آدم وحواء

آدم وحواء

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٤

يعتبران إبداعاً فكرياً خلّاقاً، أنجز من تأمل الإنسان القديم القادم منهما بهما، وأسكنه عقل المتواليات الهندسية البشرية، حيث تناقلت حضورهما القرون، وهما مستمران إلى المستقبل، راسخان فيه رسوخ الأوابد، ونسجا حولهما الكثير من قضايا وجودهما الخلقي، ولم يستطع العلم حتى اللحظة إثبات نظم وجودهما، على الرغم من سعيه الحثيث الدؤوب والمتواصل حول إثبات ظهورهما على وجه الحياة، إلا أنّ المستند الوحيد لحقيقتهما قدمَ من مثلث المقدس، وضرورة طاعة مفهوم الغيبي المتحدث بقوة عنهما، تبقى محاولة البحث عنهما مستمرة بحكم استمرار الصراع بين الغيب والوجود، فالعلم الذي أوغل حتى وصل طريقاً مسدوداً اعتبره البداية لخلقهما من خلال نظرية الانفجار العظيم (البينغ بانغ)، والغيبي المقدس قدّم منشأهما من نظرية الفتق والرتق وظهور الجنان وهبوطهما منها، أو نبتهما من اتحاد قطرات ماء السماء مع تراب الأرض، ورحلة البحث عن بعضهما، والتقائهما المركب على جبل عرفات، التي تحدثت عن كهن حواء التي كانت تبحث عن آدم حتى أدميت قدماها، فلما اقترب منها ضمتهما وجلست بعد أن تزينت، وخاطبته أعلم أنّك قادم إلي وكنت هنا بانتظارك. من خلال كل ما أوردناه أردنا الدخول إلى حقيقة الحياة وأسطورة خلقها، وحيث ما توغلنا لمعرفة نشأتها- ولن نصل- ندرك أنّ هذه الثنائية التي أوجدت خالقها مظهرة حاجته إلى صنعها، وأودعها فكرة العبودية، وحثهم على الاشتغال الجنسي كي يضمن استمرار وجودهم، يعملون.. يجمعون.. يأكلون.. يتقاتلون من خلال اشتهاء ممتلكات بعضهم.. يموتون بلا نهاية ودون معرفة، أو البحث عنها مؤمنين بالعبودية وأنّهم عبيد له دون سعي لفهم فلسفة الحب، وبعد أنْ أنجز خلقها أبدعت من منظومتها الفكرية أفكاراً منطقية سكنت أساطير الأولين، وأعجزت في تفكيكها عظماء الفكر والعلم والدين، فكانت حقيقة الحقائق، وفي ذات الوقت ملأتنا شكاً وغايتها بحثنا الدائم عن اليقين.
ولنأخذ واحدة منها، والتي تحدثت عن نفسها بأنّ الإنسان بجزأيه، الذكر والأنثى، كان جسداً واحداً بوجهين.. الأول أنثى، والثاني ذكر، وما كانا ليلتقيا بحكم تعاكسهما ضمن الجسد الواحد، ودخلا مرحلة البحث عن الانفصال بغاية الالتقاء، فتعرفا فكرياً على صانعهما، وبدأا رجاءً مؤلماً وتضرعاً ملؤه الخشوع للصانع المتصور، بحكم أنّهما مصنوعان من مادياته المتوافرة، صلصال أو طين لازب أو حمأ مسنون، والغاية الدائمة لهما أن يلتقيا قبل أن ينتهيا، استجاب لهما الصانع وقام بشطرهما عن بعضهما، وحدث التقابل الحامل للتكامل المتجسد في لغة القفل والمفتاح، والنقص والكمال، والبحث عن التكامل من أجل الاستمرار. لنتأمل نحن جنس الإنسان، ذكراً أم أنثى، أنّ من الخلف- أي ظهر الإنسان- لا يمتلك أي مكون، لا وجه ولا أثداء ولا بطن ولا أعضاء تناسلية، حتى فتحة الصرف الصحي والإنجاب وجدت من الأسفل، وهذا دليل على أنّ الأسطورة تتقبل النظر فيها، والعقلانية تتطلع إليها وتدقق فيها فتثير الفكر الذي يصنفها ضمن دائرة المعقول، وحينما يحاول أي منا أن يلتصق بالآخر واضعاً ظهره إلى ظهر أنثى يعلم قيمة وقوة التوافق أو الخلل الذي يحصل وقدرة هذه الأسطورة على الإقناع.
هذا يقودنا إلى أسطورة البحث عن التكامل بغاية الوصول إلى الكمال القائم من حالة إبداع وجود الذكر والأنثى، التي تجسد عملية الاستمرار من خلال التداخل، كما هو حال العلاقة التي نشأت بين هرمس وأفروديت الآلهة الإغريقية، والتي صاغت لغة آدم وحواء، وسعيهما الدائم إلى الكمال الذي يتجلى بين الجمال والحكمة والقوة، فقررا إنجاب ولد كامل وأسمياه هرمفروديت، الذي ما إن نضج واشتد عوده حتى تمرد على الإلهين الأبوين ناسياً قوتهما، فقررا إعادته إلى ضعفه وبحثه عن الكمال، حيث فصلاه مباعدين بين الحكمة التي ينبغي البحث عنها فكرياً وعلمياً وخضوعه لسلطة الأعلم والقوة لبنائها وامتلاك أسس وغايات حضورها، وبين الجمال الذي لا يعني شيئاً من دونهما، فكانت القوة الإلهية، وظلت القيمة المتحكمة بمجريات الحياة ونظم حركتها.
هل نحن جنس الإنسان الذين تخلوا عن إنسانيتهم نحتاج لولادة جديدة؛ بعد أن تقهقرت أخلاقنا حتى وصلنا إلى قمة بشريتنا؛ التي غدت مسيطرة على جميعنا، وغدونا متعلقين بقابيل القاتل المؤسس لفكرة البشر، المتكونة من بدء شر، ولهذا نحتاج إلى إظهار بناء إنساني جديد عبر أسطورة نوعية تجذبنا وتأخذ بنا إنقاذاً مما نحن فيه، مع العلم أنّه ليس سهلاً إنشاء أسطورة أمام ذاك الكم الهائل من الأساطير المنتشرة بين أمم الأرض وتاريخها الموغل في القدم، أو حتى دحض أيٍّ منها، فكيف بنا نمحو أسطورة خلق فينوس آلهة الجمال والجنس والحب، التي تحدثت أنّ كرونوس قام بقطع العضو الذكري لأبيه أورانوس إله السماء وألقاه في البحر، فسالت منه الدماء والمني لتدخل في محارة تولد منها هذه الإله التي تدعى فينوس، والتي تماثل أفروديت بسحرها وروعة جمالها، هي هكذا أساطير الأولين دعت إلى التكامل من خلال الحب والتمتع بجمال الحياة، فهل ندرك حقيقة وأسباب وجود آدم وحواء اللذين بسببهما كنا وتكوّنا ونكون ضمن التكوين للمكون الكلي؟.
د. نبيل طعمة