أنت مغرم

أنت مغرم

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤

والحب يحتاج الغرام، كونه نبضه، وديمومة سيرورته جزء منه، فإنْ لم يكن جوهره كان في خبر كان، وأن تكون محباً فهذا أمر منطقي، أما أنْ تكون مغرماً فأنت مختلف، يتحدث عنك الجمع وتغدو محوراً مهماً بينهم، لذلك أسألك هل وصلت إليه، كيف وبأية وسائل، وما هي السبل التي سلكتها حتى وصلت، ومتى وقعْت فيه، وهل عرفته قبلاً، أم أنّك بحثت عنه؟؟
أنا لا أسألك إلا بعد أنْ تساويت معك في بناء السؤال.. حسناً لنبدأ الحوار حول الغرام الذي يعني اندماج روحين ضمن وقت غير محدد: البداية والنهاية، وتشكيل هالة خارجة عن المألوف؛ إلا أنّ الحكم عليه يأتي لحظة الانفصال بحثاً عن الهواء الذي يتنفس الصعداء، خارجاً منه إلى الحياة من جديد، كونه حياة استثنائية يُطفأ بها لظى القلوب من شهد الرضاب.
فإذا ما تم بين الاثنين ودخلا إلى عوالمه؛ يظهر السؤال: كم يستمر؟ أي إنّه ثنائية تجسد مثلاً: المادة والروح. المادة والمادة. الروح والروح. الجسدين ذكر وأثنى، ذكر وذكر، أنثى وأنثى، حيوان وإنسان. إنسان ونبات. نبات ونبات. حيوان وحيوان. جماد وإنسان.. علاقة المشاعر بالشعور، التعاطف مع الألم، أياً كان نوعه عند المنظور والمتأمّل به والملتفت إليه في غفلة من الحركة أو السكون، المهم أن تكون الأشياء طبيعية فنكون طبيعيين؛ أيُّ شعور يضاهي شعور أن تكون طبيعياً! ولتستمتع أنت حينما تنظر لما يدوّن وتقرؤه مؤيداً أو رافضاً أو باحثاً عن فهم ما نريد، لكوننا ثنائية غرام تتحول الأشياء فيما بيننا إلى غرام، كما هي بينك وبينها، وبينها وبين الآخر، أجل أحاول أنْ أتذكر.. يبدو أنّني نسيت شيئاً مهماً.
إذاً، كلما ازداد الغرام وَفُعٍّل حضوره القادم من التجاذب الجيني أو الالتحام بين اثنين وحدث التكوّر وصارا ضمن دائرة الفراغ؛ ظهرت السعادة وتحسّن المزاج وتطور الناتج والنتاج الخاص أولاً، ومن ثم ينعكس وهجه على العام، وكلما خبَت علاقة الغرام أو قصُر عمرها، وكانت عابرة انخفض المستوى وظهرت العصبية وتاه الرضى الحياتي؛ ما يؤدي إلى انفلات النظام العام وضياع الانتظام الفكري والبنائي؛ على اعتبار أنّ كل ثنائية لا تمتلك الغرام هي على خصام.
إنّك إذا رفضت الغرام يعني أنّك لا تمتلك الجوع الحقيقي للحياة، الذي يشعرك بأنّك مشتاق إليها، وأيضاً ترفض كل ما يقبع على القمة، وتعلقت دائماً بالدون ولن تصل إليها، فهو فكرة الإنجاز تسكن في مكان ما من جوهرك المختبئ خلف جلدك، ينتظر أنْ تبصره من داخلك، ومن ثم تأخذ به إلى موقع التفعيل والتنفيذ، فإذا نجحت أخذ بك إلى حيث لم تكن تتوقع الوصول إليه، أو تتصور أنْ تكون عليه.
لذلك نجده المدخل الحقيقي للحياة، ولحظة أن نحياه نشعر معه أنّنا وصلنا النهاية، وسرعان ما نكتشف أنّه المدخل الحقيقي للحياة، يمنحنا شعور الافتخار ضمن حياة لا ينبغي لنا أن نتجاوزها، وفي الوقت ذاته يجب أن لا نؤمن بأنّنا نحن فقط من نمتلكها، فإذا انكشف سر "أنا" أي سرّنا فُقدت الحياة وضاع غرامها، ولم تعد تمتلك قوة تحريرنا من هفواتنا، من أنا وأنت ونحن، لننشغل بنا، ولنتعلق بفلسفة بما، ليس الغرام الذي يمنح ذكاءً مضافاً للإنسان، ووقته مهم بحكم أنّه يستبدل الوقت الضائع بالوقت المغذي للعقل والروح والجسد.
الغرام فعل الحب على اختلاف مساربه ومشاربه، همس الشفاه في الأذن ومصارحة تخترق الممنوع وعشق للمحظور، وحقيقة يطلق عليها الخائنون بأنّها رذيلة، إنّه كرة اللذة والمتعة خارج أطر الكذب والنفاق، وزمن الجمال وجرعة تدفع الحركة إلى الأمام والسكون إلى قيام وقيامة، فيه يكون الخلاص، ويتجه معه الإنسان للإخلاص بعد أنْ يكون قد تخلّص من كامل المعوقات الفكرية والدينية والاجتماعية؛ ليخرج على الحياة بإشراقة جديدة تحمل لغة الجمال، يحرِّض هرمونات السعادة ويزيد من غزارتها؛ ما يؤدي إلى ظهور مشاعر الحب على الوجوه، وكأني بها تشكل ولادة إنسانية جديدة.
إنّ مَن لم يغرم بشيء سوف يدرك أنّه لم يحيَ الحياة بل عاشها فقط، فالحياة غير العيش، ربما استطاع الإنسان ملامسته، فإذا لم يحسّه ويتملّكه بإحساسه وشعوره لم ولن يصل إليه، وبالتالي لن يكون فناناً في صنوف الحياة وبين أجناسها.
في النهاية علينا الإدراك أنّ أفضل شيء في الحياة ليس شيئاً نلامسه، بل ذلك الشيء الذي نستطيع التداخل معه والوصول إليه، حيث نتبادل أحاسيسنا معه حجراً أم حيواناً أم بشراً... نتأمله، فإنْ استطعنا اختراقه كان الإنجاب والإبداع والتقدم والتطور.. فهل أنت مغرم؟ اسأل نفسك ذكراً كنت أم أنثى.
د.نبيل طعمة