ما قبل العدوان على اليمن يعتبر تدخلاً غير مباشر. فعبارة الجيش السعودي لم نسمعها سوى بالمناسبات التي تقيمها الأسرة الحاكمة او في صفقات الأسلحة التي يبرمها هذا النظام مع الدول الغربية. غير ذلك لم يكن هناك أي تحرك عسكري للجيش السعودي سوى في البحرين تحت مسمى "درع الجزيرة" لقمع التحرك الشعبي السلمي الذي بدأ هناك.

منذ بداية حكم "آل سعود"، كانت الإدارة الأميركية تعتبرهم منبرًا سياسيًا، وكانت تهدف من خلالهم الى إيصال رسائل الى دول المنطقة، إضافةً الى الإمتيازات النفطية التي تتمتع بها الولايات المتحدة ضمن دائرة حكمهم. ولم تنتهِ الأمور هنا، بل يعتبر نظام "آل سعود" بنكًا مصرفيًا أميريكيًا تغطي من خلاله الإدارة الأميركية كل تكاليف المجموعات المسلحة التي تتحرك ضمن أجندتها. بعد تغير الملامح السياسية والعسكرية للمنطقة، تغيرت معها النظرة الأميركية للنظام السعودي لتتحول من إستغلال سياسي الى إستغلال عسكري. فلم يعد هذا المنبر السياسي يجدي نفعًا مع بدء الحوار الأميريكي الإيراني حول الملف النووي وما سينتجه من انعكاسات سياسية وأمنية وعسكرية. إضافةً الى فشل المجموعات المسلحة على تنوعها من تحقيق الحسم العسكري الذي تريده الولايات المتحدة الأميركية ضد محور المقاومة من اليمن الى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، فكان لزاماً أن تتحرك السعودية عسكرياً.

جاءت وفاة عبدالله بن عبد العزيز مع بدء العدوان السعودي على اليمن، ليدخل النظام السعودي بدوامة من الخلافات في الأسرة الحاكمة، فسعى كل طرف لإرضاء الإدارة الأميركية والسيطرة على الحكم ضمن دائرته العائلية الصغيرة، ورغم كل محاولات النظام الحاكم وعلى رأسه سلمان بن عبد العزيز لتلميع هذه الخلافات وإظهارها بمنطق التحول الطبيعي لإدارة الحكم، فقد بقيت ظاهرة للعلن انها شبه انقلاب قام به سلمان بن عبد العزيز والمقربون منه. واتخاذ هكذا قرار لم يكن بالتأكيد سعودي المنشأ والتخطيط، بل حاجة أميركية من ضرورات المرحلة المقبلة تتناسب مع العدوان السعودي على اليمن من جهة ومع المباحثات الإيرانية الأميركية من جهة أخرى. لكن إنّ الرهان الأميركي على "آل سعود" في إخراج إيران من الجبهة اليمنية كان بوابة دخول هذه العائلة في مستنقع لن ينتهي إلا بخسائر فادحة على الصعد كافة. فمنذ بداية العدوان حتى الآن، ثبت أنّ النظام السعودي لا قدرة له على حسم ما يعتبره خطرًا خارجيًا، بل على العكس، فإنّ تدخله العسكري المباشر للقضاء على هذا الخطر زاد من نسبته، ليدخل بعدها بخطر داخلي يهدد أمنه ووجوده عبر انفجارات متتالية من القطيف الى القديح وأخيراً الدمام.

طالت التفجيرات الإرهابية التي نُفذت عبر سيارات مفخخة او إنتحاريين مناطق سعودية لها توجه معارض الى حد ما لنظام حكم "آل سعود"، ويمكن وضعها ضمن تحليلات عديدة لكنها تصب جميعها في المأزق السعودي الذي توّجه الفشل العسكري. فتورط نظام "آل سعود" بهذه التفجيرات ليس مستبعدًا من جهة حاجة وزير الداخلية الجديد محمد بن نايف للإلتفاف الشعبي الكامل حوله في وجه سيطرة محمد بن سلمان على مفاصل الحكم، مما يدفع المخابرات السعودية للقيام بهكذ أفعال هدفها إخافة سكان هذه المناطق وإجبارهم على طلب الحماية من النظام السعودي مما يؤدي الى تخفيف حدة المعارضة له. ومن جهة ثانية محاولة قمع أي تحرك شعبي يمكن أن يقوم به سكان هذه المناطق ضد النظام السعودي قبل حصوله، وذلك عبر رسالة مضمونها إنّ البديل الوحيد عن حكمنا هو تنظيم "داعش" وعملياته الإرهابية. واذا ذهبنا أبعد من ذلك، فإنّ السم الذي صنعه "آل سعود" برعاية أميركية بدأ يتغلغل داخل الجسم السعودي عبر تلك العمليات، وما تم كشفه من خلايا "داعشية" تتحرك في الداخل السعودي دليل على ذلك. فيكون هدف "داعش" من خلال هذه العمليات إحداث شرخ طائفي سياسي أمني يزعزع حكم "آل سعود" تمهيداً لسيطرة التنظيم على المناطق داخل المملكة من المدينة المنورة ومكة المكرمة، التي يعتبرها التنظيم حاجة ماسة له وأساس لدولته لما تشكله من أهمية على الصعيد الإسلامي.

رغم كل الأسباب والنتائج للتفجيرات الإرهابية التي حصلت، فإنّ نظام "آل سعود" لم يعد بمأمن عن التغيرات الإقليمية والدولية التي تحصل. فالثمن الذي سيدفعه هذا النظام سيكون بحجم المآسي التي سببها للمنطقة العربية منذ وجوده، وبنظرة سريعة فإنّ كل ما عانته الدول العربية وشعوبها من تشتت سياسي وعسكري وأمني بدأ يطال النظام السعودي. فإلى أي مدى يعتبر النظام السعودي قادراً على التغلب على هذه المخاطر؟ وهل ستبقي الإدارة الأميركية على غطائها الكامل لوجوده أم أنّ لعنة صدام حسين ستمتد الى الجزيرة العربية؟؟