الهندسة المقدّسة

الهندسة المقدّسة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٧ يناير ٢٠١٥

تقف على تضاد أمام وجودها الحيواتي لتعتبره زائلاً من باب أنّه غير مقدّس، وكلُّ منتهٍ لا قداسة له، الناشطون في صنوف الحياة؛ أديان؛ سياسة؛ اقتصاد؛ اجتماع؛ تكوينهم حضر من مُربع الطباع نار؛ هواء؛ تراب؛ ماء؛ أشكالهم مثلثية أو دائرية؛ مربعات أو مستطيلات؛ جميعهم يحتاجون لعملية التكعيب، ناجحهم يخضع للبرمجة الأثيرية التي بدونها لا وجود لهم،  فكلّ ذلك يتعلق بنقطة البرمجة الممسوكة في التأمل العميق، والحاملة للأثير الذي بدونه لا حياة، يحدث هذا في الفراغ الذي يعتبر من أهم عناصر الكون، فلا قوة لأي إنسان إلا إذا حوّل الفراغ إلى مشاهدات يستنبط منها معلومات تشكل لغة قيادة الحياة، شبهات تاريخية تصيب نظريتي الحياة مبدعتي نظامي المادي واللامادي، وهل هما متكاملتان أم منفصلتان، من باب الكلّ والجزء، فالتحولات التي مر بها الإنسان جسّدت لديه نقص المعرفة ضمن حركة الوعي أمام المفاهيم الخاطئة التي انتشرت مشكّلة كماً هائلاً من المعلومات التي سكنت خاصية الحياة؛ الإنسان، تحوّلت ضمنه إلى معتقدات راسخة أنجبت تساؤلات عن ماهية الكون ووجوده وأسباب حركته الدؤوبة، فهل نحن جنس الإنسان ضحايا هذه المعتقدات التي أنشأت صراعاً دائماً من أجل البقاء، هل المادة هي كلّ ما يهمّ الإنسان، وهل العالم مبني على المادة فقط..؟ أين الأثير (الروح)..؟ هل الاهتمام بالفكرة أفضل أم الاهتمام بالجسد..؟ من يتحكم بمن..؟ ما هو مقياس النجاح حينما يغتصب المادي الروحي ويسيطر عليه، والعكس أيضاً قابل للنقاش فهل هو صراع بين إنسان وإنسان، إنسان وحيوان، إنسان وجماد، إنسان ونبات..؟
كيف تشكل الأزمات صراعاً ضمن العقل الإنساني..؟ هل النظام العالمي في تطور..؟ هل كلّ شيء على تمام..؟ ألا يعني اقتراب وصولنا من التمام وصولٌ إلى النهاية المحتومة..؟ ماذا يحدث لعالمنا البشري اليوم بعد أنْ قضى هذا العالم تحت مسمى الحداثة والاستحداث على حضارته الفكرية المنشد الأساس له..؟ وهل حقيقة التطور مبنية على الصراع.. لماذا..؟ أين هو موقع المنافسة؛ أليست المنافسة صراعاً خفياً من أجل البقاء..؟ وإنّ أي معلومات ومهما بلغت من الدقة لابد من وجود دلائل تدعمها، فإذا لم تتوافق الحقائق مع النظرية يجب نسف النظرية، حيث نجد أنّ الكثير من العلماء لم يُظهروا الموضوعية التي تحتاجها البشرية، فالقوة والهيبة، الروح المال العلم، أظهروا للبشرية أشياء اقتربت من علم الحقائق، إلا أنّ دور العلماء انحرف بها رافضاً الاعتراف بها، وما ينبغي علينا اليوم هو إعادة النظر ضمن منظومة الحياة من خلال التأمل العميق في الفراغ، والذي يرينا ربما أشياء لا نحب أن نراها، فلا ينبغي للإيمان بالتكنولوجيا وأدواتها أن يمنعنا من التفكر الدقيق في الوجود الإنساني، فالتكنولوجيا وأدواتها القادمة من علماء الحداثة شوّهت الوعي الإنساني بأسباب ومسببات وجوده، ومازالت تشتغل عليه تحريفاً من باب إدخال الشبهات إليه.
المهم والضروري الآن هو الانفتاح على الأفكار مهما كانت وتجريدها من الأنا المادي إنْ أردنا العودة إلى إنسانية الإنسان، فلا يجب وضع العلماء بمرتبة الثقة، بل الشكّ الدائم بهم يغني الحقيقة كثيراً، فالغش العلمي هو ما يسود عالمنا اليوم منعكساً ومتجلياً ضمن سياسته المديرة الرئيسة له، هذه المجتمعات العلمية لا ترغب في الاعتراض عليها، وإذا حدث قامت القيامة على المعترضين من خلال أدواتهم المنحصرة بين السياسة والجنس والأديان، هناك أسئلة تعالوا نبحث بها، بينها التكاثر والتناسل البشري، التطور والانفلات أمام الانقراض لكثير من الصنوف الحيوانية وكذلك النباتية، وفلسفة التاريخ القديم وعلاقته بالتاريخ الحديث؛ نشأة الأديان ومنظومة الله وارتباطه بالكونية وحتمية إعادة فهمه بين التعاريف والمصطلحات، وعلاقته بالموجود الكوني وعنصره الرئيس الإنسان، ومسيرته عبر الحقب التاريخية كوجود والمفقود منه والباقي، وعلاقة اللاوعي بالوعي الشخصي ومن ثم بالوعي الكوني، فنرى الحاجة ماسة جداً للتغيّر الفكري ضمن المنهج والمسار والعلاقة بينهما، أي إلى أين تسير البشرية..؟ فهل الكون وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة..؟ وهل التصرفات تظهرها على أنّها متنافرة..؟ لذلك أقول إنّ أي وجهة نظر محدودة المساحة -مهما بلغت من درجة صحتها- فاقدة لمصداقيتها.
أعود إلى بدء لأقول: إنّ الفلسفة الكونية من خلال أشكالها الخمسة المقدّسة وطبائعها الخمسة المبرمجة تحتاج فك شيفراتها المعقدة والممسوكة ضمن النظام الكوني بدقة لا متناهية، تنتظر بحوثاً علمية وفلسفية من آليات فكرية جديدة، كي لا يبقى التشويه الممنهج حيث تحوم حوله شبهات مرعبة، والغاية الأولى والأخيرة هي العودة لعالمنا الحيّ والتدقيق في سبل بقائه أو فنائه، أي إلى إنسانية الإنسان الحامل الرئيس للطاقة الذهبية والحيوية ضمن حركة الكون المتحكم بها ضمن أسرار وجوده، والتي تدعونا لنسأل مرات عدة عن ذاك البرنامج الذي يدير مهندسي أو مبدعي أو علماءه، حيث نطلق عليهم في مجموعهم الهندسة المقدّسة، فهل نحيا حقيقة ضمن تراتبية بنائها..؟ أم نحيا على عكس ذلك..؟.
 
د. نبيل طعمة