العلاقة الجيّدة

العلاقة الجيّدة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١١ أبريل ٢٠١٥

هل هناك منها الكثير، وعمر ديمومتها الفكري والزمني تبدأ من الرابطة الأسرية، تظهرها علاقاتها فيما بينها، وانعكاسها على المحيط الذي تتبادل معه أسباب وجودها وتطورها، وكلّما نجحت، أدت لصناعة حوار إيجابي، وتخلق التواصل النوعي الذي يتطلّب تصحيح الانطباعات السلبية أو الرديئة، وإغاظة المتسبّبين بها، والمسارعة لانتزاع ما يعكر المزاج، ويخفف نزيف الأحقاد والحسد والكراهية، وكذلك يزيح العوائق المفرقة، ما يؤدي إلى مناقشة الشكاوى الطارئة بهدوء بدلاً من الانفعال. من هنا أقول: إن تعزيز الإيمان بالبيت الصغير الذي يتولد فيه التآلف، يُنمي فيه خلق تكوين إيجابي المشهد من الجوهر إلى المظهر، حيث يزهر منه حبّ الوطن الكبير، وهذا ما يأخذ بنا إلى إنشاء علاقات صداقة سليمة دائمة بين أرباب وربّات الأسر، والحثّ على شرح وجودنا في الحياة وحاجتنا إلى أن نحيا فيها. ففي حبّها، يسمو حبّ التجانس والتوافق، وحبّ التوافق والتجاوب، فإذا كانت الحياة ربّة كلّ هذا وذاك، نتعلم ونعلم أنّ الطبيعة أمّ جميع التعدّد والتنوع والفنون والاختراع والإبداع، إنّها أمّ الجمال، والمكاشفة وحدها تؤدي إلى الشفافية، التي تواجه كلّ أمراض العصر ومصائبه ونكباته وأوهامه القادمة من التناقض والخداع والمكر المسؤولة عن تراكمات الجهل جميعها، فحينما تسير نظرياً في مسار التعلّم أو التعليم أو العلم، تجد أنّ الانفجار حادثٌ لا محالة، من باب أن البناء يجري عكسياً، أي من القمة إلى القاع، حيث تُظهر الأحداث أن الوصول إليه يعني غرق الجميع فيه، أو توهانهم، وهم يبحثون عن سبلٍ للخروج من مأزقه، تُظهر البشرية عدم صدقها في لحظة حاجتها الماسة لحضور الصدق والوقوف مع الذات، كيف بنا نكذب ونحن جميعنا نحتاج إلى الصدق، مع العلم أنّنا لسنا مضطرين إليه، فالمصارحة تمتلك الحلّ الأمثل والوحيد للخروج من النفق والاتجاه لتحقيق حياةٍ كريمةٍ، أو على أقل تقدير إيقافه عند مفهوم العيش.
العلاقة جيدة أم سيّئة مبنية من أسس اتصال أو تفاعل بين شخصين اعتباريين، أو شيئين أو دولتين تحكمهما صيغة عملية، تؤدي إلى انضباطهما فيها والاحتكام إلى مبادئها وقيمها، لنسأل أنفسنا: كيف نضبط أنفسنا من الانفلات؟ كفانا تعنتاً ومكابرةً، فالمصلحة الأولى والأخيرة لجميعنا، تظهر في الاتجاه لإقامة علاقات جيدة فيما بيننا، تقدم المرونة ضمن الواقعية، ولنخرج من الإسفافات والسقطات في القول والمعنى والفعل، ولنقف وقفات مشرفة، تمتلك العزّة والكرامة، كفانا إهانات، ظهرت من بين ضعف استثمار لغتنا، والتي يشير إليها الآخر، بعد أن يتلاعب بها، يعيدها إلينا، لكوننا ظهرنا ضدّ بعضنا، جميعنا يؤمن بأنّ أمراض الحاضر المعاصر، هي ذاتها القديمة والموغلة في القِدم، إلا أنّنا، وحين عودتها وطفوها على السطح، ننكرها، ونستغرب أو نستهجن حضورها، فأين خططنا من أجل بناء الأهداف الإنسانية؟ متى سنخرج من التفكير اللحظي ومعالجة الأزمات وقتياً لا استراتيجياً؟ أين  الحملات العلميّة الفهميّة التي تعيد للوعي حضوره؟ متى سنخرج من المؤقت والموسمي والاعتماد على الغيبي الذي نستحضره من استفاقتنا؟ حتى في نومنا وغفلتنا العميقة والطويلة معتقدين أنّنا ننام في العسل، ما غطاؤنا الثقافي والعلمي والديني والفلسفي؟ وفي حقيقة الأمر، إنّ الصراع مستشرٍ فيما بيننا، من المسؤول عن القرارات وقوة اتخاذها؟ هل هناك من مستبدٍّ عادلٍ أو عادلٍ مستبدٍّ، كم نحن بحاجة لوجوده واستمراره تحت مسمى الديكتاتورية الوطنية أمام الغزو الخطير القادم بين الحين والآخر على شكل رياح صفراء؛ تحمل الأمراض الواحد تلو الآخر، ونحن نفاجأ، ويذهب جميعنا، ليعرف أسباب حضورها، ويفهم شيئاً عن انتشارها، أين  التحصين الأخلاقي الذي يُظهر مجتمعاً متجانساً؛ نحكم عليه من خلال علاقاته الجيّدة في التعامل والحركة والمسير، فيما بينه أولاً، ومن ثمّ مع الآخر، قريباً كان أم بعيداً، نتوقف هنا لنتناقش، ومن خلال الدعوة لاستنهاض الحاضر والاستعداد للمستقبل؛ للتذكير ولفت الأنظار إلى أنّ الأمور غدت أكثر من واضحة للمشاهد والمتابع؛ وأقصد هنا أن العلاقات الجيدة تأتي من البناء الأخلاقي الأول، والاستثمار في البناء الإنساني بعد ظهور الشخصية على الحياة، وهذا ما لم تعد مجتمعاتنا العربية تنظر إليه وتدقّق فيه، بل التفتت إلى صغائر الأمور وهوامشها، تشاغل حضورها وعقولها فيه، أما الأساس فتعتبره غير مهم، ما يؤدي إلى انهيار البناء بين الفينة والأخرى على رأس ساكنيه، وتعود لتبني في الحجر، وتنسى أو تتناسى البناء في البشر، كي يتطوّر إلى إنسان.
د. نبيل طعمة