قراءة للفنون العربية الإسلامية

قراءة للفنون العربية الإسلامية

الباحثون

الخميس، ٢٣ يوليو ٢٠٠٩

لقد كانت تعاليم الدين الحنيف مستقاة من القرآن الكريم توجه رؤى الإنسان المسلم وبصيرته على كشف الغطاء عن آيات الله وعظمته في خلقه وبدائع مخلوقاته وتأمل ما يحويه الكون من أشياء, كانوا يتأملون مخلوقات الله وإبداعه في عمق ودقة ليمجدوا قدرة الخالق وإعجازه فيما أبدع ويسبحوه ويحمدوه (سبحان الله وماشاء الله) في نظرة هادئة إلى القدرة الإلهية واستنباط القيم الجمالية في أروع وأسمى ما أودع الله في خلقه، فالجمال يكمن في كل شيء وفي كل عنصر مهما كان صغيراً أو دقيقاً له دوره وأهميته في الحياة.

من المعروف أن أجدادنا العرب قبل الإسلام كانوا منتشرين في حيز من المعمورة في شبه الجزيرة العربية ويصعدون شمالاً حتى بلاد الشام وما بين النهرين وكان الجنوب اليمني راقي المستوى نسبياً وخاصة في العمارة الطابقية المرتفعة والتي تصل إلى أكثر من عشر طبقات – ناطحات السحاب- سبقت الغرب أكثر من ألف عام، كما كانوا ينحتون الحجر الأبيض الكلسي وينقشونه بأسلوب يعكس مستوى رؤاهم.

ولكن بعد ظهور الدين الإسلامي الحنيف وخروج العرب من الجزيرة فاتحين وأسسوا الدولة الأموية بدمشق ثم العباسية في بغداد وأخذت الفتوحات تمتد شرقاً وغرباً، وينتشر الدين الجديد من الهند شرقاً وإلى المغرب العربي والأندلس على المحيط الأطلسي.

والمؤمن أو الأكثر إيماناً هو القادر على دقة الملاحظة واستنباط الرؤى وتمييز القيم، وتتجلى قدرة الإنسان البصير في الكشف عن مواطن الجمال فيما يرى ويلتمس ثم الإبداع والتعبير عن المشاعر والأحاسيس, كان الإنسان المسلم يتمثل رؤاه من خلال عقيدته في قوله سبحانه وتعالى:

هو الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى......

هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء

خلقك فسواك فعدلك ¯ في أي صورة ما شاء ركبك

خلق السموات والأرض بالحق¯ وصوركم فأحسن صوركم

قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده

يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد

صدق الله العظيم

وفي الواقع كان المسلمون الأوائل يتوخون الخشونة والبساطة في حياتهم ولكن بعد اختلاطهم بغيرهم من الأقوام غير العربية أو غير المسلمة، جعلهم يقبلون بالتدريج على رفاهية الحياة، فانتقلوا للعيش في الدور والقصور المريحة وأخذوا يرتدون الملابس الفاخرة وزينوها بخيوط الذهب والفضة (الخز والديباج) واستعملوا مختلف الكماليات في حياتهم الجديدة الموسرة ويذكر (ناصر خسرو) عن رحلته: بأن دكاكين البزازين – الخياطين- والصرافين – في بغداد مملوءة بالذهب والجواهر والأمتعة المختلفة والملابس المذهبة والمفضضة (في العصر العباسي)

هذا الترف عم أكثر شرائح الناس نتيجة للنمو الاقتصادي المستمر في أغلب العصور الإسلامية وفي مختلف الأقطار، وكان لهذا تأثير واضح على انتشار العمران والإنتاج الأدبي والفني، في حين أن العرب لم ينقلوا معهم من الجزيرة فناً خاصاً بهم، وإنما تجلى دورهم في بادئ الأمر وبعد الاستقرار في الميل إلى الإنشاء والتعمير فأشادوا المدن الجديدة مثل (الفسطاط والكوفة وبغداد..) ولتشجيع العمران استعانوا بالسكان الأصليين من غير المسلمين أو من مسلمي البلاد غير العربية في تطوير الأساليب الشائعة، وعلى أن ينسجم أولاً مع العقيدة الإسلامية، فالإسلام قضى أولاً على الفوارق بين مختلف الأجناس – أن أكرمكم عند الله أتقاكم-.

