بالله نحن نثق

بالله نحن نثق

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١ نوفمبر ٢٠١٤

بكوننا منه أولاً وإليه أخيراً يسكننا بحكم أننا بناؤه، ونعتمد عليه ونطمئن به حين العودة من انفعالنا وارتكابنا للأخطاء، فمعه يهدأ البال وتسكن النفس، وإذا تناهبتنا الخطوب أعلمنا أنّ ما أصابنا لم يخطئنا، وما أخطأنا لن يصيبنا، فإذا أفتى بأنّه مؤيد لنا في سعينا للنجاح أو الخلاص مما أصابنا؛ فمؤكدٌ أنّه مؤازر حقيقي وناصرٌ لنا. أبدأ متفقاً مع السائرين على الطريق بحثاً عن ثقته بنا ركضاً فإذا تعبنا فلنهرول، وحينما يتملكنا التعب فلنمشِ ومن ثم نحبو إليه، مهما تملكتنا مشاعر التوقف أو الرجوع عنه فهو الزمان، والزمان لا يمضي إلا إلى الأمام، وكثيراً ما نتحدث أن لو يرجع الزمان إلى الوراء، وليس يكمن الحلُّ في البحث عن نقطة البداية إنما في الاستمرار مؤمنين برؤية الهدف الكامن وراء الأكمة، فلم يذكر التاريخ أنّ هدفاً كان في الخلف، فإذا آمنا بالمسألة نجد أنّنا مدعوون لمعرفة أين نحن لنجيل البصر ونتطلع ببصيرة العقل والقلب، فإذا انكشفت أمامنا ترينا الواقع نحلله، نعلم أنّنا السبب من أجل إحداث الأفضل أو الأسوأ، والأمران ثمرتان موجودتان في جوهر الإنسان، يحتاجان القوة والعزيمة لتغيير الأفكار وتطوير الحاضر وصناعة المستقبل، وهذه المبادئ تحتاج للسلام وحلوله حتى وإن كان على أنقاض الهزائم، فالعزائم حينما تتوافر بأنفسنا وقدراتنا وتنتصر أولاً على شرها وتتقوى ثقتنا به تتحقق المعجزات.
)قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (أي إنّ الاطمئنان ثقة، الثقة تؤدي إلى الإيمان، القوي يثق بالقوي وكلاهما يثقان بالأقوى، ولم نشهد أنّ قوياً يثق بالأضعف أو بالضعيف، لذلك يقول القوي أنا أثق به، عالم الشمال كتب على دولاره نحن نثق بالله (IN GOD WE TRUST)  فما هي ماهية تلك الثقة به، وهل هي قادمة من قوة علمية الإنسان بمدى قوته فأنجز ما أنجز، ومركز قواه بيده عائد إليه، معترفاً بأنّه الأقوى ومنه يستمد قوته، احتاجه ليكون مظلة دائمة يستظل به بعد أن سيطر على عالم الجنوب برمته بقواه العلمية والمادية وآلته العسكرية، فكيف بنا نحن المعتقدين به والمتحدثين عنه جهاراً نهاراً، والمستخدمين له في نفينا وإثباتنا وتصديقنا ونفاقنا، لا يخلو نداؤنا له ورجاؤنا منه واعترافنا بأننا أبناؤه وعياله من أن يظللنا بظله، ويعطينا من عطائه، ويحمينا بحماه، أوجدنا بمحبته لنا، واستعمرنا في الأرض وأعطانا قيمة وقوة الحركة من أجل الحياة، فكانت منها مسيرتنا المستمرة وغايته إعمار حياتنا والاشتغال لها، ومنحنا حسنات أسكنها جوهرنا، فاقت في عددها أنفاسنا، فإذا توقفت أنفاسنا لم تتوقف حسناتنا، وإذا توقفت حسناتنا بدأت شرورنا، فكيف بنا لا نثق به -أي في عالم الشمال- يريدون أن نثق بهم من باب اعتبار أنفسهم ممثلين له، حتى إنّهم وصلوا بفكرهم المطروح علينا بأنّهم الإله الأبيض، ولذلك علينا أن نتفكر ماذا تعني كلمة نحن نثق بالله، أي إنّهم الأقوى، وعلينا أن نكون كذلك إنْ أردنا أن نكون أحراراً وأسياداً فقط، يكفي أن نعرف ونتعرف على ما نمتلكه بين جنباتنا فنعرفه، فهو لا يحتاج منا البحث عنه خارجاً إنما نبصره في داخلنا، فإنْ لم نجده فمعنى هذا أنّنا نسيناه فنَسيَنَا، وهذا دليل على نسياننا لأنفسنا، فكيف بنا ننشغل بعداوتنا لبعضنا إن كنا مؤمنين به، والإيمان لا يحضر إلا بعد حضور الثقة وتجذّرها ضمن العلاقة معه، ألا نستحي من بعضنا، ألا نخجل منه، كيف بنا لا نزيد من خشيتنا أمامه، والخشية أعلى مراتب الحب، نحن نسير بظله الذي لا حدود له، ألا ينبغي التوقف عن تناقل الناس قالت والناس تقول، متناسية ما يقول هو، لنوحد الرؤى بحكم أنّها من المبتدأ إلى الخبر تخصه، ولنتمسك به قبل أن نفقده، فلا ينبغي أن يغادرنا، نحن نقرر متى وكيف نلتقيه ليتفاعل معنا بحكم أنّه موجود بيننا. إن كنا نثق بالله دعونا نتجه إليه، فهو ينتظرنا بين آلامنا وأحلامنا وعلى مفترقات طرقاتنا كي لا نضلّ، يريد منا الاستقامة، فلنكتشفه من جديد، طالما بحثنا عنه وعن ثقته بنا، فهل نحن أهل لذلك؟ أجل دعونا ننسى آثامنا ولنبدأ من جديد، فهو ينتظرنا دائماً ويقول ثقوا بي تجدونني.
نحن نثق بالله لأننا نعمل من أجل خلاصنا، نقاوم كل ما يخطط لنا في الخفاء وفي العلن، نحن ندافع بكل ما نملك عن وجودنا، قدّمنا خيرة شبابنا قرابين ثقة دفاعاً عن مجده لأنّه مجدنا، وندفع بالغالي والرخيص بغاية انتصارنا، لا نقول خسرنا أبداً فإنْ زلت أقدامنا أو أنفسنا أو حتى فقدنا عزيزاً أو غالياً نتحدث بأنّنا ضحينا ونضحي في سبيل بقاء جغرافيتنا وإنساننا، عروبتنا ولغتنا، ومن أجل بقائه في أعماقنا، وإثباتاً بأنّنا نثق به، نحن لم نخرج عن قانونه ولا عن قوانين طبيعته، ولا حتى عن القانون العالمي، ولذلك تجدنا نقاوم ونقاتل أولئك الخارجين عنه وعن قوانينه وشرائعه وقوانين طبيعته الروحية والمادية.
د. نبيل طعمة