حينما يحاصرك الرصاص

حينما يحاصرك الرصاص

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٣٠ أغسطس ٢٠١٤

تسأل رصاص مَنْ هذا، وتكون مؤمناً في جوهرك بعقيدة ما، وما أكثر العقائد السماوية وتقسيماتها، والوضعية ومناطقها، والثقافية ومحدداتها، وانتشار الأفكار بين هنا وهناك، طائفية أو مذهبية، حنيفية، أرثوذكسية، أو صابئية، مجوسية، أو حتى أزيدية، أو من الفئات المشركة، وفي الكتاب المكنون سورة الحج الآية 17 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)، الله أودع يوم القيامة مقامه الفصل بين كل هؤلاء وأولئك فهو العليم وأعلم العالمين والعلماني الأحد الذي بعلمه يفصل مظهراً أن الأديان له والأوطان لجميع الإنسان، فكيف بنا نجد أنفسنا أمام شوفينيات أو فاشيات أو نازيات تخرج من بين عِرقك وعِرقي، أو دينك وديني، أو طائفتك وطائفتي، أو حتى مذهبك ومذهبي، تتشدد ضدك وضدي، وضد الأعراق والطوائف والمذاهب الأخرى، وتستعلي عليك وعلى الجمع، تستحضر فتاوى وتفاسير من هنا وهناك، تخترق بها الجنس والدين والسياسات والاقتصاد والمجتمعات، تقمعك وتقمعني، وترخي علينا ظلال الحصار والعودة لثقافة البراري والقفار، تطالبنا بالانضمام إليها دون خيار، والخضوع لعقيدتها شئنا أم لم نشأ.
 ألف وأربعمائة عام ونيّف، يخرج من ظهراني الإسلام فاشيون ونازيون وشوفينيون لم يشهد العالم الحديث أجمع بملياراته السبعة نظيراً لهم، يرعبون الإسلام والمؤمنين به وبالأديان الأخرى، ومن كل طوائفه وبشكل خاص السنّة منه، قبل الإزيديين والإباضيين والجعافرة واشتقاقاتها التي تتبع السبعية أو الإثنا عشرية والمؤمنة منها بالتقمص أو الرحيل الأبدي، والعقل ومشيخاته، وحتى المذاهب الأربعة للسنة، وأعتقد أنّ جميع المؤمنين لا يؤمنون لا بالطائفية ولا حتى بالطوائف، لأنّ الإيمان جوهر الأديان وجميعها لم تظهر لا من طوائف ولا من مذاهب فكيف بالدين الإسلامي المحمدي يصل إلى ما وصل إليه، آمن بالاختلاف معتبراً إياه رحمه فكان منه حقيقة الاختلاف الرحيم، وإيمان الطوائف بالجوهر واستنادها عليه لا على الفروع، وأيضاً علمنا اليقين أنّه لا يمكن تسمية الشجرة بساقها فقط إنما بفروعها وظلالها وثمارها المنتشرة منها.
رؤى متعددة مرعبة لحظة أن تشاهد ندرة من العصابات والميليشيات تستلب جوهر طائفة كبرى، تستخدم أفكاراً تطرحها بشكل عقائدي، تستند بها على مفسري التشدد، وتظهرها بشكل عنصري نازي فاشي تستعلي بها على البشرية والإنسانية، وتؤمن بإبادة الكلّ وقمعهم تحت مسمى العودة إلى جوهر العقيدة، أو تطهير البشرية من الدنس.
إنّ أصغر أقلية مؤمنة بإنسانية الإنسان أفضل من تلك الشراذم التي تدّعي أنّها مسلمة تحاول أن تظهر بأنّها حامية للإسلام، وتنشد إقامة دولة على جماجم جميع المسلمين والمؤمنين والمتدينين بديانات المحبة والسلام، فلا يمكن لأي عاقل وحامل فكر وعلم ومؤمن بهما أن يقول عن هؤلاء الشراذم إلا عصابات، حتى كلمة "أقلّية" كبيرة جداً عليهم بحكم وجود الأقلّيات، وأيضاً مسمى التنظيمات المطلق عليهم لا يمتلك فهماً لقواعد وأسس التنظيم، إنّما القول الفصل فيهم عصابات انفلتت من عقال القانون وقواعد الأخلاق، و سَمْت حقيقة الإسلام، حاولت وتحاول السطو على كل شيء، فطريق القتل والاغتصاب واستلاب الحقوق المادية والروحية، ونظم الذبح على الهوية والتمثيل بالجسد الإنساني، وإفراغ المدن والبلدات والقرى، وسبي النساء وبيعهن في أسواق النخاسة بعد استثمارهن جنسياً، والمجازر المروعة والحفر التي ملأتها الضحايا والجثث الطافية والمنتشرة على سطوح مياه الأنهار، إلى ماذا يدلنا هذا كلّه، ومَن يقف وراءه، أجهزة أمنية من دول كبرى أو من دول إسلامية تريد زعزعة فكرة الإسلام وخلق نقيض لها بعد تشويهها وجعلها أمام الآخر في أسوأ صورة، وهذا في حقيقة الأمر ما وصل إليه حال المسلمين والعرب كافة على اختلاف حضورهم، بحكم توءمتهم التي لا انفصال لها، أي العروبة والإسلام، وأنّ هناك أنظمة دولية تريد الهيمنة الكلية على الإسلام والمسلمين من باب امتلاكهم للمواد الأولية من الخام الصلب والسائل والغازي، وبداية عهد النهضة للشخصية العلمية الإسلامية، وإنّي لأعتقد أنّ الظروف الهلامية للقيادات العربية الإسلامية هي المسؤول الأول والأخير عن نشوء هذه العصابات، وأنّ مكافحتها تستدعي يقظة فكرية شعبية جماهيرية تؤمن بالانتصار للتواصل الإنساني، تلغي فيه مفاهيم إقصاء الآخر وتنجز تفاهمات حول تقرير المصير واحترام الكلّ للكلّ دون تبعية. هذا يقودنا للعود على بدء حيث نسأل مرة ثانية عمّن أنشأ هذه العصابات الفاشية النازية الشوفينية، بعد أن عرفنا وتعرفنا على القاعدة التي حاربت أعداء الله الشيوعيين أولاً، ثم انقلبت على من صنعها لتحارب صنّاعها، وهل ما يجري الآن امتداد لها، فالمنهج واحد، والأسلوب واحد، إلا أنّ الفرق بينهما وعبر أربعة عقود هو أنّ الأولى لم تتمركز في مكان، أما الثانية فوجدت لها أمكنة بين العراق والشام.
شراذم فاشية نازية عِرقية لا يمكن لأي عاقل أن يؤمن بما تفعله، فماذا ننتظر؟ ومهما كبرت هذه العصابات تبقى صغيرة بين الجمع المؤمن بالله، وبالأرض الوطن، بالإنسان أياً كان، فإذا اتحدت جميع الأقليات مع الأكثرية المؤمنة حقيقة انتهت هذه الشراذم من العصابات الشوفينية، التي نعتقد أنّ رصاصها يعود ليحاصرها دون أن تدري أنّها محاصرة به، وهي إجابة على كل ما لم يصرح به حتى الآن أو يقال. 
                                                                                                         د. نبيل طعمة