الحبُّ الملهِم

الحبُّ الملهِم

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٤ أبريل ٢٠١٥

نبتا معاً، وتاها لحين عن بعضهما إلى أن التقيا من جديد، إنهما آدم وليليث. أغرته بعد أن استنهضت ذكورته التي اكتشفتها به، دعته للاستماع لنبضات قلبها، تركته يدنو، ويبعد مسترقاً من لمع عينيها تلك الرغبة الحادة الممتلئة بالاشتهاء له من دون حدود، تشعره بأنها بحاجة ماسة للارتواء من رضابه. لم يكن ليعنيها فكر الزواج، فلا وجود لغيره، وفي ذات الوقت، تنشد أن تكون حرةً غير مقيدة، لكون الشاهد الوحيد ربَّ السماء. لا أهمية لديها، إن كان هناك رخاء مادي.. وأيضاً لا تعنيها لحظات العتمة أو أشعة الضياء، ولا تتفكر في الرحيل؛ بل غايتها الوحيدة امتداد البقاء رامية بعيداً التطلع للانتقال. فهو المكان والزمان، يطلُّ عليها، يحرس وجودهما، المهم لديها، أنّ جسدها وتضاريسه، تصارع دون توقف أنفاسها وغريزتها، تصرخ مستعدةً للاستسلام، حينما يعتليها كفارس، تيقظت فيه ذكورته الغابيّة، ليكون عندها سيِّد الرجال مدركة في أعماقها كفؤه، ليسكن قلبها، وينتعش حبّها عندما تصل بين يديه، تمنحه وجودها الكلي، تدعه يعتصرها، تؤلمه من ألم جوعها وشبقها الذي يعشق، تحرقه من دون أن تحترق، تلهبه كلما خَفَتَ، ترسل له الأنين المسكون بين الشوق والحنين، يعلو تارةً.. ويخفض صوتها بين الحين والحين، وتعترف من دون انتظار إعلانه، بأنها تحبّ إلهامها، وبه تهيم.. فأمائر الإلهام، تسكن وحشيته عليها، وجموحه إليها، فتُظهِر به وحياً بذاته، عواطفها راقية، تنازعها بين اللطيف الخفيف والمرعد المزبد، فإن تملّكت منه أراحته نسائمها أو خنَقَته، فيحميها قبل أن يلد.
وثنيّةُ الحبّ تظهر صدقه وصفاءه.. تطوف عليه روحه، ليشعر الجسد، أنه لا يرويه جسد، إنما ذوبان الزبد في بحره العميق حتى الأبد وامتصاص جوهر أفكاره، لينتهي النكد وعصارة ذكورته، لحظة أن تتحد بخلاصة آهاتها الحارة التي تصله وسط مغارس اللذّة، بلا خوف من صحوة الحاضر أو مهابات المستقبل، وأيضاً إيمانها بأن النشوة مخزونة في جمرة حبّها، لا في رماده المنثور على ظاهرها الزائل لا محالة عنها، وخصائصه مقترنة بالخير والشرّ، والفضيلة والرذيلة، والرحمة والحنان، والتضحية والاستبداد، والندرة تمتلك القدرة، لتجريده من مفرداته الدنيا, وتخليصه من شوائبه حتى يغدو ملهِماً. 
أنثى ذكر.. امرأة رجل.. أفلتا من نفسيهما، قتلا الكبت، واستعبدا الشهوة حتى طاعت، كل ما يرغبان به، يصلانه بما يحلمان الوصول إليه، تتقلده فتغدو رجلاً، يتناوب دورها بأنثاه الخفيّة، يظهران على بعضهما تحت وطأة الحبّ العاصف، فتتفتت الأنوثة لحظة حصول طرقات الذكورة المنتصبة، والدافئة بأمطار الشتاء، لتتفتّق بعدها براعم الربيع، وتتفتّح أزاهيره، حيث نرى من خلالها اعترافاتٍ صريحةً واضحةً عنيفةً وقادرةً، تأخذ بنا لفهم ما أردنا إيصاله تحت عنواننا الذي ينشد كسر القيود التي ضربت في مفاصل الحبّ، حيث الشرائع والقوانين، تتناهب إلهامه، واعتبرته قضاء وطرٍ، لا أكثر ولا أقلّ، أو ضمن منظومة الزواج لا منظومته.
يتحدث الحبُّ قائلاً: أنا النجاح من المبتدأ إلى الخبر، لا تمتلكون إلا طاعتي، وليس لكم خيار غيري، فما أمنحه للمؤمنين بي، تجدونه فيما بينكم سعادةً ونجاحاً؛ تشوقاً وابتسامات، إرادته أن يبقى كساقية جارية بين أودية القلوب وتلافيف العقول، تتجمع فيها لغته الخالدة كمَعين لا ينضب، وصحيح أنّ الرحلة الإنسانية قاسيةٌ، إلا أننا؛ نجده لا يقسو على ألم القلوب، ويحنو على النفوس المعذّبة بها، يأخذها معه لتطلع من جديد، لذلك نجد إلهامه مشاعر لا تقال، وأحاسيس تمتلك ألوانه على الوجوه، وصوراً ترتسم على المتطلعين عليه والدائرين حوله؛ تشير إلى حامليه، بأن لهم قلوباً؛ فتحت للحب أبوابها، وسمحت للدفء بسكناها، فنعلم أنَّ الحبَّ الملهِم أنثى حقيقية، تأخذ شكل الأمِّ والزوجة والحبيبة والعشيقة والصديقة، تحمل سمة الأرض والوطن، الوالد والولد، فتوارثناه أثراً إثر أثر، الحبُّ هو جميعنا لحظة أن يتحرك في قلوبنا إحساس الأمل بالحياة، يمنحنا السعادة والفرح من أعماقنا، إنه الاحترام لوجودنا بجانب بعضنا، لشكلنا الإنساني، لعلمنا وصداقاتنا، لتراتبياتنا المكانيّة والزمانيّة،  بماديّاتها وروحانياتها.
د. نبيل طعمة