أفكارٌ إنسانية

أفكارٌ إنسانية

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٩ أغسطس ٢٠١٤

يحملها جميعنا، وحينما نتذاكرها تكون الغاية أن نستعيد بعضنا الإنساني كي نُبعد البشري؛ الذي سطا وتغلغل على مفردات عقولنا الإنسانية، والذي نتبادله فيما بيننا، مؤكدٌ أنه موجود مع كل واحد منا؛ إنما نشير لبعضنا ضمن عملية المسير الحتمية التي لا نستطيع من دونها أن نكمل الحياة الاجتماعية، وما أحوجنا لاستعادة ثقافتنا وتقديمها بالشكل اللائق! فعندما تثقف رجلاً تكون قد ثقفت فرداً واحداً؛ أما عندما تثقف امرأة فإنك قد ثقفت أسرة بكاملها، وكذلك حينما تقول إن نصف المجتمع سيئ سيسخط الجميع؛ بينما لو قلت إن نصف المجتمع جيّدٌ سيحتفون كمن ينظر إلى نصف الكأس الممتلئ متجاهلين ما يحتويه النصف الآخر، فالدين لا يمحو الغرائز لكنه يروِّضها، والتربية لا تغيِّر الطبائع إنما تهذّبها، والسياسة لا تحلّ المشكلات إنما تديرها، والثقافة لا تنشئ الشخصية إنما تُظهرها، والحب ليس الجنس والشهوة للجنس والمادة فقط؛ إنما هو فعل إنساني يخص الموجود الحي والغيبي، الراقون هم أكثر الناس معاناة في هذه الحياة! فلا أحد يعرف لغتهم إلّا من كان مساوياً لهم في الرّقي..
بعد هذا الذي قلته وجمعته وقدمته لكم: أضيف جملة واحدة تحدثت عن أننا عرفنا الحياة وتعرّفنا على الكثير من أشيائها؛ إلا أننا حتى اللحظة لم ندرك حقيقة كيف نعيشها. الرحمة قيمة الحياة وجوهرها، وحقيقة الإيمان وصورته الواجبة على المؤمن أن يكون عليها، وصبغته الدينية المنتشرة بين كل الأديان، وعنوان المقدّس فيها يسكن قدس الأقداس، إنها وطنية الإنسان التي تحتاجها الأوطان، ومسيرة الحياة ضمن مفهوم الإنسانية الكبير.
ولنتعلّم أن الاهتمام أهمّ من الحب، فلو خُيِّر الإنسان بين الحب والاهتمام لأخذ بالاهتمام، لهذا تقف دائماً عند اللحظة التي تعلم فيها أن هناك شخصاً لا يريد أن يفقدك. ولذلك نجد أن أهم الدروس القاسية التي تدعو المرء لتعلّمها في الحياة هي حقيقة أن ليس الجميع يتمنّون لك الخير، فهذا هو طبع الحياة.. لذلك أقول إنك لن تموت إذا خسرت من تحب، لكن ستعيش كالميِّت إن خسرت كرامتك. فمتى وكيف تقدر أن تكون طبيعياً وأنت تحيا وتتفاعل واقعاً مضطرباً غير طبيعي إذا خانك من تحب، فلا تحزن؛ بل انتظر حتى يدير لك ظهره واكتب عليه العبارة التالية: "كان بإمكاني أن أفعل أكثر مما فعلت ولكن أخلاقي لا تسمح لي بأن أهينها".
الإنسانية لا تُصنّع ولا تُشرى بالمال، الأخلاق في السلم هي ذاتها في الحرب؛ بل الأكثر من ذلك ننخرط أكثر فيها، والتجار في السلم هم تجار أخلاقيون في الحرب، وإذا تغيروا فهم أمراء حرب وتجار حرب؛ أي بلا أخلاق بلا إيمان بلا رحمة.. الوطنيون منتمون وموالون لأوطانهم أياً كان الزمن الذي وُجدوا فيه، فغير ذلك يعني أنهم مارقون وخائنون لوطنيّتهم وأوطانهم، السِلم يعني البناء والاشتغال الدائم من أجل ديمومة السلام، والحرب إذا فُرضت على السِلم يجب محاربة الحرب لاستعادة السِلم والسلام، والشجاعة هي العمل من أجل إنهاء الحرب لا من أجل إشعالها، الفشل موجود؛ ولكن في عقول البشر فقط، فلا يوجد فاشلٌ، وأيضاً لا يوجد ناجحٌ، إنما يوجد إنسانٌ يريد أن ينجح وآخر يفكر في الفشل فيفشل، وكذا الفراغ الذي يعتبر من أخطر الظروف التي يمرّ بها الإنسان؛ حيث تُفتح فيه ملفات الماضي والحاضر والمستقبل دون فائدة، كثيرون ينجحون حين لا يثق بهم الآخرون؛ لكن نادراً ما ينجح إنسان لا يثق بنفسه، فالشخص المهم في حياتك ليس الذي تشعر بوجوده؛ لكنه الشخص الذي تشعر بغيابه، حينها تنظر إلى ذاك البعض الذي يحضر إليك كنعمة؛ بينما يأتي البعض الآخر بحياتك كدرس، فحافظ على النعمة وتعلّم الدرس، فالحيوان يغدر بك حينما يجوع، ولكن الإنسان يغدر بك حينما يشبع، لذا ينبغي ألا تنوي الانتقام أبداً، وألا تعمل عليه، فقط ابتسم وانتظر، فالقدر مبدعٌ في تصفية الحسابات.. إن الحكمة الحقيقية هي أن تتعلّم كيف تتفادى الأفكار التي تُضعفك.
اعمل الخير بصمت، فغداً يتحدث الخير عنك بصوت عالٍ، وشاهد عيوبك في عيون الآخرين، واعمل على إصلاحها. ظروف البشر مدفونة في أعماقهم، فالهموم مفرّقة والأبواب مغلقة، فإن لم تعرفها فأكرمهم بحسن الظن بها.. مدرِّسٌ جيد أفضل وأكثر فائدة من مئة رجل دين، مرة واحدة يمر في حياتك صديق ولا محالة إلّا وأن يمر كي يجعلك سعيداً، يحبك دون مقابل شريطة أن تكون فقط إنساناً، وأنت قادر على أن تبدأ دائماً من لا شيء وأن توجِد شيئاً بعد نهاية كل شيء.. فقط لا تُقلق عقلك برغيف الخبز؛ فهو لك ولا تملأه بالحقد فإنه يُنهيك، والحسد يُدميك، والخيانة تفنيك ..الحب وحده يُبقيك، والصبر يساعدك، والعمل يُسعدك ويُقوّيك.
د.نبيل طعمة