كما أن القرآن الكريم في لغته العربية الأصيلة، وحد المجتمع الإسلامي وجعل لتعاليم القرآن الكريم القدسية والسيادة على سلوك الإنسان وتفكيره ومثله - بغض النظر عن جنسيته – وكان لهذا الفضل الكبير في وحدة أساليب العيش والثقافة والتقاليد ومن ثم الفنون الإسلامية بمختلف أنواعها.

فعلى الرغم من الاتساع الجغرافي والتنوع البشري الكبيرين، فقد تحقق التقارب والوحدة في أسلوب الحياة والثقافة، نتيجة للاحتكاك الدائم، وعلاقات التبادل المرنة القائمة بين الأقاليم، عن طريق الأسفار المفتوحة دون حدود، بالإضافة إلى موسم الحج، والتبادل الاقتصادي، ولترحال العمال والدارسين والمبدعين بين الأقطار الإسلامية، كل هذا شجع التنافس بين الفئات الحاكمة لتنفيذ المنشآت العمرانية الكبيرة كالقصور والمساجد والقلاع والمدارس والجسور... التي تخلد ذكراهم ومما يذكر في هذا الصدد: أن الوليد بن عبد الملك – الخليفة الأموي قال عند بدء العمل في تشييد المسجد الأموي بدمشق: (أريد أن أبني مسجداً لم يبني من قبلي ولن بيني من يأتي بعدي مثله) وتحقق ذلك.

§ وبذكر المقدسي في كتابه (أحسن التقاسيم) أن جدران المسجد الأموي بدمشق كانت مكسوة بالرخام المجذع إلى ارتفاع قامتين ثم بالفسيفساء ملونة ومذهبة إلى السقف، وفيها صور أشجار وأمصار وكتابات على غاية من الحسن والدقة ولطافة الصنعة، وكل شجرة أو بلد مذكور إلا وقد مثل على تلك الحيطان..."

§ ويضيف الخطيب في كتابة (تاريخ مدينة السلام بغداد) أنه كان في صدر قصر الخليفة المنصور إيوان طوله ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً، وفي صدر الإيوان مجلس كبير / 20 × 20/ ذراعاً أيضاً وفوقه القبة الخضراء، وعلى رأس القبة تمثال فرس عليه فارس... وكانت القبة ترى من أطراف بغداد، وقيل أنها كانت تاج بغداد وعلم المدينة ومأثرة من مآثر بني العباس...."

- كما أكد النويري في كتابة – نهاية الأرب- عما بناه المتوكل من القصور وكان قصر- البرج- من أحسنها، كان فيه صور عظيمة – ويقصد بالصور التماثيل – من الذهب والفضة، وجعل فيها شجرة من ذهب عليها طيور تصوت وتصفر..

- غير أن أجمل ما يذكر في هذا المجال، ما ذكره (المقريزي) في خططه عن المصور (القصير) والوزير (أبو الحسن البازوري) الملقب بسيد الوزراء، في العصر الفاطمي في مصر، إذ أن هذا الوزير كان من عشاق الفنون، ومن أحب الأشياء إليه أن يمتلك كتاباً مصوراً أو النظر إلى تزويق.. وكان في مصر فنان من كبار المصورين يقال له – القصير- حمله الإعجاب بصنعته على أن يشتط في أجره – وهو حقيق بذلك- وكان يعد في التصوير كابن مقلة في الخط.

فاستدعى الوزير البازوري مصوراً آخر من العراق يدعى (ابن عزيز) ليغيظ به القصير وكان يحرض بينهما، واجتمعا يوماً بمجلسه، فقال ابن عزيز: أنا أصور صورة، إذا رآها الناظر ظن أنها خارجة من الحائط!

فرد عليه القصير وأنا أصورها، فإذا رأها الناظر ظن أنها داخلة فيه فقالوا هذا أعجب!

فأمرهما الوزير البازوري أن ينفذا ما وعدا به: فرسما صور راقصتين على حنيتين متقابلتين، إذ صور القصير صورة راقصة بثياب بيض على أرضية سوداء، وكأنها داخلة في الحنية.

