"داعش" يستقر في الرمادي... لكن الهدوء لن يستمر على الأرجح

"داعش" يستقر في الرمادي... لكن الهدوء لن يستمر على الأرجح

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٢٩ مايو ٢٠١٥

وصل الرجل الكفيف الذي فقد احدى يديه إلى المسجد الرئيسي في وسط مدينة الرمادي العراقية عند غروب الشمس يوم الأربعاء محاطاً بمقاتلين من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش".
وعندما انتهت صلاة العشاء ألقى الرجل الذي يلف حول رأسه عمامة سوداء خطبة في المصلين أشاد فيها باستيلاء التنظيم على عاصمة محافظة الأنبار، قائلاً إنه أعظم انتصار للتنظيم على القوات العراقية في عام تقريباً.
وعلي عطية الجبوري المعروف لدى الكثيرين باسم "القاضي الكفيف" هو أحد أبرز الشخصيات داخل التنظيم ويمثل وجوده في المسجد مؤشراً إلى هيمنة التنظيم على المدينة التي استولى عليها في 17 أيار الحالي من القوات العراقية.
وقال إنه "بفضل الله أصبح لدى التنظيم طريق مفتوح بين الرمادي والرقّة عاصمة دولة الخلافة التي اعلنتها في سوريا".
ونقل عنه أحد السكان الذي كان بين المصلين قوله إن الناس لهم الحرية في السفر والعمل هناك وإن التنظيم سيساعدهم بكل السبل.
وأعلن التنظيم خلافة (دولة اسلامية) في أرجاء مناطق واسعة من العراق وسوريا متحدياً قوات الحكومة والضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في البلدين.
وقال مسؤولون محليون إنه على الرغم من سمعته المخيفة بارتكاب أعمال عنف وحشية ضد خصومه، بذل متشددو التنظيم جهوداً لاستمالة قلوب سكان الرمادي بتقديم خدمات أساسية وادارة شؤونهم.
وهرب معظم سكان المدينة لكن من بقوا يستمتعون بما يصفونه مسحة من النظام والهدوء في مدينة ظلت ساحة حرب لأكثر من عام.
وقال عبد الوهاب أحمد وهو مدرس يبلغ من العمر 45 عاماً: "ننعم بحلم سار بالعيش في سلام من دون سماع أعيرة نارية أو قنابل ونمشي بحرية في الشوارع".
ووصف أحمد النظام الجديد بأنه يُشبه "منح زجاجة من المياه المثلجة للعطشى".
لكن من غير المرجح أن يستمر الهدوء، فيما تستعد قوات الأمن العراقية والحشد الشعبي بالفعل لشنّ هجوم مضاد لاستعادة المدينة.
وقال أحمد: "الحلم لن يستمر طويلاً وقريباً سنستيقظ على الواقع المرير ونجد أنفسنا في مرمى النيران بين قوات الحكومة ومقاتلي (الدولة الاسلامية)".
قبور جماعية
قال سكان إنه بمجرد أن أعلن المتشددون الانتصار في وقت سابق من الشهر الحالي، بدأوا في إزالة الجدران الخرسانية والحواجز من الشوارع باستخدام جرافات تماماً مثلما فعلوا في مدينة الموصل شمالي العراق التي سيطروا عليها في حزيران الماضي.
وقال أبو عبد الرحمن "انه لشيء جيد أن نرى عودة الحياة الى طبيعتها بدرجة ما في الرمادي... كنا نعيش في ثكنة عسكرية حين كانت السيطرة للقوات الحكومية. الآن نستطيع أن نتذوق الحد الأدنى من الحرية".
وأعاد "داعش" فتح البلدية، ورافق متشددون موظفين من إدارة الصحة لجمع جثث عدد غير معروف من قوات الشرطة والجيش من الشوارع حيث قتلوا. ودُفنوا في مقابر جماعية على مشارف المدينة، بينما سُحبت السيارات المحترقة إلى ساحة للخردة في منطقة ريفية إلى الشمال من الرمادي.
وتحت إشراف المتشدّدين، أصلحت فرق من السباكين مواسير المياه المكسورة وتم توزيع الأطعمة والخضراوات مجاناً من شاحنات مبرّدة. وقامت شاحنتا صهريج رافقهما مقاتلون من التنظيم بتوزيع الوقود على أصحاب مولدات الكهرباء في كل حي وطلبوا منهم عدم المغالاة في الأسعار.
ووُجّهت الدعوة للعاطلين للعمل في البلدية براتب شهري قدره 350 ألف دينار عراقي (270 دولارا) كما وُجّهت دعوات متكرّرة للطبيبات لعلاج النساء في مستشفى الرمادي.
