هل بدأت واشنطن مشروع تقسيم المملكة من بوابة تفجير القطيف؟

هل بدأت واشنطن مشروع تقسيم المملكة من بوابة تفجير القطيف؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٣ مايو ٢٠١٥

 أكثر من 2000 كلم مربع بين السعودية واليمن بحكم المشتعلة والقابلة للمزيد من الاشتعال، طالما استمر آل سعود في تورّطتهم باليمن خدمةً للكونغرس الامريكي ولنتنياهو الساعيين لإفشال اتفاق 30 حزيران من بوابة اليمن. حوالي 814 كلم مربع من الحدود العراقية مع المملكة بركان نار مشتعل ووعيد من داعش أنّ آخر المطاف الوصول الى الحرمين والى "خادمهم". اليوم، ارتأى مشغل آل سعود في الغرف السوداء الإيعاز للعقل الأمني السعودي بإرسال رسالة ترهيبٍ لأهل المنطقة الشرقية تنذرهم بأنّ البديل عن آل سعود هو هذا النموذج الداعشي، ما قد يردعهم عن القيام بأي خطوة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به مملكة آل سعود. إنه فخٌ آخر وقع فيه حكام المملكة، وكما رأينا اليوم على شاشات التلفزة فإنّ الوعيد بالانتقام من قبل أقرباء ضحايا المسجد يؤشر على نجاح خطة المشغل في إشعال الجبهة الشرقية، ليكتمل الغلاف الناري حول المملكة من البحرين الى المنطقة الشرقية مرورًا باليمن والعراق، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ حدود المملكة الجنوبية الشرقية مع عُمان هي ليست حدود حليفٍ أو موالٍ.

أسئلة كثيرة تطرح نفسها الآن، وفي الاجابة عنها تأكيدٌ على أنّ الامريكي ماضٍ في عملية التفتيت والتقسيم في المنطقة حتى مع البلاد الحليفة له، وهو أكثر إلحاحاً وجديةً في هذا المشروع من أي وقتٍ مضى، فلماذا كانت ثورة اليمن في بداياتها سلمية ولم تكن ليبيا وسوريا كذلك؟ مع العلم أنه كان يوجد في اليمن أكثر من ستين مليون قطعة سلاح عشية الثورة؟ هل كان الخيار يومها الأمن الاستراتيجي للسعودية النفطية؟ إذا كان الجواب نعم، فهذا يعني أنّ هذا الخيار لم يعد موجوداً. والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه بتوقيته الآن: لماذا لم يقوم انتحاري سلفي بتفجير نفسه في المنطقة الشرقية قبل الآن؟ مع العلم أنّ عشرات الانتحاريين فجروا ويفجرون أنفسهم في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس وغير مكان؟ فهل أتت كلمة السر لإشعال المنطقة الشرقية؟ ماذا عن توريط المملكة بتبني عبد ربه منصور هادي وتأمين خروجه الى الرياض والدعوة الى مؤتمر للحل في اليمن ومن ثم الدعوة الى جنيف لنفس السبب وبتشاورٍ ورضى إيراني وحوثي؟ ألا يشكل ذلك إفشالاً وإبطالاً لمفاعيل مؤتمر الرياض وقفزاً فوق الارادة السعودية؟ أم أنّ واشنطن ترد على غياب سلمان عن لقاء كامب دافيد بإفشال مؤتمر الرياض؟ أسئلةٌ كثيرةٌ تطرح نفسها وبعمق لتجد لها جواباً واحداً لا لبس فيه، هو أنّ توريط المملكة بأول حربٍ مباشرة مع "عدو" مُر وصعب كاليمن هو توطئة لهز أركان الدولة السعودية وبدء حفر الرمال من تحت قصورها تمهيداً لإضعافها وسلخ اوراق القوة منها ثم الانقضاض الناعم عليها.

إنّ تكتيك "الفوضى الخلاقة" الذي تستعمله واشنطن قسّم العالم الاسلامي والعربي الى جبهتين: جبهة سعودية – قطرية تركية، وجبهة إيرانية سورية يمنية، بالإضافة الى رأس حربتها أي المقاومة اللبنانية، لتُفتح ابواب الصراع على مصراعيها من لبنان الى سوريا فالعراق واليمن وصولًا الى الرياض. وفي هذه المعركة التي تشكل بوابة العبور الإلزامي والمحتم للشرق الاوسط الجديد، تختلف نوايا الجبهتين وأولوياتهما. فالمحور الاول لا يأبه للتقسيم وأخطاره، بل يشارك في تقدمه وإنجازه ظناً منه أنّ السير بركب المشروع الامريكي الصهيوني حبل نجاة وحماية لعرشه، بينما الجبهة الاخرى تحاول أن تفشل هذا المشروع بالحفاظ على وحدة سوريا ووحدة العراق ووحدة اليمن، وهي بطبيعة الحال، وإن تريّثت حتى الخروج من فخ عامل الوقت حتى 30 حزيران، اي موعد انهاء الاتفاق النووي، إلّا انها لن تسمح بأي تقسيم لهذا المحور ولو كلف حرب استنزاف قاسية ومدمرة ومكلفة، فالخيارات مفتوحة أمامه بعد 30 حزيران، ولن يكون إلّا هو صاحب الطلقة الاخيرة، وسيجد أصحاب المشروع التقسيمي من تل ابيب الى واشنطن أنّ ما تبقّى من حلم التقسيم الذي يضعف القدرات العربية ويشتت قوتها ويبدد ثرواتها لن يتحقق إلّا في الدول الخانعة والمرتهنة لهم وعلى رأسها مملكة آل سعود التي ستتحول الى "كويتيات" صغرى على اساس ديني ونفطي ومذهبي.

صحيح أنّ تغيّر الخرائط قادمٌ لا محالة، وصحيحٌ أيضاً أنّ المعركة الحالية هي معركة رسم الحدود المستقبلية للشرق الجديد. ولكن، رسم الخرائط الجديدة بعكس ما يظن الكثيرون انه استنساخٌ جديد لسايكس بيكو قديم، فعام 1916 ليس كعام 1979، وثورة الخميني لم تصنعها دوائر المخابرات الانكليزية كما صنعتها مع الشريف حسين، وبيروت 1982 و2006 ليست منطقة لتنزه الجيش الاسرائيلي، ونظام الاسد في سوريا ليس كنظام مبارك وبن علي ومعمر القذافي، واللجان الشعبية في اليمن ليست كجيش صدام حسين، والاهم من ذلك كله أنّ السعودية اليوم ليست سعودية "عبد العزيز وايزنهاور"، ومن يدقق بأبعاد استبعاد بندر وسعود الفيصل اللذين تحكّما بالخريطة السياسية والامنية على مدار أربعة عقود من افغانستان وكوسوفو وباكستان وعراق حرب الخليج الاولى، سيجد أنّ من قلّم أظافر المملكة الخارجية هو السيد الامريكي، الذي استدعى آل سعود إلى حفلة شواء في اليمن... هم حطبُها، ورمادها.