السعودية: جهود لاحتواء تداعيات جريمة القطيف

السعودية: جهود لاحتواء تداعيات جريمة القطيف

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٥ مايو ٢٠١٥

بدأت مفاعيل الهجوم الذي نفذه انتحاري من تنظيم «داعش» في مسجد الإمام علي في بلدة القديح في شرق السعودية بالظهور، على شكل احتجاجات وتظاهرات غاضبة تهاجم «النهج الوهابي»، ما استدعى ردود فعل رسمية عاجلة، لاحتواء مفاعيل هذا العمل الاجرامي، الذي يحمل بصمات طائفية خطيرة تهدد النسيج الاجتماعي السعودي.
وكان لافتاً ان وزارة الداخلية السعودية قد سارعت الى الكشف عن هوية منفذ التفجير الانتحاري، والضالعين في هذه الجريمة، بعد يوم واحد من تنفيذ الهجوم، وذلك عبر بيان رسمي، تطرق الى تفاصيل التحقيقات الجارية، والتي أظهرت ان أحد الموقوفين الاسلاميين في احداث نهر البارد، وهو سعودي كان موقوفاً في سجن روميه، هو من أوى الانتحاري الذي يبلغ من العمر عشرين عاماً.
وفي ما يعكس حرص السلطات السعودية على احتواء تداعيات الجريمة، نقلت وكالة الأنباء السعودية «واس» عن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قوله، أمس، إنه «فُجع» بالتفجير الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 21 شخصا وإصابة حوالي مئة بجروح.
وقال الملك سلمان في رسالة وجهها إلى ولي العهد محمد بن نايف، الذي يشغل أيضا منصب وزير الداخلية، «لقد فجعنا جميعا بالجريمة النكراء التي استهدفت مسجدا بقرية القديح مخلفة ضحايا أبرياء، ولقد آلمنا فداحة جرم هذا الاعتداء الإرهابي الآثم الذي يتنافى مع القيم الإسلامية والإنسانية».
وأكد سلمان أن «كل مشارك أو مخطط أو داعم أو متعاون أو متعاطف مع هذه الجريمة البشعة سيكون عرضة للمحاسبة والمحاكمة، وسينال عقابه الذي يستحقه، ولن تتوقف جهودنا يوما عن محاربة الفكر الضال ومواجهة الإرهابيين والقضاء على بؤرهم».
وكانت وزارة الداخلية السعودية قد كشفت، امس الاول، عن تفاصيل الهجوم الارهابي على مسجد الامام علي في القديح.
وقال المتحدث الامني باسم وزارة الداخلية انه «اتضح من إجراءات التثبت من هوية منفذ الجريمة... أنه يدعى صالح بن عبد الرحمن صالح القشعمي، سعودي الجنسية، وهو من المطلوبين للجهات الأمنية لانتمائه لخلية إرهابية تتلقى توجيهاتها من تنظيم داعش الإرهابي في الخارج، وتم كشفها في أواخر شهر رجب الماضي، وقبض حتى تاريخه على 26 من عناصرها، وجميعهم سعوديو الجنسية».
وأضاف ان «المعمل الجنائي أثبت من خلال فحص العينات من بقايا جثة الإرهابي وموقع الحادث أن المادة المستخدمة في التفجير هي من نوع (ار دي اكس)».
واشار المتحدث الامني الى ان «نتائج التحقيقات أسفرت عن ثبوت تورط خمسة من عناصر هذه الخلية الإرهابية في ارتكاب جريمة إطلاق النار على إحدى دوريات أمن المنشآت أثناء قيامها بمهام الحراسة في محيط موقع الخزن الاستراتيجي في جنوب مدينة الرياض»، الشهر الماضي.
وعرض المتحدث أسماء المتورطين وهم عبد الملك فهد عبد الرحمن البعادي، ومحمد خالد سعود العصيمي، وعبدالله سعد عبدالله الشنيبر، ومحمد عبد الرحمن طويرش الطويرش، محمد عبدالله محمد الخميس، مشيراً الى انه ضُبطت بحوزتهم أسلحة نارية ومواد تفجير ونشرات تشرح كيفية إعداد المتفجرات، واخرى تحتوي على «فتاوى للفكر الضال».
