الآونة الأخيرة

الآونة الأخيرة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٦ مايو ٢٠١٥

حينما نستخدم هذا المصطلح هل يعني لنا أنه لم يعد هناك من آن أو أوان، حيث بدا استخدامه للمرة الأولى منذ مدة ليست بالطويلة، وكأنّ بنا لا نعلم ماذا يجري على جغرافيتنا، لنجد أن عنواناً يتشابه مع الفرصة الأخيرة، ونهاية المطاف، والدعوات للحوار والتصالح، الذي جرى ويجري أمام أو بين الأصماء، وكذلك ماذا نترقب من أخبار تصلنا متناقلة صحيحة أو مغلوطة؟ من ينبئنا عن كل ما يجري أمام الواقع المشاهد وعبر أدوات الاتصال؟ المشهد يربط البعض مع الكلّ، سيطرة شاملة على كلّ شيء، ومن قبل جميعنا، من يهيمن على من؟ من يحكي لنا عن التفصيلات الجارية أعلاه.. أدناه، في البعيد عند القريب، ننطلق من أين؟ نتابع ماذا؟ وإلى أين إعادة بناء الثقة واحتمالات انهيار ما ينبغي بناؤه قبل أن يظهر إلى الوجود، فشل ينعكس، لا ينعكس حينما لا تكون هناك مرآة صحيحة، مَلّت الشعوب العربية من التذاكي والتفاخر والتباهي عليها، وإيهامها بالوعود والحروب والصمود في زمن مضى، كان المرء يبلع لسانه تهيباً من الوقوع في الخطيئة، وفي الحاضر، اللسان يبتلع صاحبه؛ فمن يحمل الضدّ بينهما والقدرة على ابتلاعهما؟ من يجري مزادات عن الجغرافيا والإنسان والتاريخ على بقائنا أو رحيلنا؟ نجتهد، لن نتوقف، خلاصات لا تجزم الجدية، تعقيدات نتاج تراكمات، نبحث عن مفاتيحها بعيداً، بينما هي مركونة في أدراجنا، لا ضرورة من وصولنا للنرفزة، أو الهياج، أو حتى الاحتجاج، طالما أن شرقاً أوسطياً ملتهبٌ بنا، أحقادنا تملأ عقولنا، ونيران أعدائنا، وإخوتنا، وأصدقاؤنا، جميعهم ينالون منا، شعارات.. مبادئ.. قيم.. تدعو للبحث عن الأمن والاستقرار وسبل نشره أولاً، وترسيمه ثانياً، وإعادة سكانه إلى بعضهم ثالثاً، بين كل ذلك نسأل عن الجدوى الزمنية بين المفقود والموجود، عن الغالي الذي يذهب رخيصاً جداً، ولا يعود، كم نحتاج من وقت كي نمتلك من الشيء غير المُعرف معلومات، حيثيات، أخباراً منصفة، غير منصفة للواقع، وفود تحضر.. تغادر.. صحف تنشر، إعلام يطلّ، إذاعات تسمع، مواطنو الشرق الأوسط ينتظرون على أرصفة شوارع مدنهم، وعلى نوافذ وشرفات منازلهم، يطالبون القدر بالوقوف معهم؛ فهل يقفون مع بعضهم أساساً أمام تعقيدات السياسة والاقتصاد والاستجابة للمتطلبات، أليس من الأفضل لنا، أن نجري فيما بيننا عقوداً رضائية، أو حتى سياحية بعيداً عن القوانين الدولية، فنحن أدرى بشعابنا المسكونة في أعماقنا، وبظروفنا التي لم تخرج يوماً عن مفهوم الطارئة، نفهم ونتفهم حضورنا بصوره القاتمة والمشرقة، لا نحتاج لمعجزات، ولا إلى أعاجيب، ولا إلى مبشرين، ولا لوسطاء ودعاة، إلا من بيننا، بعد أن علم جميعنا من سكان أرضنا، بأننا محاصرون من الشمال، من البحر، من الجنوب، من الشرق، البحر وراءنا، العدو بيننا، الإخوة الأعداء يحبطوننا، الصور قاتمة، حتى غدت السماء تريد أن تطبق علينا، لشدة ما شُوّهت من لغتنا؛ فكيف بنا نصحح المشوّه، ونرمم المكسور، ونضمد المجروح في صورتنا، ونعيد الشهيد إلى الحياة، ألا نحتاج لاستراحة المحاربين، فنعلم من خلالها حجم الهدم والنقص الحاصل في جوهرنا، ودراسة ما نحتاج إليه، بعد أن أنهكتنا سنوات الحرب، عفواً ما اصطلح عليه (الأزمة)، التي تربعت على ربيع الدم صاحب الهتافات والشعارات غير العاقلة، والرد عليها من المحللين السياسيين الاستراتيجيين، وما أكثرهم!! ورجال دين لم يبلغوا فقه الإيمان شباباً، أو وصلوا كهولة الشيخوخة، حملوا صفة العلماء، ينشرون بين الناس أنواعاً من الأدعية والصلوات، وفتاوى ضد الموبقات، وأنواع الجهاد، بما فيها النكاح، وجديداً من القرارات والتشريعات والقوانين، التي تعارض تنفيذ بعضها، وكلها تظهر وتختفي، تتناقض بين الحلول المثلى والتمثيل على الحلول وبقاء وجودها وبنودها، فذهب جميعنا إلى الحلم بالاستقرار، نسبياً كان أو جزئياً، من باب أن شرقنا الأوسط تتناهبه الظروف المحلية والإقليمية والدولية، ضمن فرض لغة الآونة الأخيرة، التي ينبغي أن تقودنا إلى الحوار المحمول، كأمانة على كواهل المتخاصمين، ونجاحه يحتاج إلى ضمانات حضارية، تبنى من الحاضر، ويدعمها المستقبل.
آن الأوان كي ندرك معنى ومغزى الآونة الأخيرة، نعلم أنّ مصطلح "آن" علمٌ حيٌّ، وعلى تضاد تام من علمٍ فانٍ، فالأول يناقش علم البقاء، والثاني يجزم في علم الفناء، وما بينهما تقع سيرة إنسانية الإنسان، أو بشريته، وعندما نحتاج لاستخدام عنواننا، علينا أن نتفكر كثيراً، ونتأمل مديداً، نجد أن بقاءنا معاً، حتى وإن كان جحيماً، أفضل بكثير من ذهاب جميعنا إلى الجنة.
د. نبيل طعمة