السوريون يقررون

السوريون يقررون

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٧ يونيو ٢٠١٤

وحدتهم قوة الإيمان بوجودهم، واختيار نهج الحب لمساراتهم، وانتخاب المنجب من قياداتهم، وتجديد بناء بنيانهم الفكري والاجتماعي، ونُظم عيشهم المؤمن بالتكامل الإنشائي والمعماري والمدني مثلث قداستهم، وظروف اقتصادهم، والآليات السياسية لحضورهم وحضوره، وحدهم يؤمنون بأن سورية جوهرهم. حاضرهم. ومستقبلهم، يمنحون الآخر فرصة رؤية تعلّقهم بثقافة الحياة وإبداعاتهم الظاهرة من أبعادهم المرسومة على وجوههم ومن حركتهم كسوريين، يواجهون تجفيف منابع الإرهاب القادم من جغرافيات تحمل ثقافة العداء التاريخي ولغة الموت والقتل.. فتنشيط الهِمَم وشدّ السواعد، وتماسك البنيان، وتجديد بناء تكوينهم يحمل غاية واحدة وهدفاً استراتيجياً يسكن عقول وقلوب السوريين؛ ألا وهو إعادة الجمال للآبدة الحاضرة وزيادة تألّقها وألقها.. لذلك كان قدرهم أن يقاوموا ويدافعوا بصبر وعزيمة وإيمان عن بقائهم.
الزمن تغيّر وبات جميع العالمين بما يدور والمشاركين من اللاعبين والمتفرجين يدركون أن الشرق الأوسط وبشكل خاص سورية تمتلك القدرة على إنجاز وتقبّل التحولات والتحديات، وبعد أن راهنوا على فرط عقده، وفكِّ ترابطه من المركز الذي يتجلّى بسورية وقوتها الراسخة في دمشق، مذهلة أولئك العاملين على تدميرها "دعاة مشروع إحداث الفوضى الخلاقة"..
ليس بالأمس فقط؛ يعلن الناطق الرسمي للقوى العظمى وعلى رأسها أميركا أن السوريين وحدهم يقرّرون مصيرهم ومن يختارون؛ بل الكلّ يعرف وعبر مسيرة الحياة القديمة والحاضرة أن القرار كان ولا يزال السوريون يصنعونه بأنفسهم، حكمتهم وقيمة ثباتهم وقوة بأسهم دعت العالم أجمع لتأكيد ما يُجمعون عليه ويتخذونه من قرارات..
بالأمس أجمعت أغلبية السوريين على انتخاب رئيس زعيم يحمل صفاتهم. شيَمهم. أخلاقهم. إرادتهم في الحياة ووصلها والانتقال إلى الأفضل، وكان لهم ذلك.
احتفِلوا. هنِّئوا بعضكم. تصافحوا. تصالحوا. وادعوا الجميع من السوريين الخارجين عن سوريتهم للعودة إليها، كذلك طالِبوا - عبر قراركم المحيط البعيد والقريب - أولئك الذين يصبّون الزيت فوق النار؛ أن يكفّوا عن تلك الأفعال التي نُطلق عليها بأنها غدت صبيانية بحكم افتضاح أمرهم، فنظرية الولدان التي تحرق البلدان ثَبت فشلها بصلابة وثبات الجمهور السوري مع قيادته وقائده، والعكس صحيح أيضاً، فلولا هذا ما كان ولولا ذاك ما كان هذا.. بهذا يستعيدون انتصارات قرارهم، يبدؤون تجديد صورتهم بعد أن رفضوا الاستسلام والاستزلام، وأبوا الانهزام، تمسّكوا بقوة شخصيتهم التي حاول الكثير- وللأسف من المحيط العربي والإسلامي والأوروأميركي والصهيوني- أن يشوِّهها؛ إلا أن استقلالية وقوة قراراتهم من خلال إثباتهم من ثباتهم بأنهم حقيقة تاريخية مستمرة حاضرة، أسهمت في صناعة الفكر الإنساني برمّته من خلال خلقهم وتخلّقهم بإنسانية الإنسان.