وتابع ان «أدوار بقية الموقوفين من عناصر هذه الخلية، وعددهم 21، تمثلت في تبني فكر تنظيم داعش الإرهابي، والدعاية له وتجنيد الأتباع، خاصةً صغار السن، وجمع الأموال لتمويل عملياتهم، ورصد تحركات رجال أمن وعدد من المواقع الحيوية، والتستر على المطلوبين أمنياً، وتوفير المأوى لهم ومن ضمنهم منفذ العملية الانتحارية ببلدة القديح، والذي تبين ان الموقوف عصام سليمان محمد الداود كان يؤويه».
ونقلت صحيفة «الجزيرة» السعودية عن المتحدث الامني قوله ان عصام الداود سبق أن أعادته السلطات السعودية من لبنان عندما كان موقوفا من قبل السلطات اللبنانية على ذمة قضايا إرهابية.
وتبيّن ان الداود كان موقوفاً في سجن روميه المركزي، غداة توقيفه على خلفية انتمائه الى صفوف تنظيم «فتح الاسلام» الارهابي، الذي خاض معارك ضد الجيش اللبناني خلال معارك مخيم نهر البارد، في العام 2007.
ووقع الهجوم الانتحاري في القديح في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة التوتر في المنطقة الشرقية، على خلفية الحرب التي تقودها السعودية على الحوثيين في اليمن.
وشهدت المملكة تعاطفا شعبيا ملحوظا مع ضحايا القديح، بالرغم من ارتفاع منسوب التوتر الطائفي الذي ينعكس جليا على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي خطابات عدد من رجال الدين المعادين لـ «الشيعة».
ويتركز الحضور الشيعي في شرق السعودية، وشهدت المنطقة الشرقية في خضم ما عرف بـ «الربيع العربي» في العام 2011، حركة احتجاجية قتل خلالها حوالي 20 شخصا.
وعبر عدد من سكان المنطقة الشرقية، أمس، عن غضبهم وألمهم إزاء الهجوم على القديح، ويستعد السكان لتشييع جماعي لضحايا الهجوم، وبينهم طفلان بحسب مصادر من المنطقة، وقال مواطن سعودي من أبناء المنطقة لوكالة الصحافة الفرنسية إنه فقد ثلاثة من أصدقائه في الهجوم، وردا على سؤال ما اذا كان هناك أي توجه للقيام بردود فعل على الهجوم، قال هذا الرجل «كلا، كلا ... ليس هناك أي تحرك ... أهالي الضحايا يريدون العدالة فقط»، وأضاف «على الحكومة ان تحمي الشعب، واذا لم تفعل ذلك، فإنها تتحمل المسؤولية».
من جهته، كتب المعلق السياسي خالد المعينة في صحيفة «سعودي غازيت» الصادرة باللغة الانكليزية أن «بعض الأئمة يفرغون حقدهم وينشرون معلومات مغلوطة عن مسلمين من مذاهب اخرى ... ونحن علينا ألا نبقى صامتين».
وكان مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ قد سارع إلى إدانة الهجوم الذي اعتبره «حادثا إجراميا» يستهدف الوحدة الوطنية.
ووصف المفتي الهجوم على المسجد بأنه «محاولة لنشر الفوضى»، في وقت نزل آلاف المحتجين إلى شوارع القديح بعد ساعات على الهجوم، وقال المتظاهرون الذين ترحموا على أرواح الضحايا إن قوات الأمن تترك قراهم من دون حماية، كما اعتبروا أن المذهب الوهابي - المذهب الرسمي للمملكة - يشجع المتشددين ويدفع للتعصب والتحامل على الأقليات في المملكة.
وقال آل الشيخ إن «هذا الحادث حادث مؤثم إجرامي تعمدي، حادث خطير يقصد المنفذون من ورائه إيجاد فجوة بين أبناء الوطن ونشر العداوة والفتن في هذا الظرف العصيب والمملكة تدافع عن حدودها الجنوبية».
وحث الشيخ محمد عبيدان - وهو رجل دين شيعي محلي بارز - المواطنين على ألا يستسلموا لغضبهم وأن يصونوا السلام، ودعا المصلين إلى الصلاة في هدوء وضبط النفس وقال إن هذا هو الطريق الصواب للرد على هذه القوى الفاسدة الظلامية البغيضة.