أساطين الأديان

أساطين الأديان

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٦ ديسمبر ٢٠١٤

تخصصوا في اقتسام الروح المؤمنة، وكلٌّ دان لما حازه واختص به فكيف بهم يعملون، وبماذا يحلمون، وإلى أين أرادوا بما قبضوا عليه الوصول، بعدما أنشؤوا لها جيوشاً وأطّروها واجتهدوا من أجل تسويرها ومن ثم تحصينها، من هم أولئك المستمرون والمتوارثون للشؤون، وبصراحة؛ المقتبسون لمبادئها الحقّة، المخفون لقيمها السمحة، المتحولون تحت لفائفهم وعمائمهم وقلنسواتهم إلى ساسة وعسكر وأصبحوا يعملون بالتكتيك، وهدفهم سكن عقول استراتيجياتهم، فَصَّلوا الأديان على شاكلتهم، جزّؤوها بحسب مصالح كلٍّ منهم، ابتعدوا عن فلسفة الإيمان، وتمسكوا بصور الأديان، رسموها بأشكال متنافرة، تلاعبوا بمعانيها؛ فشرح كلٌّ مبتغاه على هواه، وكانت غايتهم ومازالت إضاعة القيم المشادة بين "الـ أنا والـ نحن"، بين الحقيقة والشريعة والحكم، بين الموضوعية والغيبية والحلم، بين الغاية والوسيلة، بين العروبة والإسلام، بين الإنسان وأخيه الإنسان اللذين تألقا من الإيمان بالإنسانية... فالذي يحدث ومنذ زمن تجاوز القرون العشرة وحتى اللحظة، تجهيل للعقول، تغييب للحقائق، استثمار دائم في تأطير العقول وتحديدها وتوجيهها إلى التشدد والعودة إلى الوراء؛ من خلال مشاريع الجذب والإفراغ، ومن ثم ملء هذه العقول بما يهواه مديرو حركة الأديان، بدلاً من توسيع دوائر إنارتها وإعدادها لمواكبة حركة التطور؛ التي لا تتم إلا بالتعاون مع الآخر، عوضاً عن إقصائه أو إجباره.. ألا ينبغي أن ندرك ونعيَ أنّ العقول تقوم بتخزين الخبرات والتجارب، وتحاكمها من أجل أن تستنبط منها قادماً جديداً، وأنّ حصرها يعني تقوقعها وعدم قدرتها على الانفلات من كهنها إلى الرحابة المحيطة التي ترينا كل الأشياء، أي تعميق الكهن وتعميق الحبر وجمعه في لغة الأحبار، حيث نقوم بفرزها، كيف يتم منع العقل من استثمار الحكمة وإظهارها في لحظات حدوث الأزمات؛ فيمنع كوارثها بحضورها؟!
إنّ معرفة أية بداية ضرورة حتمية من أجل الوصول إلى المبتغى المنشود، لا إلى النهاية، دعونا ننظر في أنفسنا، ونتحاور مع عقولنا فمنذ قرون والعماء يفتك بنا، يهدر أرواح الكثيرين منّا لذلك أسأل: هل تأطير الأديان يفيد أم يضر؟ أين هي المرونة الأخلاقية وتقسيم الأهداف وربطها بالعلمية وجدولها المرحلي، وخططها وبرامجها المتقنة مع فلسفة الحياة المادية الملموسة لا الغيبية القسرية في الدعوة للإيمان بها.. من هنا نتفكر بحالة السطو الممنهج على الأديان وبشكل خاص الدين الإسلامي، الذي جرى ويجري تجزئته إلى سياسي وعسكري وثقافي، والكلّ من أخطر ما يكون على حقيقته السمحة والأخلاقية المبني عليها، فالثقافي الذي أريدَ منه أن يركب على الدين قادم من آراء حملت صيغ التفاسير، أخذت به إلى التشدد والفرقة وإلغاء الآخر، والسياسي أراد أن يجذبه إليه ويسيطر عليه ويستلبه قيمته ومبادئه؛ بغاية الوصول إلى السلطات والتحكم به وبمريديه؛ دون علم بأنّ الدين نظامٌ إنساني لا علاقة له لا بالأداة العسكرية ولا بالثقافي ولا بالسياسي، حيث إنّ لكلٍّ منها تعاريفه ومساراته ومقتضياته، ومتنافرٌ معها من باب الثوابت والمتغيرات وحاجتها الدائمة لإنتاج الممكن ضمن الظروف الطارئة والأزمات الناشئة.
إنّ تحول شمولية الأديان إلى خصوصيات فردية أو طائفية أو مذهبية يحمل في طياته لغة واحدة؛ ألا وهي السيطرة والسطو عليها بالقوة أو بالأفكار البراقة الحاملة لجوهر الخبث والتلاعب بالمعاني باطناً وظاهراً المشوب بعدم البراءة، وتغيير قواعد أسسه من أجل إنشاء لغة التصارع عليه، والقتال لأجله، والابتعاد عن صيغة مبادئ إنسانية الإنسان، والسطو عليها يعني إنزال المقدس وإشراكه في عمليات التصارع والقتال، وكل واحد يريده معه، يدفع به كي ينصره، والآخر يريد قتله كي يهزمه! فكيف بالبشرية تتخلى عن إنسانيتها ولا تتفهّم ما أُريد من وظيفة الدين، وأكثر من ذلك ما أريد من وظائف الأديان وحقائقها السامية؟!
أساطين الأديان المتخفّون بين الشعوب والمُطْبِقون عليها لبسوا لبوسها بغاية السيطرة عليها وحرصوا على ارتداء أثواب حراسها وإشهار أسلحتهم بوجه كل من يحاول تجاوز حدودهم، واستلاب عقول شعوبها الحقيقية، فحصل ويحصل ما حصل، حيث بتنا نرى القتل والدمار والاغتصاب والانتهاك لشخصية الإنسان وحقوقه ينتشر في كل مكان من دون استثناء، على الرغم من اختلاف الأساليب؛ مباشرة كانت أم غيرها.. لنتأمل ونتفكر في الذي يجري، لنعلم أننا جميعنا مؤمنون بوجودهم أو بغيره، فما نحتاجه اليوم هو إبعادهم أو ابتعادهم كي يعود للإنسان إيمانه الحقيقي، أي أن يعيد للحياة قيمة وقوة أسباب حضوره فيها فيحيا.

د.نبيل طعمة