الخيط الرفيع

الخيط الرفيع

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٥ أكتوبر ٢٠١٤

وحقيقة معرفته أبيضَ كان أم أسودَ، وكذلك الشعرة التي قصمت ظهر البعير من خلال أبعادها ووزنها وحجمها، والدرجات الرفيعة العالية، وشعرة معاوية وضرورة عدم قطعها أو قصّها أو حتى إتلافها، و رِقة ودقة الغشاء الذي يحوّل البكر إلى ثيب، وكذا الحال إذا انثقب غشاء السمع، وما الذي يجري لحظة أن يطق عرق الحياء، والمغزى من تشميع خيط الهروب من الواقع أو ارتدائه (String)، وكلما كانت الخيوط دقيقة ورفيعة ظهرت الملابس منها أجمل بحكم أنّها المؤلف الرئيس لستر عورات الأغنياء والفقراء، وعزيز كتابكم الذي يصل في أسوأ الأوقات أو أفضلها، وفضائل إلقاء التحية والسلام فيما بينكم ولكم وعليكم، ودفن الرؤوس في الرمال كالنعام، ومعنى الشفع؛ والوتر؛ والليال العشر؛ وأعياد الفطير والفصح والميلاد، وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم، والفقير والغني، والفَارِه والمُرفّه، والأنقياء والأتقياء والملوثين، القديم والجديد والمجدد، السري والعلني والمخفي الأعظم، العوائق والحواجز والتشريعات، والحرام والحلال، والصلاح والإصلاح، والفساد والفاسدين، والرؤساء والمرؤوسين، والجاني والمجني عليه، والكرسي ومن يزحف إليه، والمستَغِل ومن يستَغِل، المتهم والبريء، وهل قُدَّ من دبر أم من قُبُلٍ، الاختباء وراء الإصبع إبهام كان أم سبابة أم وسطى، والتي اسمها الشرعي قبلة الدُبَر، هل ينسج العنكبوت خيوطه في الظلام، وعلاقته باتساع حدقة عين البوم، وحكمته التاريخية، إنّ أشرف لقب يحصل عليه أي بشر هو لقب إنسان، فكيف بنا نصل إليه، ومن يمنحنا إياه؟
إشارات؛ علامات استفهام؛ ترتسم على وجوه مديري أعمال الحياة نظيفي الأيادي من أصحاب ربطات العنق والعباءات والمسؤولين رفيعي المستوى والسمان العجاف ضمن الاستنفار الشامل الذي يسود العالم، وألغاز تحيط بالجميع، حيث يبحث الكلُّ عن الحل، والكلُّ يسعى للحفاظ على الرفعة والرفاعة والرفيع من عنوان ما نسير تحته لا يريد قطعه أو إتلافه، وأيضاً لا يريد أن يرمي به خوفاً من أن يتحول إلى شعرة قاصمة، تفكيك للخلايا، للدول، تركيب ينجز من خطط الظلام التي تستمدّ حضورها من بحور الظلمات، زيادة نقصان، حرائق إطفاء، حروب تدمير وإلغاء وإقصاء، وإخفاء دعم ومؤتمرات ومشاركات، ولقاءات تُرحِّل النتائج إلى المستقبل فمتى يكون؟ هجرة ومخيمات غرق، واحتجازات رهائن وخاطفون، ورعاة ورعيان، هل هناك من أحرار، هل الراعي من الأبرياء أتى أم من تراكم الكهن والاختيار المسبق والمنتقى، ليس جميعنا مهتمين بما يجري ومهما حاولنا فنحن مقصرون نحاول امتصاص الصدمات أو الاكتفاء بتلقيها دون الخروج لعلاجها، ألم يعش الكلّ المفاجآت؟ ألا يحمل الجميع قديمه فيه ومهما تجدد يتحول إلى قديم وبالٍ؟ لنعترف بأنّ لا أحد يستطيع أن يرسم مساراً لحياته بحكم وجود حالات التفاجؤ، الكلُّ ينتابه الخوف وأحياناً الهلع، في النتيجة الكلّ يخاف، ولكن إن سمحت له الظروف يغدو سريعاً؛ ذئباً؛ وينظر إلى محيطه على أنّه في غابة وهو سيد للذئاب. من أين يظهر الضوء الأخضر ولمن؛ والأحمر، من ينعش المغيبين عن الوعي والغارقين في اللاوعي، من يصنع الشوشرة وما غايته، والحروب ومن يؤججها، والسلام ومن يصنعه، صولات وجولات، وتحالفات هنا وخلافات هناك، الخيط الرفيع موروث ثقافي يفصل بين العقل والجنون، يهيمن على العقول، ومعه نسجت كامل الروايات والقصص والأساطير، سكنت الكلَّ ووردت من كل حدب وصوب فأنشأت الفوارق التاريخية التي جسدت الحراك وعلى جميع الاتجاهات والجبهات الداخلية والخارجية، وذمة التاريخ والتأريخ والمؤرخين واسعة بحيث اتسعت جميع الضمائر والمضاف إليها، والآن نجد من ينادي بتحريرنا منها، فكيف بنا نفعل وعلى من تقع مسؤولية إفنائها أو دحضها أو ركنها في الذاكرة، وبأيِّ نور ننظر إليها؟ أليس النور واحداً والصباح واحداً والليل واحداً، والضوء الاصطناعي يأتي من زر واحد ما إن تكبسه أو تضغط عليه حتى ترى ونرى ما لا يُرى، الخيط الرفيع يقف بين كلِّ ذلك، يسعى كي لا يسطو البشر على الإنسان، وكي لا يزداد القهر والحرمان، وكي يوقف السيطرة والهيمنة على الجميع، إنّه بوجوده يُحدث التعادل بين الخير والشر، يمنع انتشار الفساد، ولكم يا أُولي الألباب الأخذ بالأسباب فيما خصَّ وعَم، وسجل ودلّ، فما فيه يكمن مصدره، وما يليه يظهر عجزه، والبلاغة في مَن نظمه وأبلغه وقدّمه مفصحاً عنه وكفايته، وبين مفرداته تحركت غايته لتدعونا الضرورة وطبائعها للحفاظ على كل المفاهيم الدقيقة والرقيقة واعتمادها كحقائق إنسانية من المهم جداً أن لا نبتعد عنها، ففيها يكمن جلُّ إنسانيتنا.
د. نبيل طعمة