شجاعة الأكثرية وإيمانها بالاتجاه الدائم نحو بناء سورية وضمان وحدتها يلغي خوف الأقلّية التي خرجت عن مبادئ الإيمان بـ "أن جميعنا سوريون" هذه الأقلية التي اخترقها بعضٌ من هوام الأعراب والترك والعجم؛ الذين حاولوا من خلالها اصطياد الوحدة واللُّحمة والعقد الاجتماعي النوعي، وتحطيم ثقافة التنوع والتعدد، واللوحة التي رسموا عليها جمالهم النوعي، وغاية هذه الشرذمة اصطياد سورية الأرض والإنسان؛ إلا أن قرار الأكثرية من السوريين الذين جسّدوا لغة الانتصار والإصرار على صناعة القرار (الذي جوهره صناعة سورية) إلغاء وإنهاء الخوف والرهبة من قلوب السوريين؛ أياً كان لونهم أو شكلهم، وأيضاً تشكيل رافعة للوعي، تريهم ما الذي خُطط لهم، وإنهاء لغة الإرهاب التي حاول الأغراب والأعراب غرسها في قلوب الندرة من السوريين، وإعادة بريق الحب للمسالمين من جميع السوريين، وإضاءة دروب الحقيقة للرماديّين..
إنها دعوة للمصالحة توجِّهها سورية وأبناؤها المقرِّرون لأولئك الذين استجابوا لدعوات انتهاك حُرماتها، وفرصة يقرّرها السوريون من خلال قرارهم بالتقدم لإعمار سورية الإنسان والأرض تاريخاً حاضراً ومستقبلاً.
أيها السوريون: بالأمس قررتم، ومرة ثانية، وحدكم تقرِّرون دستوركم وانتقالكم للمستقبل، اخترتم رئيساً زعيماً، واخترتم البقاء، فعلى جميعنا أن يبدأ سريعاً، وأن نعمل حثيثاً لاستعادة الثقة ببعضنا من خلال تجسيد حقيقة أننا سوريون، وأننا مصدر إلهام نقدم منه لغة الإنجازات، فجميعنا لديه طموح؛ وقناعة بأن فرصة الخلاص بين أيدينا، والتفاتنا لبناء الفرد والأسرة والمجتمع يعني للعالم أجمع، أننا وطنيّون تستحقنا سورية الدولة الراعية والحاضنة، والتي نطالبها أن تسهم بعزم التسارع لتوفير الظروف، فلُحمتنا وانصهارنا ضمن بوتقة واحدة يحفظ سورية، ويحفظ السوري المؤمن بقرار النهوض والانتفاض الإيجابي؛ حيث التفاعل الإنساني يبدأ وينتهي من قرارنا. 
أيها السوريون: قراركم أدى لاعتراف كلِّ أولئك المنتظرون من الحاقدين والمارقين بالفشل والانهزام أمام ثباتكم وقوة إرادتكم على البقاء دولة وشعباً، فالفشل بإسقاط الدولة بكلِّ مكوناتها وما تحتضنه من رئيسها إلى أطفالها أدّى ويؤدي إلى انكفائهم وتراجعهم عن سوريتنا، وهذا لا يعني انتهاء أحقادهم ومؤامراتهم.. كما لا ينبغي لنا أن ننتشي بالانتصار النوعي الذي جسّد بالانتخاب الديمقراطي صيغة للمستقبل تدعونا للتماسك أكثر، والاجتهاد المؤمن بحقيقة بقائنا؛ حيث يؤسّس للانتصار الكبير الذاهبين إليه لا محالة، فالذي ينهيها في واقع الأمر استمرار قرارنا بأن نكون سوريين مع سورية.   
 د.نبيل طعمة