نحن تغيّرنا

نحن تغيّرنا

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٦ يوليو ٢٠١٤

الحياة لم تتغير، التاريخ يدوَّن، من يدون التاريخ ينسجُه على هواه، كيف بنا وهو يراقبنا، يتابع تفاصيلنا، لا يرحمنا أبداً بدراية منّا أو بدونها، والزمن سار مع حركتنا منذ لحظة البداية الأولى؛ أي بعد أن أمر العقل الكلي بأن نسير معاً، وأقصد الإنسان والزمن كمتلازمين لا انفصام لهما، إلا أن الزمن ثابت ونحن نتحرك، فالليل ليل، والنهار نهار، واليوم أربعة وعشرون ساعة، نحن نمرّ عليها، تمنحنا تقسيمه، لنعلم أين صرنا، بمعنى أن التاريخ والزمن لم يتبدّلا، هما يسجلان حركاتنا وسكناتنا، ومسيرتنا إلى كل الاتجاهات، وتحولاتنا، وخلافاتنا واختلافاتنا، الإنسان أيضاً لم يتغير تشكيله الجسدي، ولم نشهد تغيّراً مثلاً في عضو من أعضائه أو حاسّة من حواسّه المادية الخمس؛ إلا أن نظام التفكير ضمن عقله النسبي مؤكد أنه وحده يتغير بشكل دائم، رافقته في عدم التغيير أجناس الحياة الحية والجامدة، فما الذي اختلف عبر مسيرته الإنسانية القادمة من أعمق أعماق التاريخ؟ وإن من أهم أسباب التغيير ارتكابه للأخطاء المتكررة المرتكبة عند جنسه فقط، وعدم القدرة على فهم حجمها، وإدراك سبل إصلاحها، وكثيراً ما نتبادل الأحاديث حول حدوث ذلك، وكل منّا يدلي بدلوه؛ كأن نقول: إن المناخ اختلف، وشحّت المياه، وتضاءلت منابعها ونسب أمطارها، حتى أخذ بنا الحديث إلى افتراض ذوبان القطبين نتاج ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ وصولاً لتوقع طوفان عظيم يعيد كوكبنا إلى نقطة الصفر، وتناقص كميات المياه يُظهر حجم تناقص الزراعة الذي يدلّنا على انخفاض كبير في مستوى إنتاج الأغذية، وبالتالي يقودنا إلى اختفاء أعداد هائلة من الحيوانات والنباتات، والأنواع الجيدة من الإنسان، وانقراض كثير منها، وذلك بسبب انحسار المراعي  والجفاف، وتدهور الغطاء النباتي وتراجعه، واختفاء الغابات بحكم الحاجة لأخشابها، والصيد الجائر لكل شيء حيِّ، وانعدام الأخلاق والقيم والمُثل والمبادئ، حتى الزلازل أخذت بالانتشار بين الفينة والأخرى؛ بسبب النهب الهائل لثروات مدفونة في أرضنا، ونشوء الفراغات والتجاويف والكهوف تحت الأرض؛ مما يؤدي إلى تحرك الصفائح التكتونية وانزلاقها ضمن الفوالق، إذ يُتوقع زوال جزر؛ بل دول لتعبِّر عن غضب الأرض والسماء منجبتي الحياة..
نحن تغيّرنا أجل، ولم يتغير شيء حتى شككنا في كل شيء؛ إلى أن وصل الشك في أنفسنا، وبحَثنا عن كل شيء، واستثنينا البحث عن الحقيقة، آمنّا بالمسلّمات ولم نؤمن بضرورة البحث فيها، سألنا كثيراً دون عناء عنها، ابتعدنا عن الحكمة وانقسمنا إلى عالمين: مادي وروحي، علوي وسفلي، شمالي وجنوبي، أول وثالث، متخلف ومتقدم، غني وفقير، قوي وضعيف.. لم نخض في حياتنا ثورات على الجهل والتخلّف والتبعية؛ بل كنّا دائماً نقوم بثورات حفر القبور ودفن بعضنا بعضاً أحياءً قبل أن نكون أمواتاً؛ من خلال امتلاك ثقافتها الغامضة، نتقاسم أحزانها مجاملة ودون وعي، فنقتل الأحلام الصغيرة التي لم نعمل عليها، وذهبنا للأحلام الكبيرة، وعشنا في الخيال والوهم، فلم نستطع تحقيق هذا، وابتعدنا كثيراً عن ذاك، فبقينا حيث نحن؛ تظهر على وجوهنا وأجسادنا علامات التغيير والحياة تتفرج، خفنا من الموت فغزانا بأمراضه، لم نستطع أن نتجاهله فوقعنا بين البداية والنهاية، أغرانا شيطانه إلى أن أصبح أستاذاً على الذكور وتلميذاً خادماً عند الإناث، حيث قاد جميعنا إلى الهاوية بعد أن فقدنا التسامح، امتلكنا لغة وعلوم الانقضاض وإشعال وتأجيج الفتن، وإنماء فكرة التصارع وسواد الصراع، ولم يعد هناك مساحة للتمتع بروض وزهور الحياة ونضارتها، وانشغلنا بما نريد، ونسينا ما يُراد، تكاثرنا وكثرنا أو انتشرنا، ومازلنا نتكاثر ونأكل، وشره الأكل وصل إلى أعلى درجاته، سنصل ذات يوم قد لا نجد فيه شيئاً أمامنا إلا أنفسنا، فماذا سنعمل حينها؟!. أعتقد أننا سنتحول إلى آكلي بعضنا، فالغذاء الوحيد حينها هو نحن، نعود إلى شريعة الغاب حيث لا السرّ ذائع والجاني بما جرَّ يخذل.
الحياة لم تتغيّر، نحن تغيّرنا، كنّا أحراراً من طبيعة خلْقنا، سعَينا وراء الحرية حتى استعبدناها فاستعبدتنا؛ بكون كلِّ ما تتملّكُه يتملّكُك، وذهبنا بعيداً في عبوديتها إلى أن صنعنا لها تمثالاً وبدأنا نشدو بها ونتغنى، تغيّرنا ولم نعد قادرين على العودة إلى الوراء، فالذي أوصلنا إلى الأمام يدعونا للمتابعة؛ بحكم سيرورة الحياة وصيرورتها، فلا مجال إلا في متابعة المسير على طريق النهاية المحتومة، فجميعنا يحمل بُدّه الذي لا بدّ منه..
 د.نبيل طعمة