إفلاس الأحلام

إفلاس الأحلام

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٨ فبراير ٢٠١٥

بعد أن تراكم سوء الظن بها، وانهار المرتجفون أمام فقدانها من رؤوسهم، وانكشفت نظم المؤامرات والمتآمرين والمؤتمرين بأمرها؛ داخلياً؛ محيطياً؛ خارجياً؛ لابدَّ لنا من القول: إن الواقعية ضد الخيال والاستطالة عمودياً أو أفقياً، تؤدي أو تشير إلى النهاية التي إما أن تحدث الانقطاعات وإما الانهيارات. وأيضاً حينما نرمي بحجر في مياه ساكنة أو مستقرة، فإن أقوى دائرة تنشأ، هي أصغرها، وكلما اتسعت الدوائر تشرذمت وضعفت، أي إنّ تمددَ أي شيء، يعني ضعفه، وكلما كبر وهن، على الرغم من احتمال نبوغه العقلي، إلا أن أدواته، تتجه إلى الابتعاد عنه، فكيف به إن لم يكن هناك جدل لا يخلو من الإثارة، حينما نطرح لغة السيطرة على شيء، فكيف به يكون هذا الشيء هو العالم، ولنصغره حتى يصل إلى الشرق الأوسط، ولنتطلع عليه على أنه بقعة زيت، يمكن شفطها من سطح الماء، أو حتى من على وجه الأرض، إن لم تمتصّها، ففي الحالتين هي تطفو عليه، إلا إذا عطلت أدوات إزالتها. نتفكر قليلاً، ونتحدث عن المدن الآبدة التاريخية الصامدة من أعماق التاريخ؛ وحتى اللحظة، وأعتقد أن ما سيأتي من الزمن بقاؤها؛ أسماؤها؛ عراقتها؛ دمشق.. بغداد.. القاهرة.. التي تمّ نشر بقع الزيت عليها، إضافة لبعض المدن لغاية تعميم المشهد، إلا أنَّ الاستهداف الحقيقي، كان يخصّ هذه البلاد، والتي كانت الفاعلة تاريخياً وحضارياً واجتماعياً وإنسانياً، قدمت للحياة أكثر مما تأخذ، وتجسدت جميعها في دمشق، ومن دمشق المؤسس الرئيس لتاريخ الظهور العربي. كان للباقي حضور؛ يرافقها لذلك؛ تستحق هذه المدينة لقب المدينة الآبدة الصامدة؛ التي قدمت للعالم أجمع لغة الإيمان الحقيقي، لا مناخات فيها للأحلام المعيشة، والتي تحمل في طيّاتها داعراً مع سبعين حورية، قبلنَ أن يكنّ داعرات في جنان متخيلة على ضفاف أنهار الخمرة، يقفنَ؛ ينتظرن قدوم الزناة من الأرض إليهن سكارى بجلاليب بيضاء قصيرة، وذقون شعرها محنَّى بالحنّة المشمشيّة.
 نعود على بدء، ونقول: إن نهاية البداية، باتت وشيكة، بحكم أن لكل بداية نهاية، وتلاشي الدوائر حاصل لا محالة، وتشرذم بقع الزيت حصل، وإن كانت مؤذية، فإما أن يبتلعها البحر؛ وإما يأتي صائدو الجوائز لابتلاعها، وحينما نسأل عن سرّ بقاء دمشق، وقدرتها على البقاء والتجدد والأسباب والمسببات لوجودها، نعلم أن إنسانها آمن بالحضارة الإنسانية، واستوعب خلاصات الشعوب والأمم، وضمن لها سرّها؛ بل أسرارها، وأسهم دائماً وأبداً في صياغة مستقبل العالم.
جدلية سياسية اقتصادية اجتماعية، خلقتها دمشق لقادة وساسة العالم من الدائرة التي تحيط بدائرتها الأولى، إلى تعدد الدوائر؛ واتساعها؛ وتمددها حولها؛ والناتج أن الكلّ يحلم بدمشق، إلا أنّ آسيَّ دمشق مع مساعديه بصبرهم وأناتهم وخبراتهم، يستأصلون اللاوعي الراغب والباحث للسيطرة عليها، ويرمون عليهم بالوعي الخلّاق، لنراهم يتشرذمون؛ يتنازعون؛ يختلفون؛ يحرمون بعضهم ضمن مشروع، أطلق عليه وحدة اللاوعي وعدم فهم واستيعاب وحدة المصير والهدف، أي لم تعد العروبة والقومية، تشكل للعربي هواجس تثير وجوده؛ بقاءه؛ استمراره؛ وحتى الأزمات، استسلم إلى حدّ ما لإثارتها، بدلاً من التعاون على إخمادها. وعلى العكس تماماً مازال يُذكي نارها بصب الزيت، كلما اقترب من نهايتها إفلاس الأحلام التي عمل عليها الغرب، واجتهد كثيراً، كي يحولها إلى عادات، فقد نجح في تحويل سواد البشر إلى مصّاصي دماء، لا يعملون نهاراً، ويحققون كل ما يحلمون به ليلاً، وأخفق في اختراق إنسان أرضنا والمؤمنين به وببعضهم، وأيضاً ضخ مشروع زراعة الجينات الوحشية، وهذا بقي فقط في خيال الآخر الراغب في الهيمنة والسيطرة، لكن خطورة هذه الطروحات، تجسد حقيقة فكره الذي يعمل ليل نهار على امتصاص اقتصاديات وأفكار وإبداعات شعوب العالم الثالث، وبشكل خاص العالم العربي؛ وإبقائه في حالة نزاع مستمر، وتصويره على أنه مصّاص دماء من خلال انقضاضه على بعضه، وتوجيه أصابع الاتهام إليه بشكل دائم، وأنه وحش، لا يحبُّ القضاء عليه بل إبقاءه عاملاً على نهش وجوده وتدميره من الداخل.
نحن لا نرمي التهم جزافاً، ولا نجعل من الآخرين شمّاعات، نعلّق عليها خطايانا، إنما الحقيقة، تثبت وجودها، بأن الآخر، اعتدى بشكل مباشر وغير مباشر على جميعنا، وجودنا الحضاري التاريخي والإنساني المستمرّ، حالماً بإفناء ما أنجزه إنسان هذه الأرض للحياة كما أسلفت.
من هنا نؤكد، أنّ إفلاس أحلامهم غدا حقيقة، وآثارها ذاهبة لا محالة؛ النقطة الأولى؛ وأقصد دمشق التي حاولوا أن يرموها بحجر، شكّلت بهدوئها تسونامي، لأن القاعدة تقول: إنّ ردّة الفعل الرئيسة، تتمّ من المركز، لتنهي كامل المحيط، حيث تأخذه بثورانه، أو بانتفاضه من العمق إلى الأعلى ومن ثمّ على المحيط.
د. نبيل طعمة