تحديد الحياة

تحديد الحياة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢١ يونيو ٢٠١٤

لا بين نقطتي البداية والنهاية؛ وإنما من خلال ما نحمله من أفكار خيِّرة نيِّرة بناّءة براقة، تفيد حياة الإنسان وولاءه لأسباب وجوده أولاً، وثانياً لما يراه أو يتطلع إليه ضمن آليات صراعه المستمر بين الخير والخير، والشرّ والخير، والشرِّ والشرّ، فكيف به يتكيّف مع المبادئ الإنسانية والاستراتيجية للحياة وقواعدها وبرامجها، وفي الوقت ذاته يعمل بشراهة الجمع والبحث عن اللّمع يُكَوِّن ويُكَوَّن ويزيد، حينما تتحول ثقافة الربح الطبيعي إلى الربح السريع، والفائدة القادمة من إنشاء مجموعة من العمالة والمواطنين والمديرين تحت مسمّى التشغيل والربح من أدواته وإنتاجه، والتراكم، وطلب الزيادة والمزيد، وإرادته تطوير لغة أريد، واحصل لي على هذا وذاك القريب والبعيد، واصرف قليلاً للعملاء وللنزلاء، ولمن يدور في فلك العمل، وللعمال والموظفين والمديرين التابعين لنا.. لا تكلمني عن الصح أو الخطأ، والنصائح والصفح والغفران، والشيطان والإله.. لا تُنظِّر فلا أحتاج للتنظير على الرغم من أن البداية كانت بسيطة وجيّدة وصحيحة وسليمة،- وأقصد هنا المنبت الطبقي-، هذه البداية التي ملأها الطموح بحب الحياة، كانت موروثة أم أنها محددة ضمن أيِّ شروط عيش فيها، غير معقدة وبسيطة، ومازالت هي حتى اللحظة مستمرة؛ إلا أنها مركبة على ميّزة النسيان أو التناسي، بغاية الحذف من الذاكرة أو عدم استذكار النشأة الأولى، أعترف أن لا إهاب للموت لا فكرياً أو تفكيراً فيه، ولا ضمن خشية منه، بحكم أن المرء لا يغريه الاعتراف بارتكاب الخطايا، وفي الاعتقاد الدائم أنّ أيّ أحد منّا لم يرتكب أية خطيئة، فالذي يحبّ أن يجيب عن أسئلة الآخرين؛ يجيب على طريقته، وبحسب ما يريد أن يمنح من فكره أجوبة لا تجيب عن الأسئلة المحرجة، وفي الوقت عينه هو على استعداد بأن يراوغ كثيراً مستخدماً كافة السبل، كي لا يجيب عنها، وبالتالي يحاول جاهداً أن لا يكون معك أو مع أيِّ أحد ممن تسلّقوا معه تلك السلالم أو حتى تجاهُلِها، فكيف بنا نعيش، وهل الفرص متاحة للجميع؟
مازال هناك كثير من الحياة، وفيها الكثير من الفرص لمن يريد السعي لها، ولدى جميعنا منها نصيب، النهايات الجميلة المقنعة تبقي الموت بعيداً عنها، عندما يلتف المؤمنون حول ما تخاطبهم الحياة باستحقاقهم لها يكون لديهم صباح ومساء، ليل ونهار، شرق وغرب، سماء وأرض.. الهواء يكفي الجميع، يتجول بين كلِّ ذلك مانحاً الكثير. نتقاسمه دون أن ندري كما نتقاسم روح الله فينا. 
المسألة لها علاقة بالوجدان؛ الذي حاول الكثيرون تعريفه ووضع أسُس وقواعد تحكمنا نحن جنس الإنسان إليه، من باب أننا نشبه بعضنا كثيراً من الداخل، وهو موجود في داخل كلٍّ منّا، فلماذا يتضح الاختلاف على المظهر، جميعنا لديه هيكل عظمي أبيض ناصع ميكانيكي مبني بدقة تجمعه ثلاث وثلاثون فقرة، يحملنا ولا يطلب منّا إلا التأمل فيه؛ على العكس تماماً من تنوع جنس الحيوان وهياكله العظميّة، لدينا روح قادمة من الكلّي المحيط موزعة بيننا بالتساوي، ونفس القلب/ المضخة إيّاها، وكثيرة هي الأعضاء المتشابهة تماماً، كلون الدم الواحد، والنخاع الشوكي أيضاً، فلماذا الطباع والألوان والتفكير واللغات، وجميعنا نحيا على كوكب لا نمتلك غيره، رغم بحثنا المستمر عن حياة أخرى، نأكل من مدخل عرضي ونخرج من تشابه المخرج، ونلج الحياة أيضاً من ذات الفجِّ الطولي، وننتهي إلى لحود تشبهه حين النزول إليها بين نقطتين، هل نستطيع تحدِّي ما نريد من حياتنا..؟! رغم قدرتنا بالاجتهاد على تحقيق ما نريد!!
عمَّ نبحث في حياتنا؟
مؤكد عن شيء غير معرّف، هي الراحة، فأين هي؟ ليسأل كل منّا نفسه: ماذا يريد؟ ومن يجدها ليظهر علينا نحن جنس الإنسان، وليعلن على الملأ أنه مرتاح، فنسأله أين وجدها، إنما نستطيع أن نصنع ونضع المعاناة على درجات، فالفلسفة الروحية تحدّثت بأن "لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه" وأيضاً يقول المقدس: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعَون"..
إذن بإمكاننا القول: إن السواد الأعظم من البشرية يعاني من عدم الراحة، والندرة تعاني لكنها بمستويات أقل؛ إلا أن الجمْع في النهاية لم يستطع أن يمتلك الراحة، هل الحياة سهلة؟ ما حجم الصعوبات التي تمرّ بأي إنسان- بلا تحديد- لماذا تمتع الإنسان بنظرية "يا أنا يا أنت، وهي لي ولك".. لمَ نتكلم بسرعة ونتألم وحيدين، ونضحك على أحزاننا ونبتسم؟ على الرغم من قهرنا، ونتشاجر على أشياء تافهة. نخذل. نتخاذل. نحب نكره. نتزوج. نعشق. نخون. نلتقي. نتفرق...إلخ, كيف لنا ضمن المعطيات التي لا تنتهي تحدي الحياة، وهل لنا أن نصل إلى حدودها حوافّها. بدايتها. نهايتها من خلال القضايا العائلية الفردية. الأنا الجماعية. المجتمع. الدولة. الأمة. الرئيس والمرؤوس. العبد والرب. القائد والجنود. رب العمل والعامل. الصدق والكذب. الحب والكراهية. السلام والحرب. التضاد... إلى ما لا نهاية من هذه الثنائيات؟.
هل يمكن لأي منّا أن يحدد الحياة بشخصه أو بأسرته أو بمجتمعه؛ دولة كان أو أمة في كوكب أو في مجرة؟ ما معنى تحديد الحياة؟ والحياة منضبطة ضمن عقلنا المحدد ومنفلتة؛ من أجل أن نعمل على التقاط الجديد بالاستكشاف، فيكبر عقلنا من أجل أن يستوعب أكثر، وتتّسع مداركه ضمن شرط واحد هو عدم الانفلات، فإذا انفلت أضاع كل شيء، وعاد إلى البداية المسكونة بين العقل والجنون.
د.نبيل طعمة