وقالت مصادر عدة داخل الرمادي إنه في أعقاب الزيارة المفاجئة التي قامها بها القاضي الكفيف انسحب المقاتلون من شوارع المدينة وسلّموا المسؤولية لشرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال مقيم: "بعض المقاتلين ودّعونا واعتذروا عن أي إساءة قد تكون بدرت منهم قائلين إنها كانت عن غير قصد"، مضيفاً: "قالوا لنا إنهم سيذهبون لتعزيز الدفاعات على مشارف الرمادي".
وعلى غرار المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرته، لم يضيع التنظيم وقتاً في فرض تفسيره للشريعة الإسلامية. وقام أيضاً بتعيين خطباء لإدارة مساجد المدينة وخوّلهم سلطة حل الخلافات بين السكان.
وصدرت أوامر إلى أصحاب المتاجر الذين يبيعون ملابس النساء بإحضار الزوجة أو الأخت أو الأم للتعامل مع العميلات للحدّ من الاختلاط بين الجنسين.
كما أمر التنظيم بعدم عرض ملابس النساء في واجهات المتاجر وإزالة تماثيل العرض.
وتذكّر بائع للسجائر كيف اقترب منه متشدّد، وقال له: "أخي لا نُريدك أن تبيع ما يُضرّ صحة المسلمين. توقّف عن بيع السجائر ونحن مستعدون لمساعدتك في العثور على عمل كريم آخر".
وعبّر بائع السجائر، الذي طلب عدم نشر اسمه، عن تشكّكه وقال: "أعرف هذه الحيلة جيداً. داعش (الدولة الإسلامية) يطلبون منك بكل أدب في البداية، لكن حين يزدادون قوة لن يتحدثوا معك من الأساس سيلوحون بسكين على رقبتك".
وأظهر تسجيل مصوّر نُشر على الانترنت في وقت سابق من العام الحالي متشدّدين في مناطق أخرى يجلدون رجالاً ُضبطوا وهم يُدخنون.
زرع القنابل
وحذّر مقاتلو التنظيم السكان من المجازفة بالخروج من المدينة لأنهم يقولون إنهم زرعوا شبكة من القنابل للحيلولة دون توغل القوات الحكومية.
وشاهد سكان، كانوا ذهبوا للبحث عن أقارب لهم شردهم القتال شرقي المدينة-، رجالاً وهم يغرسون عشرات من الشحنات الناسفة في الطريق مستخدمين مولدات كهربائية صغيرة متنقلة لتشغيل قواطع كهربائية لشق ثغرات في الأسفلت.
وعندما سُئل قيادي محلي للمتشدّدين عن سبب قيامهم أيضاً بزرع ألغام على جانبي الطريق، قال: "تعلمنا درساً من تكريت حيث كان إخواننا يزرعون القنابل فقط على الطرق الرئيسية. واستخدمت القوات الحكومية وميليشيات الرافضة ... ممرات ترابية لدخول المدينة".
وكانت القوات العراقية والحشد الشعبي طردت "داعش" من تكريت في أواخر آذار الماضي، فيما شكّل انتكاسة للتنظيم.
ونُقل عن القيادي المحلّي للمتشدّدين قوله: "لن نسمح بتكرار نفس السيناريو في الرمادي"، لكن الخبير الأمني العراقي هشام الهاشمي الذي يُتابع تحرّكات المتمرّدين المتشدّدين قال إنه لا يتوقّع أن يحتفظ "داعش" بالسيطرة على الرمادي طويلاً لأن القوات المناهضة له والمسلّحة جيدا تحتشد لهجوم على المدينة.
ورغم الهجوم الوشيك، قال سكان إنهم اختاروا البقاء لأنهم لا يريدون مغادرة بيوتهم أو أن يُعاملوا بنفس الطريقة التي يشكو منها اولئك الذين فروا من الرمادي.
وسعى أغلب الذين شُرّدوا من المنطقة للجوء في بغداد، لكن لم يُسمح لهم بدخول المدينة من دون كفيل، وقال من تمكّنوا من دخول بغداد إنهم تعرّضوا لمضايقات من قوات الأمن والحشد الشعبي التي اشتبهت بأنهم متسلّلون.
وقال أحد سكان الرمادي أبو عمر العبيدي: "نحن متأكدون أن سيطرة مقاتلي (الدولة الإسلامية) مؤقتة .. وأن الحكومة ستعود عاجلاً أو آجلاً. مخاوفنا الرئيسية هي أن تتّهمنا قوات الأمن بتأييد داعش لأننا بقينا في المدينة".
وقال الموظف العمومي المتقاعد سعيد كامل (68 عاما) والذي يملك متجراً للأغذية في وسط الرمادي إنه استسلم لقدره، "بالنسبة لي .. الموت بكرامة أفضل من العيش في مهانة."