السياسة تصنع الاستقرار

السياسة تصنع الاستقرار

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٧ مارس ٢٠١٥

الحرب غايتها التدمير، الاقتصاد ينجز الطمع، والاستزادة بلا توقف، بلا هوادة، ما يؤدي للخلاف الذي إذا استعر، كانت منه الحروب، الأديان تستعبد الإنسان، تسلبه حرّيته من خلال القائمين عليها، والذين يجلدون الفقراء والبسطاء بنار جهنم ذات الدرجات نزولاً، وصولاً إلى سقر، الدرك الأسفل منها، وعذابات القبور وعَصّاتها، بدلاً من تقديم لغة الحبّ والخشية والحث على العلم، وضرورة الإنجاز فيه، وبناء مجتمعات وسطية، عمادها الأخلاق أولاً، واستنادها إلى القانون. سجلت الذاكرة التاريخية والحداثوية، أن وراء أيّ حرب اتفاقيات سياسية، تنهيها، وتجمع الأفرقاء الأعداء والأصدقاء، الذين وصلت صداقاتهم مراتب الأخوّة، تنفجر.. تنقلب ضمن ثقافة الانتماء، إلى هنا أو هناك، وتضخم الأنا مظهرةً الفرقة والتفرق، والنقمة والانتقام فيما بينهم، الحلول العسكرية وتفاهماتها الاقتصادية وإقطاعياتها الاجتماعية؛ بأديانها وطوائفها ومذاهبها برضائية مؤمنة أو دائمة، والدينية بمرجعيات مجالسها، ودور أوقافها وإفتائها.
حتى اللحظة لم تستطع السياسة العربية، أن تنجز استقراراً مهماً لإنسانها العربيّ المضطرب في حركته ومسيره، وأياً كان حضوره؛ فكرياً، اقتصادياً، غنياً أو فقيراً أومتوسطاً، قومياً أو عروبياً، علمانياً أو متديناً، مؤيداً أو معارضاً، طموحه الدائم خارج حدود وطنه، أي إنها لم تقدر أن تبني في أعماقه إيماناً بوطنيّته الطبيعية ومواطنته. السؤال الكبير الدائم، والذي لا حدود له؛ من الذي يصنع الحروب؟ لماذا ومن يديرها؟ ولماذا تتمركز في الشرق الأوسط بشكل خاص؟ والذي تعرّض للاحتلالات والانتدابات العسكرية لقرون عديدة، وما إن أنجز استقلاله، حتى خاض، ومنذ ما يقرب من السبعين عاماً وحتى اللحظة التي أخطُّ فيها مادة عنواني تستمر. 1948 اغتصاب فلسطين.. 1956 العدوان الثلاثي على مصر.. 1967 حرب الأيام الستة؛ التي أطلق عليها النكسة على سورية ومصر والأردن.. 1973 حرب تشرين التحريرية، والتي خاضتها سورية ومصر مع الكيان الصهيوني.. ومن ثمّ حرب الخليج الأولى ثماني سنوات، 1980 بين العراق وإيران.. اجتياح الكيان الصهيوني بيروت 1982.. حرب الخليج الثانية، اجتياح الكويت من العراق 1990.. تحرير جنوب لبنان 2000.. حرب تموز 2006.. حرب غزة 2008. ومنذ 2010، اتجهت السياسة لخلق حروب داخلية، وضمن كل دولة على انفراد، وتحت مسمّى التغيير، الذي طرحته الدولة الأولى عالمياً، والذي جسّد نظرية الفوضى الخلّاقة، حيث حملت سماته، وعملت أدواته إلى تدمير شامل وكامل للبنى الفوقيّة والتحتية كافة، إضافة لتدمير مفهومي قوميّة العروبة وعروبة الإسلام، ومن داخل المفهومين، يجري تدميرهما، وبأيادٍ محليّة، تساعدها أيادٍ في الغرب، تصنع له الاستقرار من ذات المجتمعات العربية والإسلامية، عاشت ضمن سياسات الغرب، وعملت على جغرافياتها، أو أنها إسلامية من دول إسلامية، وفدت للمساعدة والإسراع في التدمير، وشكّل لهم الغرب وأدواته دعماً لوجستياً كاملاً، ضمن سياسات مبرمجة وممنهجة، غايتها الأولى والأخيرة نهب مكونات ومقدرات هذه الدول، لتظهر السياسة وجهها البشع الذي يعمل على خدمة اقتصادات الدول الكبرى الثماني أولاً وأخيراً.
السياسة من المفترض، أن تصنع الاستقرار، وتعمل على استدامته، حينما تكون مالكةً من جوهرها لفلسفة وجودها أولاً، وثانياً مستندة إلى اقتصاد قوي، وتدير الحروب، عندما تمتلك الجيوش المبرمجة المؤمنة بأهدافها، وتفرض شروطها لحظة تجانس مجتمعاتها، منها ومن دونها، فإنها تنتظر انتهاء كل شيء، كي تعود، وتبدأ من جديد، الغاية دائماً وأبداً إبعادنا عن منظومة الحداثة، رغم أن إنساننا لا ينقصه في بنائه إلا أن يفهم السياسة التي تحاك ضده، فهو مسيّسٌ من دون وعي لمقتضياتها، منذ نعومة أظفاره؛ كبيره وصغيره؛ نساؤه ورجاله؛ شيوخه وشبانه؛ يتحدثون لغتها، ويتعاطونها من قبيل المفاخرة، وبأنهم يعلمون، ويفهمون مبادئها وأسسها، وأنهم حداثويون وواقعيون، ينادون بحقوق المرأة، ويصرخون مطالبين معها بأعلى أصواتهم، من دون أن تمتلك استقلاليّة قرارها الاقتصادي، ولم يمنحها القانون حتى اللحظة ذلك، وللأسف الذكور أكثر من الإناث، يخوضون مفاهيم الحرية والديمقراطية من دون وجود بناء فكري نوعي حول هذه القضايا وفهم العلاقة بينهم وبينه، والقانون من المفترض أن يكون فوق الجميع، فكيف بهم لا يدركون ذلك، وهو تحت الجميع. يتوهون ضمن حوارات معمّقة ومنمّقة حول النزاهة، يطرحون الشفافيّة على موائد البحث والنقاش وحقوق الإنسان، يشتغلون بكل ذلك، ينفقون جلَّ أوقاتهم، يختلفون في العمل، في المنزل، يتخاصمون وهم على موائد الطعام والشراب، وحتى أثناء ممارسة الجنس، يحردون من بعضهم على السياسة والسّاسة. والسؤال الذي أنهي حواريّتي به؛ هل السياسة تصنع الاستقرار؟ أم الدمار والخراب؟ وما  دور الاقتصاد والاقتصاديين؟ هل يتماثلون مع السّاسة والسياسة؟ أم يدفعون بهم أكثر في بلداننا دائماً إلى الهاوية بغاية زيادة مصالحهم؟ المواطن والمواطَنة والجغرافيا الوطنيّة الخاسر الأكبر. فإلى أين تسير بنا السياسة والاقتصاد صاحبا إنشاء الحروب؟ لماذا لا تحدث السياسة الاستقرار على جغرافيتنا؟ هل لأن شرقنا روحيٌّ ومنبعُ الأديان؟ لذلك لا يؤمن بالسياسة؛ أي لا يستطيع تقبّل الاستقرار، حيث نجده يتقبّل الاضطراب بين الفينة والأخرى، وحينما يستقرُّ، لا يعمل على استدامتها، أسئلة أدعها برسم إجابتكم.
 
د. نبيل طعمة