بينما صور ابن عزيز راقصته بثياب حمراء على أرضية صفراء، تبدو كأنها خارجة من الحائط...

فاستحسن الوزير ذلك وخلع عليهما.

- نعود إلى الإنسان المسلم المؤمن الذي يتأمل قدرة الله سبحانه وتعالى في آيات خلقه ومخلوقاته، نراه يرمز في عمله عبر رؤية هادئة، وفي إحساس وعاطفة، وملاحظة استلهام وبالتالي تعبير وإبداع، هذا ما كان يقوم به العمال والحرفيون المسلمون بعد انتقالهم من الجزيرة العربية وانتشارهم في الأقطار الإسلامية في الشام والعراق وفارس ومصر وشمال أفريقيا والأندلس... وغيرها

بدؤوا يخرجون تدريجياً عن حدود الأساليب التي كانت سائدة في مختلف الأقطار، وأتيح لهم إقامة رؤى فنية جديدة تتلاءم مع تعاليم الدين الحنيف وتشبع نظرتهم الجمالية النامية الخاصة.

وتبلورت ملامح شخصية الفن العربي الإسلامي الجديد في الأسس التالية:

- هناك شيء أساسي، أن الإسلام حرم عبادة الأصنام وما يتصل بها، لذا كان طبيعياً أن تزال التماثيل من حول الكعبة المشرفة ويمنع أو يحرم تداولها، واتجه المسلم إلى عبادة الله الواحد الأحد، وأخذ يظهر كراهية مطلقة للأعمال التشبيهية والمجسمة لما تمثله من تواصل مع الماضي القريب مما قد يؤثر على العقيدة.....

في الوقت الذي نجد أن الفن الإغريقي والروماني في أوربا في العصور الوسطى ثم بخاصة عصر النهضة كان لمحاكاة الجسم الإنساني والتشبيه الدقيق للطبيعة، مقياساً لكل القيم الجمالية والتعبيرية والتزينية، معتمداً على المحاكاة للواقع، لأن الطبيعة تمثل المقياس المثالي، وكان هذا أساساً لتطوير قواعد المنظور والنسب والحجم والظل والنور وما إليه من قواعد العمل الفني الذي ترسخت في عصر النهضة.

- كيف تصرف المسلم المبتكر؟

لم يكتفي بالظواهر والملامس السطحية للأشكال والأشياء, لم يتعامل مع مظاهر الأشياء الطبيعية، وإنما اتجه نحو الذات الداخلية، حاول أن يخرج شيئاً من ذاته تكون( الرؤى) المنسجمة أولاً مع معتقده الديني ثم تحقق له الأثر النفسي من الاستمتاع، وهكذا توصل إلى أسلوب مبتكر أداته الرئيسية الزخرفة، يختلف عن كل ما سبق، كانت الطبيعة بعناصرها النباتية غير المحدودة (الأوراق والأزهار والأغصان) وكذلك الخطوط الهندسية المستقيمة والمنحنية في عقد أو تكوينات هندسية، منفذاً مباشراً. فأخذ يهندس الطبيعة وفق رؤاه، ويجعلها شيئاً سامياً، هالة روحية هادئة وعميقة بعيدة عن الأثر التعبيري.

إن الفن العربي الإسلامي بمجمله لا يقوم على المحاكاة، بل الإبداع في تصور المكان، مكان يؤدي إلى فراغات متداخلة لا نهاية لها، لا يقف عند ظواهر الشكل الخارجي وإنما التجريد المطلق وصولاً إلى أشكال جديدة فيها الوحدة والتكرار والترابط والإيقاع واللون والملامس، فالفنان المسلم: يتأمل الطبيعة، يتناول عناصرها- الأزهار النبات- يفككها ويبسطها ثم يعيد تركيبها وصياغتها من جديد وفق التآليف لا يفكر في التعبير عن طريق المحاكاة أو التقليد أو النسخ الواقعي وإنما يسعى لتحقيق وجدانه وفق قدراته، لم يشوه المنظر الواقعي الحقيقي كما فعلت الاتجاهات الغربية المعاصرة، ولم يخرج عن حدود المنطق بل صاغ عالماً جديداً عذباً لا نلمس مثيلاً له من سواه من الفنون.

