الفرح المسروق

الفرح المسروق

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٠ ديسمبر ٢٠١٤

من عموم الشرق العربي، ومن رجالات وسيدات وأطفال وشباب بلادي بشكل خاص، ينبغي أنْ يعود، وعلى عاتق وكواهل جميعنا يقع واجب استعادته، ولا ينبغي له أنْ يبتعد عنا أو نسمح لهم باستلابه، نستذكره عندما تقترب ترانيم أعياد الميلاد، وأضواء بهجة رأس السنة وأفراحها، وتهليلات المولد النبوي وأجواؤه، كل ذلك بدأ يرخي إشعاعاته على مدن وشوارع وحواري وبيوت العالم، أفراحاً ملؤها الحب، واستذكار حضور الجمال إلى العالم الحي، والذي كانت بلادي تحضره بقوة، فماذا حدث؟ ولماذا؟ ومن أجل ماذا سعوا لسرقته؟ هل من أجل أنْ تخبو أشعته وتخفت أضواؤه وينخفض صوت الحب والعشق فيه؟ مَن المسؤول عن كل ذلك بعد أنْ بتنا نرى الحزن يغزو العقول، والعتمة تطفئ جذوة القلوب، ولحظنا في كل زاوية مفتوحة وركن مغلق وشارع وحي ومنزل تراكم الآلام وانخفاض مستوى الآمال، حيث أخذ الخوف يسيطر ويعمّ الانتظار وتشرئب العيون الباحثة عن الخلاص، نسأل بعضنا عن حجم العطَب الذي أصابنا في الروح والمادة وخرائط الجسد التي تشوّهت من أفعالنا، والعطالة التي أصابت سوادنا الأعظم والتي رمت بالقلم لتحمل السلاح وتنطق بمفردات البارود والرصاص، ولغتنا البصرية التي أعماها الخجل، الذي يُراد منه أنْ يأخذنا إلى الفشل، وتضخم الأنا الذي إنْ سيطر على تقاسيمنا المجتمعة في لوحة واحدة أنهانا وحوّلنا إلى كائنات يملؤها الخلل النفسي، واضطرابات الذهنية الإنسانية، وتجليات العبث والقلق والأرق التي تسعى جاهدة لاغتيال وجودنا المتمتع بالحب، والمسؤول عن حاضرنا ومستقبلنا وعن عملنا المسكون في كامل الأمل.
أيُّها الناس؛ الفرح هو المطلوب الأول، لماذا تتركونه للأخير، فلربما لن تصلوا إليه إنْ ابتعدتم عنه وانشغلتم بما أنتم مشتغلون عليه، لذلك يجب على جميعنا استعادته، إنْ لم يكن من أجلنا فليكن لمستقبل أبنائنا والأجيال القادمة.. هل نستسلم لما ألقي علينا ورموه إلينا؟ هل نتقهقر إلى الوراء، أم نهرب إلى الأمام، أم نكتفي بلعن الظلام ونتوه في بحور الظلمات حينما نحاول البحث عن سبل الوصول إلى النور؟ أليس الفرح حارساً خفياً للوجود الكلّي بما يحمله من تعدد وتنوع وإيمان بالحقائق وأضدادها الخفية والظاهرة، الغيبية والعلمية، ألا يدعونا كلُّ ذلك للاحتجاج وإنشاء صرخة نلتئم من خلالها على طاولة الحوار بغاية النظر في المسير والمصير بل أكثر من ذلك، والقتال بضراوة لكلّ من خَطط ومَنهج وعمل ونفّذ على سرقة فرح أطفالنا وأرضنا وأبناء وطننا ومن وحدتنا، ألا ينبغي على المحبين والمؤمنين العاشقين له الخاشين عليه ومن جميع الأطياف والطبقات أنْ يطالبوا القضاء الوجودي والقدر الكلّي ونحن بمتابعة سارقي الفرح وتجريمهم بأقسى العقوبات، صحيح أنّ التاريخ لا يذكر إلا القادة والعظماء والمبدعين والأقوياء إيجاباً أو سلباً، لكن أبناء وطني حماةُ ديارٍ أباةٌ كرامٌ، نساؤهم رجال، ورجالهم شجعان، أطفالهم فتيان، شيوخهم شباب، نظراتهم أمل، دموعهم فرح، لا يهابون الصعاب، فدعونا نقلب معادلة التاريخ، ولنصنع مجدنا ليخلّد جميعنا، وليتحدث العالم أجمع عنا بأنّنا استعدنا فرحنا من سارقيه، لنحارب الجهل ولنسرع الخطى، هيا لنقاتل بكلّ ما أوتينا من قوة زمن التخلف الذي حاول أنْ يخطفنا على غفلة منا، لن ننتظر الموت، بل علينا قتاله والذهاب إليه من أجل أنْ نحيا أو تحيا أجيالنا، ما أجمل أنْ نستخلص الفرح والسلام من بين رصاص الحرب وروح الشهادة وآهات الجرحى ودموع الأمهات.
تعالوا نبيع أحزاننا الغالية والعزيزة علينا، أو حتى لنقايضها بالحب راسم الفرح على الوجوه، فالفرح مطلوب بقوته وإثارته، وآثاره أهم بكثير من الألم والحزن، لنلملم جراحنا ونجمعها، ونشكل منها تمثالاً كي لا ننسى، ولنقف أمامه فرحين معاهدين على أنْ نقلب السحر على الساحر، وأنْ لا نكون إلا أهلاً لوطن الفرح، فكم مرّ على بلادنا من أذى، وكم حاولوا سلخنا عنه إلا أنّنا دائماً كنا الأقوى بفضل ما حملناه من تاريخ عظيم، رأسمالنا فيه كان ومازال وسيبقى تصدير الفرح للعالم أجمع.
كيف حدث هذا ونحن السوريين نعلم أنّ الفرح أهم سمة امتلكناها عبر كامل عصورنا وصولاً إلى ما نحن فيه، كيف بنا لا نفرح ولا نشارك بعضنا الأفراح، تعالوا جميعنا لنضيء للفرح الشموع، ولنكسر الألم والحزن، ولنشدو بترانيم المحبة حوله والتهليل بعودته، وننشد جميعنا نشيد مجد الوطن السوري، صاحب جذر العروبة ولغتها المُعِزّ لشأنها، وحامي رايتها ورافعها إلى العلى، ولنعاهد أنفسنا بأنْ نستحضره ونعليه أينما وجدنا، ليكن عامنا الجديد عام استعادة الفرح وعودتنا لبعضنا، عام نهوض سورية من جديد كطائر الفينيق.
د. نبيل طعمة