قليلٌ من السلام

قليلٌ من السلام

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١٠ مايو ٢٠١٤

يمنحنا كثيراً من الحب والخشية والأمان، يتشابه مع قليل من خمرة الإله التي تنعش القلب، وتضفي شمعة الإيمان به قوة الضياء، وتسمح بالخشوع أمام دماء المقاتلين الشهداء والمجالدين الجرحى الأشداء؛ من أجل بقائنا وبقاء المؤمنين؛ المنتجين للكثير من الخير والعطاء؛ المانحين قوة البناء؛ الشاهدين على الحياة؛ المقاومين للمفسدين والفساد..
عنواننا يكفي لإعادة إصلاح الحياة وإعمارها، بكونه جزءاً صغيراً من المتطلبات الإنسانية التي أصبحت تنشد حضوره، وتأمل بتحقيقه، والوصول إليه، فلم يعرف التاريخ والتأريخ الإنساني والبشري اللذان وُجدا ليتصارعا كما حالتي الخير والشر اللذين لم يعرفا المهادنة منذ اللحظة التي أعطيت فيها الحركة لكليهما، فسارا ينظران إلى بعضهما تملؤهما العداوة، وشهوة تحقيق الانتصار، فأشهرا أسلحتهما وبدأا رحلة عنيفة لا هوادة فيها، وحتى اللحظة؛ هما باقيان ليصطادا من بعضهما بعضاً منها، فمتى يضعان سلاحيهما؟! وهل لهما القدرة على القيام بذلك، أم أن جِبِلّتهما تكونتا على ذلك، واستندا إلى رؤية المكوّن الكلي؛ الذي أبعد الإنسان من جنانه عقاباً على خطيئته الأولى إلى الأرض، وكذلك أمهل الشر إلى يوم يبعثون، وخاطبهم: اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ مبين..
وهنا نتوقف قليلاً لنسأل: إذا ألقى الخير سلاحه فهل يستبيحه الشرّ، وكذلك إذا فعل الشرّ ورمى بأسلحته؛ فهل من الممكن أن يُصَدَّق ويعمّ وينتهي كل شيء؟؟ وإذا كان الاثنان خيراً فما هو حال الحياة؟ ألم نكن ملائكة، وهل يعقل أو يقدر العقل البشري على القبول بالتحول الكلي إلى الحالة الملائكية تلك، وأيضاً لو أن جميعنا امتلك الشر؛ ألم نكن لنفنيَ بعضنا بحتمية أن الشرَّ بالشرِّ هو الفناء؟!!
لنناقش أنفسنا.. هل من أحد كائناً من كان، لم يتعرّض للشرِّ، وبشكل أدق، لم يُعتَدَ عليه بطريقة أو بأخرى من الطفولة إلى الشيخوخة؛ أي مورست عليه صنوف من التسلط.. أو عنف ما. أو هتك. أو استباحة. أو اغتصاب مادي أو لا مادي. وتحدّى ما مرّ به؟! أليس التحدي يحمل وجهي الانتصار والانكسار؟ وكل من تراوده أفكاره وأحلامه في ليلة الظلم يواعدها في ضوء نهاره، فإما أن يمحوها أو يستسلم لها أو يتحداها.. ما سرّ كل ذلك، والرغبة تتملك من صاحبها في حب الحياة، والحياة ممتلئة بالصراع..
لماذا تضع لمنزلك ومكان عملك باباً وقفلاً، وتحمل مفتاحاً، ممَّ تخاف؟ وهل يعتقد أحدٌ أن بإمكانه إرضاء الآخرين؟ أليست الانحناءات الكثيرة تحني الظهر وربما تكسره؟ من منّا لم تتملّكه الهموم، وتتناهبه الظنون، وتساوره الشكوك حول كل المعتقدات لحظة انكساره ومحاولة الأمل في الاستجابة السريعة لمتطلباته؛ بحكم أن الإنسان العام ملول وفي الوقت ذاته عجول من باب أنه "خُلق من عَجَل"؛ حيث لم يستطع الإيمان بالعمل بغية الوصول إلى الهدف؛ ليكون حضوره وبجموعه منتظراً للفرص خارج ظروف الشرف العلمي والمنطقي والأخلاقي وحتى الديني؟ ألم يشكّ الإنسان بأشياء كثيرة مخلوقةً ضمن حياته بدءاً من محيطه، وصولاً لخالقه الذي يخاطبه أحياناً في سرّه قائلاً:  من الممكن أن يقتل نمرٌ غزالاً، أمّا المعادلة الأصعب وهي أن يقوم الغزال بمحاولة قتل نمرٍ مُسالم؛ فإذا نجح فكيف سيكون ردّ النمور؟! ألا تعتقدون وتؤمنون بأن قليلاً من السلام قادر على إبعاد الشر ولو إلى حين، لأن جميعنا يدرك أن الانتصار على الشرِّ صعب جداً، إلا أن الإيمان بالسلام يمنحنا فرصة جديدة للحياة، يعيد من خلالها بناء تحصيناتنا من جديد، وإصلاح الخراب والدمار، وتأمين العقول الخيِّرة والأفكار النيِّرة لتباشر عملها من جديد..
إنني أؤكد؛ بل أجزم أن الحرب والصراعات القائمة بين الإنسان والإنسان لن تنتهي، فمَن نحارب؟ ومع مَن نتصارع؟ ومن أجل ماذا والفكرة ذاتها؟!، ومتى يعود الشيء إلى أصله؛ أي: الإنسان إلى إنسانيته، هل يُعقل أن تصل البشرية إلى القاع؟!
سلام كاذب أجوف مبطن، لا إيمان بالحياة؛ بل صراع مستمرٌ على المال والجنس، وبين الأديان وعليها..
من كلِّ ذلك نستخلص أن السواد الأعظم من الناس يرغب بالسلام، والندرة تدير الصراع، وندرة الندرة تخطط له وتشرف عليه وتأمر به، البسطاء وقود الحروب، يلقى بهم في أتونها، الباقي منهم يشعر ويقدِّر قيمة وقوة السلام؛ لكنهم يعودون للتكاثر دون علم منهم، على الرغم من أنهم يتعلمون، إلا أنهم لا يمتلكون قيمة وقوة العلم ومقتضياته، وجوهر الإيمان ومتطلباته، والتطلع إلى الحياة والسير على سبُل عيشهم فيها.
قليلاً من السلام من أجل الأطفال والأمهات كي يحْيَوا بكرامة واحترام، فقليل منه يرخي بحضوره على الحروب والصراعات، يوفِّر مناخاً للحوار واللقاء، ولا ضير من الاختلاف الإيجابي المنجز للحلول الجديدة؛ حتى وإن كان سلبياً.. فلنحاول صناعة الأمل بالعمل الحثيث والدؤوب، والإخلاص لقيم ومبادئ إنسانية الإنسان، ألا نؤمن بأن قليلاً من السلام يصنع المعجزات؟!
إن هذا الخطاب يخصّ أهل نون والقلم وما يسْطرون؛ أي: القوم الذين يعقلون ويتفكرون ويخلصون للقيم والمبادئ الإنسانية.
 
د.نبيل طعمة