- لا يفهم أن الفن الإسلامي لم يحاول التشخيص، لقد مارس التشخيص وليس التشبيه، كان هناك نوع من التساهل في التشخيص والتصوير عند الضرورة، وخاصة في زخرفة الكتب الأدبية أو شرح الموضوعات العلمية والطبية والجغرافية والفلكية....

لقد أوجد فن الحياة عن طريق الزخرفة العامة، كانت (تطبيقية وعملية حياتية) نراها على المفروشات والمنسوجات والأواني المعدنية والخزفية والزجاجية، علاوة على الزخرفة المباشرة على جدران المنازل الداخلية والخارجية في العمائر العامة الكبيرة كالقصور والمساجد والحصون والمدارس والأضرحة والبيوت الخاصة.

- وهكذا احتلت الزخرفة مكان التصوير التعبيري وصرنا نجد التوريق (الأرابيسك ARABESQUE) مشتقاً من شكل ورق العنب أو غصون الأشجار والأزهار والثمار وكان هذا التجريد حلاً منطقياً إبداعياً لا يضاهى......

لقد منحت الزخرفة الفنان المسلم آفاقاً ابتكارية بلا حدود، واعتمد مبدأ التداخل والتكرار، وفسرها بعضهم أنها السعي وراء نور الله عز وجل والتقرب إليه " إليه تنتهي الأمور" لهذا كانت الزخرفة دون بداية أو نهاية.

وعن ذلك يقول الدكتور زكي محمد حسن" أن التكرار في الزخرفة العربية هو الإشارة إلى كراهية الفراغ" فنحن نجد أن الوحدات الزخرفية تتكرر وتتداخل ويستمر نشرها على جميع الجدران والسقف والأبواب داخل وخارج البناء أو أي عنصر آخر.

وانضمت الكتابة بالحروف العربية بتسلسل إيقاعاتها وتكويناتها المرنة إلى الزخرفة في وحدة متكاملة, وكان الجمع بين الخط الهندسي والنباتي، وتشكيلاته وعقده الجملية كل ذلك زاد رسوخاً في الأصالة.

- وتميز كل قطر من الأقطار بشخصيته الخاصة في الخط تعود إليه ضمن الشخصية الإسلامية الشاملة، فالكتابة في الطراز التركي أو المغربي أو الشامي أو الفارسي يختلف كل في قواعده عن الآخر، ولكنها جميعاً ذات رباط موحد، وهكذا استطاع الفنان المسلم في أي إقليم أن يتميز بشخصيته الذاتية وسمات قطره من خلال أسلوب خطه ضمن إطار الفن الإسلامي العام.

هذا وإن طموح الصانع المسلم إلى الكمال الفني، وقدرته على الصبر والأناة، وتضحيته بالوقت في سيبل ذلك، وحسبنا أن نمحص النظر في النقوش الدقيقة على جدران قصور الأندلس في الغرب أو في مساجد أصفهان في الشرق أو صور المخطوطات الدقيقة، أو بحرات السجاجيد وزخارفها الدقيقة من مختلف الأمصار.... تدرك وحدة المظهر والتماثل والدقة في الأداء وتشير إلى الصبر والجهد والوقت اللازمين للحصول على هذا المستوى الرفيع.

والواقع أن هذا طبيعي جداً، فالفنون الإسلامية هي فنون زخرفية بامتياز وهي بحاجة إلى الصبر والأناة قبل كل شيء وجزئيتها دقيقة وكثيرة ومعقدة، وكان الفنانون والحرفيون يندمجون في صوفية البحث والابتكار وإبداع الأشكال الجديدة وبحيث تضيع ذات المنتج.

- ومما يلفت النظر: أن الأمير أو الثري الذي يشيد له البناء أو تصنع له التحفة الفنية، يحرص على أن يكون له الفضل يوصفه المنفق على التشيد أو امتلاك التحفة، ولعل هذا من الأسباب الرئيسية في أن الإنتاج الفني الإسلامي مجهول هوية الصانع المبدع أو بعبارة أخرى اسم الفنان.

