العلاج بالثقافة.. بقلم: د. نبيل طعمة

العلاج بالثقافة.. بقلم: د. نبيل طعمة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٥ فبراير ٢٠١٥

 يمتلك أي إنسان موقفاً سلبياً أو إيجابياً من الحياة، إلا أنه يتحد أمام أي مفردة من مفردات الثقافة باعتبارها فناً، يأخذ شكل الإسفنجة في الأزمات بفعل الامتصاص، ومن خلال إرخاء حضوره في كل المحاور، فيفعل فعله في الإضاءة على منابع الآلام وأسبابها، ومن ثم يشكل الجانب المريح والجانب الدافع للخلاص من باب لغتها العالمية التي تجذبه إليها، فيتكامل مع دورها في إحلال الرخاء والاسترخاء اللذين يعيدان التفكير في الأمن والاستقرار ورسمه صورة حيوية عن انبعاث الحياة في المجتمعات وأفرادها وترابطها، نراها وأقصد الثقافة تمتلك ذلك بارتكازها على فنونها السبعة، مفردات لغتها البصرية والسمعية والحسية التي تكونت منها والمؤسسة لها، النحت والرسم والموسيقا والرقص والمسرح والعمارة والسينما، يتابعها يقف أمامها أو خلفها، أو تحيطه فيكون معها إنساناً أفضل وأسعد وأجمل وأرق، ومهما تكن الحالة التي يمر فيها أزمة نفسية مرضية عادية أو مركبة خوفاً من مجهول أو توتر أو قلق أو خلاف أو حرب فرضت على حاضره الذي إن لم يحاصرها انتقلت إلى مستقبله، نجدها تنقله بتأثيرها الفريد وجمال سحرها من الألم إلى التعافي ومن الاكتئاب والإحباط إلى النشاط والمتعة، تمر لحظية تتطور لتغدو حالة مستدامة حتى إذا ما دققنا في ظهور الأنبياء ومسيرتهم، وأيضاً الجيوش المحاربة، نجد أنهم عزفوا ألحاناً عبر النفخيات وهم تحت ضغط نشر رسائلهم أو الدفاع عن أوطانهم (الهرمونيكا والناي) هذه الأدوات الروحية التي تخرج من الروح لتخرج الحية من وكرها، فكيف بها لا تفعل فعلها بين جنس الإنسان وأيضاً مع الحيوان والنبات.
الثقافة تنجز التوازن الإنساني المسؤول عن تقديم ورسم صورة مهمة عن قيمة وقوة حضور المجتمعات، فكيف بنا نصل إليه بعد امتلاء جميعنا بشحنات سالبة، تراكمت حتى غدت أمراضاً مستشرية تحتاج الحكمة والحكماء الذين يرسمون سبل الخلاص، لكنهم يحتاجون إلى المناخ الثقافي بفنونه السبعة، فإن لم يحط بهم سادهم التصحر، وفقدوا القدرة على الإبداع في الحلول، فحينما تسوء الأمور تبدأ متعة اختبار قدرات الإنسان على احتمال تداعياتها رغم تسببها بآلام كثيرة، فإذا توافرت الفنون ودخلت بين نشوة المتعة ومفردات الألم تبرق أمامه جمال إنسانيتها وتتوافر القدرة على اصطياد الأسباب والمسببات ومواطن الخلل، محدثة التقدم باتجاه تقديم العلاج، حيث رويداً رويداً نكتشف أن تحرك الوعي يحتاج إلى تفعيل الإدراك وهذا يتم من خلال اتساع المساحات البصرية التي تتمتع بالأدوات الجمالية التي تتكون عبر انتشار لغاته الحسية والسمعية والفكرية، حيث تؤدي إلى رفع الذائقة الجمالية للإنسان المسؤولة الأولى والأخيرة عن الوصول بالإنسان للتوازن الذي ينهي حضور وسيطرة الشعور بالقلق والاضطراب ما يأخذ به إلى تحقيق المتعة المرتبطة بخيال الخلاص المرتبط بنظرية الواقع، فتكون الفنون بأدبيات وجماليات حضورها حالة إنقاذ فريدة من براثن الأزمات والأمراض، تأخذ بالإنسان بعيداً منجزة المواهب من أعماقه ليدرك من خلالها قدراته وأبعاد ملكاته وتميزه الفطري والعلمي عن باقي الموجودات الحية والجامدة.
الإنسان حالة وهم خارج إطار الفنون، أي عندما يفتقد منظومة الفكر الجمالي القادمة من محيطه، لتنعكس عليه فيعود عليها أفعال جمالية، فكيف بنا لا نتفكر بكوننا الجميل وصاحبه الخلاق القائلين عنه دائما وأبداً إنه الجميل يحب الجمال، كيف بنا لا نتفكر في التناظر المرتسم على وجوهنا حينما نقف إلى المرآة صباحاً وفي أي وقت، نهذب حضورنا لو أن الكلي لم يخلق الصورة على تمامها والأصوات على تنوعها، هل كان له أن يكون المصور والسميع والبديع؟ كيف بنا لا نتفكر بكون لا يمتلك الموسيقا وتنوع الأشكال والألوان والثمار، ألم تكن خسائرنا في وجودنا هائلة؟ والأدق هل كان لنا وجود لذلك نجد عنواننا مهماً جداً على المستوى الإنساني، فمحاور الثقافة وامتلاك مفاهيم أدبياتها وتعزيز حضور الفنون ضمن مجتمعاتنا وتسليط الأضواء عليها ينهي كثيراً من الأزمات الناشئة في جوهر الإنسان وأيضاً بين حواضنه. فالفنون تمنح الإنسان قوة جمالية في المشاعر، وإغناء نوعياً في الأحاسيس وقدرة مهمة على التميز بين الوهم والحقيقة، بين الواقع والخيال، بين الأزمات والأمراض، بين اختيار الحرب وامتلاك مبادئ السلام.