الحظر النفطي الأمريكي ومصالح واشنطن الاقتصادية وجهان لعملة واحدة

الحظر النفطي الأمريكي ومصالح واشنطن الاقتصادية وجهان لعملة واحدة

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٧ سبتمبر ٢٠١٨

 يدّعي الأمريكيون أنهم يفرضون الحظر النفطي ضد إيران على خلفية المزاعم التي يروّجون لها بشأن "إجراءات إيران الشريرة"، لكن زيادة صادرات النفط الأمريكي إلى الدول التي كانت في المرحلة السابقة تستورد النفط من إيران، تشير إلى أن واشنطن غير صادقة فيما تروّج له حيث إن الحقائق والشواهد تؤكد بأن هناك مصالح اقتصادية تكمن في هذه الإجراءات المتغطرسة من جانب أمريكا.
أشارت وكالة بلومبيرغ للأنباء الأسبوع الماضي إلى أن كوريا الجنوبية قررت كأول دولة، وقف استيراد النفط من إيران، وفي مقابل هذه الخطوة توقّعت شبكة "سي ان بي سي" الإخبارية المتلفزة أن "سيول" ستكسر الرقم القياسي خلال نوفمبر القادم في مجال استيراد النفط من أمريكا.
إذن تتضح الصورة هنا بأن أمريكا لا تفرض الحظر على إيران انطلاقاً من خلافاتها مع الأخيرة بشأن القضايا النووية والسياسية بل نظراً لعجزها عن منافسة إيران في مجال صادرات النفط والاستحواذ على الأسواق العالمية الجديدة بعيداً عن المنافسة مع إيران.
كما يشير تقرير صادر عن منظمة الطاقة الدولية إلى أن أمريكا ستصبح خلال العام 2018 أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، ومن الممكن أن تتخطى مستوى الإنتاج لدى كل من روسيا والسعودية أيضاً.
وفي سياق متصل أعلن مركز معلومات الطاقة في أمريكا أن الأخيرة أنتجت خلال العام 2017 ولأول مرة منذ العام 1970، أكثر من 10 ملايين برميل يومياً.
النمو الملحوظ في حجم الإنتاج للنفط الخام الأمريكي يستدعي أسواق صادرات جديدة، لكن في ظل المنافسة القوية السائدة بين الدول الأعضاء بمنظمة أوبك سعياً للحفاظ على حصصها أو زيادة هذه الحصص لدى الأسواق العالمية، يبدو أن الحلم الأمريكي برفع حجم صادرات الخام والعثور على أسواق جديدة سيكون صعب المنال بالنسبة لهذا البلد.
وفي سياق تحديد أهم الأسباب التي تسهم في عجز النفط الأمريكي عن منافسة الخام الإيراني، ينبغي الإشارة إلى البعد الجغرافي وتكاليف النقل الباهظة المترتبة على تصدير النفط إلى البلدان الآسيوية، لكن في المقابل لا تواجه إيران هذه العقبات وهي قادرة على تصدير نفطها بتكاليف أقل من البلدان الأخرى بما فيها أمريكا، وعلى سبيل المثال تجدر مقارنة المسافة بين الهند، بوصفها بلداً مستورداً للنفط، مع كل من إيران وأمريكا.
أما السبب الآخر يكمن في جودة الخام الأمريكي الخفيف والتي لا ترقى إلى مستوى جودة الخام الإيراني الثقيل الزاخر بمادة الكبريت.
وفي الشأن نفسه، يقول رئيس مركز أبحاث الطاقة في مؤسسة مورنينغ ستار، مصرحاً لشبكة بلومبيرغ: إن النفط الخام لدى شركة شيل الأمريكية لا يستطيع أن يحلّ مكان النفط الإيراني، مردفاً: إن مصافي التكرير الهندية عاجزة عن استقطاب جميع شحنات الخام الأمريكي التي كانت متجهة نحو الصين، ورغم أن الهند قادرة على استيراد كميات أكثر من الخام الأمريكي إلا أن الإشكالية تكمن في عجزها عن تكرير هذا النفط..
ومع كل هذه التعقيدات فإن واشنطن تواصل ضغوطها على نيودلهي لوقف استيراد الخام الإيراني، لكن الهنود لا يرغبون في ذلك لأنهم يعرفون جيداً بأن النفط الإيراني يتمتع بجودة مناسبة كما أن طهران قررت منح زبائنها المزيد من التسهيلات بهدف الحفاظ على العلاقات معهم.
ولا يخفى أيضاً بأن هناك سبباً آخر يوضح عجز أمريكا عن منافسة إيران على صعيد أسواق صادرات النفط، والذي ينجم عن الحرب التجارية بين أمريكا والصين وما ترتب عليها من تهديدات من بكين بشأن فرض رسوم بنسبة 25 بالمئة على استيراد الخام الأمريكي.
هذه الإجراءات العقابية من جانب الصين ستؤدي بطبيعة الحال إلى خروج الخام الأمريكي من حلبة المنافسة داخل الأسواق الصينية وبالتالي سيزيد من شدة الضغوط التي تعصف بالأمريكيين للعثور على زبائن آخرين، وبذلك فإن أسواق الهند الكبيرة ستكون مغرية كثيراً بالنسبة لواشنطن.
وعلى الصعيد نفسه، جاءت الزيارة الأخيرة لوزيري الخارجية "مايك بومبيو" والدفاع "جيم ماتيس" الأمريكيين إلى الهند، حيث أكد كبير الدبلوماسيين في الإدارة الأمريكية رغبة بلاده أن تلغي نيودلهي استيراد النفط الإيراني واستبداله بالخام الأمريكي.
يضاف إلى ذلك أن أمريكا تحرّكت نحو اليابان وكوريا الجنوبية لإقناع البلدين على الكفّ عن استيراد الخام الإيراني وفي المقابل زيادة حجم استيراد النفط الأمريكي الخفيف، كما قدمت إلى البلدين الكثير من الإغراءات والمحفزات، وخصصت بعض الخصومات على شحنات النفط المصدرة إليهما، وبالتالي، فقد أرغمت سياسة الضغوط الأمريكية اليابان وكوريا الجنوبية على وقف استيراد الخام الإيراني وفي المقابل شراء كميات كبيرة من النفط الأمريكي.
وفي ضوء ما تقدم، ينبغي التنويه من جديد إلى أن زيادة صادرات النفط الأمريكي إلى الدول التي كانت في المرحلة السابقة تستورد النفط من إيران، تدل على أن واشنطن غير صادقة فيما تروّج له من أن "الحظر الذي تفرضه على إيران ينبع عن قضايا سياسية"، بل الحقائق والشواهد تؤكد بأن المصالح الاقتصادية هي التي تشكّل الوجه الآخر لهذه الإجراءات المتغطرسة من جانب أمريكا.