إننا نعجب بالأعمال الفنية ولا نفكر بصانعها أو مبتكرها، لأنها جزء من كل والكل هو الأسلوب أو الطراز الإسلامي المشترك.... لذا لم يكتب المؤرخون المسلمون أخبار حياة المبدعين والفنانين، والقليل النادر المذكور في بعض المراجع لا يعطي الفنانين المسلمين حقهم كما هي الحال في الحضارات الغربية .

ومع ذلك فقد أوردت أمهات كتب السيرة والمعاجم نبذاً نادرة عن بعض الفنانين المشهورين وبإنتاجهم .

- ويبقى الرسم والتصوير على المخطوطات والذي يدعى (بالمنمنمات) MINIATURE والذي كان شائعاً خلال مختلف العصور الإسلامية (وأن قل منها ما بأيدينا)، إلا أنه كثير في البلاد الأجنبية في المكتبات والجامعات الكبرى، حيث تزخر مجموعات كثيرة توضح المستوى الرفيع الذي وصل إليه هذا الفن.

- وكانت كتب التجويد، أول الكتب التي صورت، حيث رسم فيها أشكال الحلق والفم واللسان لبيان مخارج الحروف، مثال ذلك كتاب (شرح للشافعية الحاجبية في الصرف) للحسن بن إبراهيم النيسابوري، حيث رسم في آخره صور الحلق واللسان والشفتين.

- وكتاب (علل العيون وعلاجها) لحنين بن اسحق، وفيه صور ملونة، ترجم المخطوطة إلى الألمانية (د. مايرهوف) الكحال.

وبعد هذه القراءة الموجزة عن الفن العربي الإسلامي, يمكن اعتبارها مدخلا مشوقاً للإستزادة والتمعن.

ويمكن أن نستخلص من كل ما ذكر أن الإنسان العربي كان يقيم في بيئة متكاملة وانسجام رائع, يتمثل في البناء (القصر والبيت والقلعة والمسجد والمدرسة والبيمارستان والحمام والترب والمزارات والجسور والأسوار... الخ).

ويتمم ذلك الأثاث المنزلي مستخدماً مختلف المواد وأنواع المعادن وكذلك التمين منها كالذهب والفضة وأنواع الخيوط في المنسوجات والسجاد والطنافس, وأدوات الزينة والسلاح والكتب والمخطوطات كأن يصيغ عالمه ومحيطه في مظهر يتلاءم مع العقيدة الإسلامية ومعتمداً الإبداع الزخرفي وحروف الكتابة في وحدة متشابكة وتكوين مبتكر كان كل ما يستخدمه أو ينظر إليه مغطى بالزخرفة الدقيقة.

كان في بيئة جمالية منسجة تمنح حياته رونقاً فريداً يمكن أن ندعوه (عاطفياً أليفاً أو رومنسياً) وقد استخدموه ونقلوه أينما حلوا فنرى آثاره في جنوب فرنسا والأندلس وجنوب إيطاليا خارج الأمصار الإسلامية.

ولابد من الإشارة إلى أن الزخرفة العربية كانت وما زالت بحراً كبيراً من بحور الفن, وقد ألهمت الكثير من المهتمين والباحثين ولمسوا قيمة الفن العربي الإسلامي كفن من الفنون العالمية وقد أثر كثيراً على كبار فناني الغرب فأخذوا يبحثون في أسرار هذا التراث الفني بما فيه من قيم يتفرد بها, أمثال (ديلاكروا – ماتيس – موندريان ....)

وإنني لأتساءل لماذا نهمل إرثاً حضارياً لا يضاهى بأصالته ويرتبط بنا ويخصنا نحن... ونلهث وراء تقليد ما يبدعه الآخرون في كل شيء يمس حياتنا! لماذا لا تستخدم هذه الزخرفة في مجالات العمارة والديكور والمنتجات الاستعمالية المختلفة وبأساليب مبتكرة ومطورة تتلاءم وحياتنا المعاصرة؟

وأخيراً: لابد من القول: أن الأجداد تركوا زاداً حضارياً رائعاً لا يضاهى بمستواه....

والسؤال الملح: ماذا سنترك نحن لأحفادنا؟...

ممدوح قشلان