حال الفكر

حال الفكر

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٨ أبريل ٢٠١٥

العربي والإسلامي، لا يسرّ أيّ متطلع إليه، ولا مطّلع عليه، فالذي يراه المواطن، من خلال ما تظهره وسائل إعلامه وحركة صفحات التواصل اللا اجتماعي، وقنوات التضليل والتنفير، والتكفير والتهجير وتفعيل الأحقاد، ورمي الزيت على النار، وما يلقى عليه من الفكر الخارجي مع أفكار المهاجرين والفارين والمتحلّلين والمنضمين إلى المجتمعات الأخرى، والمهددين والمؤيدين والمعارضين، أزمة مفاهيم تقاد ضمن حملة عنيفة وخبيثة، تقدم الحطب والزيت وعود الثقاب، تشعل الحريق، يلتهم الغث والسمين، ثم ندعى للمصالحة، كي يكون هناك حريق جديد، من خلال تنظيمات مرتزقة، وفكر ارتزاقي. الإشكال الفكري الحاصل الآن، أن الإنسان العربي، غدا يفهم كثيراً كيفية ربط الأشياء، ولم يعد الفكر الديني السياسي قادراً على تجريد عقله من التطلع للحياة، بقوة ماهية وجوده ولفظه للفكر السابق، واعتباره نفاقاً وكذباً على الرغم من قدرته الاتّزانية والإقناعية في الشكل لا في المضمون، بعد أن انكشف النظام الفكري العربي القائم من التقليد والجدل؛ أي بين التعايش والقبول، وغدا لديه إمكانية كشف المقلّدين والمسكونين، وضرورة الانطلاق إلى بناء فكر عربي واقعي وخلّاق، على الرغم من أنّ حرية التفكير في الفكر العربي، ما هي إلا أكذوبة كبرى، من باب أنّ المفكر العربي الواقعي مضطهد، أو مرفوض لحظة اختراقه لفكرة ما، ومحارب بقوة سيطرة السياسة والمال والدين، حين هجومه على الفكر التقليدي.
هل فكر الرَّعاع يُواجَه بفكرٍ رَعاع؟ ألا يؤدي هذا التضاد المستمر من دون وعي لمجريات الحاضر إلى زيادة التشاؤم من المستقبل، وتفعيل التمرد وتفاعله؟ عناوين برامجية وصحفية، تملأ عين وشفاه وآذان المتابع العربي، لغة مملوءة بمفردات الحزن والألم والتضاد والتصارع من الاتجاه المعاكس، مروراً بنقطة نظام، وانتهاءً إلى حدّ ما أو ما وراء الحدود. تحديات كبرى لم يستطع حتى اللحظة، أن يخترقها الفكر العربي، شرق أوسط تجتاحه الأمراض.. والحروب وعقول مجردة من إنسانية الإنسان، تحت مسمّى العودة إلى إنشاء إمبراطوريات أو دول دينية واهية، تساعدها تدخلات، تعمل بقوة من أجل زيادة الهمجية، وتفعيل الإعادة إلى زمن الزير وحرب البسوس.
دائماً ارتبط حضور الجغرافيا المأساوية بالفكر المأساوي، فلم يحترم الفكر العربي الإسلامي مأساته، ولم يتفكر، أو يفكر بآليات الخروج منها، إنما بقي معها، تدلنا عليها ممارساته، ينفعل ويتفاعل ضمنها، يستنكر.. يستهجن.. يحاصر حضوره من إحساس أنَّ بلاده محاصرة.. لم يقدر أن يخترق حصاره، حيث بقي أسير أفكار ماضية ومحرمات الشرطة الأمنية، التي اخترقته في اللاوعي، وتمسرحت على تلافيف فكره، إضافة للانتماء للكرسي وعمامته أو جبته، وخوفه من أن يستلب منه، أو يسحب من تحته، فتحولت لهاجس لا ينفك عنه. لم يستطع أن يتقدم بفكره، كي يروض العنف، أو يهذّب إنسانه، بل أخافه أكثر، على الرغم من أنَّ الأزمات مدعاة حقيقية لخلق الأفكار والإبداع، منذ عصر النهضة، الذي قام من أعتاب المفكرين والفلاسفة، حيث تمّ توليد الإبداع المذهل، وصولاً لثورة أكتوبر الاشتراكية، وقبلها ثورة الباستيل، وقبلها الثورة الأمريكية ذاتها، وصولاً إلى باقي الثورات، التي أنجزت إبداعاتٍ مهمة، اعتبرت رداً حقيقياً على المآسي والنكبات، من خلال طرحها المباشر والقوي لمبادئ التسامح، والدعوة لحوارات معمّقة في صنوف الحياة، وحتى في فنونها السبعة، والتي ينبغي ومن خلال الفكر الجديد المنجب التأمل في قوة الأزمة، يستنبط الحلول على الأسئلة الناشئة، يريح بها عقل الإنسان المتمرد أولاً.. والإنسان المؤمن بمسيرته؛ فيتطور الاثنان معاً، لينهيا مأساة جغرافيتهم القادمة من ثقافة التعصب السلبي، وخطابات التخلف والتعالي من مفكري ومثقفي وساسة المجتمع، بعد أن يستخلص خلاصه من رحم أزمته، وتكون أجوبته مقنعة على أسئلتها.
التحليل المعاصر بعد قراءة الواقع من المواقع، وفكفكة رموز المأساة، وإنهاء مفاصلها وفواصلها، والدخول إلى تفاصيلها، كلُّ ذلك يؤدي للقبض على الشيطان وأدواته التي تسعى وبشكل دائم على شيطنة الفكر العربي والإسلامي، أو على الأقل محاصرة أدواته، وإنهاء وجوده في حال الإمساك به، فالفرص مواتية للانطلاق نحو الأمام ، والحياة علمتنا، أن فكر الشرّ المسكون في لغة تعميق التخلف أخطر بكثير من فكر الخير المتطلع للبناء وللإنجاز، من باب أن الشرَّ يحتاج إلى تخطيط خبيث، ومكر ودهاء، فكيف بنا نهمل فكر الشيطان، الذي وسمنا العالم به؛ ألا يكفينا ما مرَّ ويمرُّ بنا. إنني أدعو الفكر العربي والإسلامي إلى تحليل هذا الفكر، والاستفادة من التجارب المرعبة التي عصفت بفكرنا، فكيف نواجهه بلا معرفة؟ وكيف نصل إلى تقطيع أوصاله من أجل بناء فكر جديد متحرر من الشيطنة؟ وكيف بنا نسعى للقضاء على الوحش ودراكولا في آن الموجودين في داخل كلّ واحد منّا.
إن لم نمتلك فكراً حاضراً، ندير به أزماتنا، نستنبطه من جوهرها، لا الاكتفاء بتدويرها، لتعود علينا بعد حين، فكيف بنا ننتقل إلى المستقبل بفكر الماضي؟
د. نبيل طعمة