إعادة النظر

إعادة النظر

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢ أغسطس ٢٠١٤

للمشهد الأول، والتدقيق فيه، ومعرفة أين نحن من حيث وصلنا، يمنحنا فرصة التأمل واستلهام الوحي من البصر لمواقع الخلل؛ غدا ضرورة تدعونا للخوض في جمل المفاهيم والقيم والقوانين السائدة الوضعية، ولا ضير في البحث بين مفردات تفاسير المقدس التاريخي الذي أُسقط على البشرية من أضلاع مثلث القداسة، حيث اعتبره المبشّرون وحياً لا يمكن لأحد الخوض فيه أو الدخول عليه بكونه "تابو" محرماً وغير مسموح المساس به، فالإنسان الذي صوّره الإله على شاكلته مذكراً إياه بالصيغة الكلية القائمة من مجموع النسبي جزيء نسبي يبحث عنه بل أكثر من ذلك أقر به النسبية، لذلك نجد حضوره إشكالياً، فهل يعقل وهو المعرّف والمبهم، المعلوم والمجهول الخفي، المطلوب بحكم إدراكه في العقل اللامرئي، وإدراكه من المحسوس والمنظور المحيط بصراً وبصيرة؟!.. كل ذلك ألا يدعونا لإعادة النظر في مفهوم الوجود، أم أن المتصيِّدين على جبهات العماء مترصدون لأية فكرة تدعو إلى الانتقال نحو الأفضل، فجدلية العلم والدين، ومساحة التأمل وانتشار الجهل والفقر والعبودية ضمنهما، واعتبار البحث في الأشياء والدخول إلى جوهرها، وتحليل صورها يؤدي إلى توسيع مدارك العقل، مما يؤدي لتراكم المعرفة ويحدث فهماً نوعياً يفصل بين الحب والكراهية، بكون الحب الأداة الوحيدة التي تنهي التخلّف والتقهقر والحسد والغيرة نحو الأفضل وإلى الأمام، والتفاعل مع الحياة برؤية الطموح، وتحقيق النجاح من أجل غد أفضل.
 لقد وُجد الإنسان كي يصمد حتى النهاية التي لا يمتلك القدرة على تحديدها، وكذلك من أجل أن يكون قادراً على إبداع بداية جديدة، بحكم أسباب وجوده التي لا تحتمل العودة إلى الوراء أو البقاء حيث يصل أمام الانتكاسات التي لابد وأنه واقع فيها، فإذا ما سألنا أي إنسان بجزأيه: هل تعرّضت لنكسة مادية أو معنوية..؟ فبالمصارحات الحقيقية يعترف قائلاً: ربما لنكسات، وأيضاً مَن ذاك الذي خلا من حمل همٍّ..؟ فيجيبك الجميع بأن الأبواب مغلقة والهموم مفرّقة فلكلِّ واحد منا همّه، ومن أجل أن تكون لديه في مسيرة حياته خيارات أو فرص أو حتى محاولات، ولا تتم هذه العمليات إلا بعد أن يعيد النظر فيما حدث، أو إلى حيث وصل من أجل إثبات وجوده، فإذا أضاعها أو استُلبت منه؛ ما هي صورته وشكله وحقيقته..؟ لذلك أدعو جميعنا لإعادة النظر فيما نحن عليه قد أكون حنيفاً في مساري والذي أنحو إليه، وقد أظهر منحرفاً فيما أريد الوصول إليه معكم، ولكن وبتجرد وبعيداً عن الخيال والحلم والوحي الغيبي؛ أخاطب أفكاركم أن تتجهوا إلى عالم العلم، الممتلِك لقوة الخشية حين تناوُلِنا لقوة الأشياء التي تحتاج إلى تعريفٍ وإثباتٍ لوجودها بالمنطق المتقبَّل من جميعنا، لذلك تجدونني أسأل: ألم يحن الوقت لسؤال بعضنا: أين نحن من التخلّف والتبعية والانبطاح والتسلّق والتملق والوصولية؟ ما هو شكل الأداء والولاء؟ وما معنى الانتماء، ولمن ننتمي أإلى الأول. أم إلى الثاني المنقرض. أم إلى الثالث النامي المتطلّع للوصول إلى الأول..؟! أين نحن؟ مسألة غير مكتملة تحتاج لإعادة النظر، وتحتمل البحث والأوجه كلها! فماذا ننتظر من مفكر أو مثقف مقلِّد أو باحث عن سلطة أو مأرب أو غاية؟... (صراع كراسي لا بناء مراسي)، وعنف روحي مدمّر للذات، لا يمتلك قيمة وقوة الإيمان بالوهج المتقد، الممتلئ بالعلم والأمل، حينما تحدثُ المواجهة يظهر الانفصال، فهل يكون هذا استسلاماً والقرار تسليماً دون تردد أو انتظار أو تقديم أبحاث ودراسات وتعاليم وأديان، جميعها تشك ببعضها، وليتها تمتلك فلسفة الشك، إذ في قمة الشك يكمن اليقين، ولكن إذا حرّمنا الشك ورفضناه فكيف بنا نصل إلى ذاك القابع في قمته والذي أقصده هنا هو: اليقين، وبه كامل الإيمان بما نكون عليه، حيث الاعتقاد النهائي بالنجاح أو الفشل أو عكس كل ما نتحدث به.
إعادة النظر في مكونات الفكر الإنساني غدت من الضرورة بمكان، والفرق مع البشر صاحب الذكورة، محوِّل الإله في عقله وعقل أنثاه وسلالته المستمرة إلى ذكر؛ تحت لقب الضمير الغائب الحاضر (هُو). الأزلي. المتناقل. السرمدي. المحيط. منبع كل الأشياء الروحية. مانح لغة الإبداع. المتربع على قمة هرم الخالقين (تبارك الله أحسن الخالقين) وفي الاعتبار أن: كلَّ خلّاق خالق. وكل مبدع بديع. وكل منتج ومنجب وصانع بنّاء.. لذلك يقتضي منا عنواننا التأمّل فيه، وليس الغاية أن نعود إلى الوراء، فما مضى قد مضى ولن يعود، إن ما نحتاجه هو الاستمرار من الحاضر بغاية الوصول إلى المستقبل، وإذا حصل وأعدنا النظر؛ أي تأمّلنا فيه كان غدنا آمناً، نتعلق به كي يجذبنا إليه بالحب لا بالخوف. 
د.نبيل طعمة