فرصة للحياة

فرصة للحياة

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٦ أبريل ٢٠١٤

نبحث عنها بعد أن اختلطت على جميعنا حقيقة الحقائق، وبتنا على تضاد فيما بيننا، نتاج المناخ العام الذي يسود الجغرافيا العربية، والعربي الذي يحيا عليها تحت سماء لا تبتعد عنهما إلا قليلاً؛ إنما تبقى تدوّن وترسم صورة ما يجري، فإذا ما تأمّلتها عرفت ما يجري تحتها، من باب "صورة في السماء حقيقة على الأرض"، واللغة السائدة فيما بينها غدت بحاجة إلى دفاع، فالخُلَّص يتحدثونها ببراءة، والسواد الأعظم يفهمها بخبث؛ بعد أن كانت الجموع تجلس إلى مائدتها وتتناولها بآدابها، فالإيمان بعدم عودة الراحلين ينبغي أن يتعزّز، ومَن أحدث الأضرار للأرض والسماء والإنسان؟ هناك قادم من بعيد ليسبّب له الأضرار، وأيضاً من جعل الدموع تذرف قهراً بغزارة؟ هناك من يُبكي من أبكاك.. فدوران الأرض يدلّنا على دوران الحياة، مما يعني أن الدائرة تدور على الدائر وستلتقيه حتماً، فتكون نشوة الفوز أو الربح أو الانتصار معادِلة تماماً للشعور بالهزيمة إن لم يستطع استثمار وتطوير الربح أو الانتصار، فإذا تضخمت الأنا أحدثت المراوحة في المكان، وأعادت الممكن إلى ما كان، إذ إن اختلاط الحقائق أثناء المسير بين هنا وهناك يمنح فرصة إحصاء النتائج من الحالتين اللتين نعتبرهما فرصة للنجاح، أو للتعلّم من الدمار المنتج بعد حدوث الارتجاج القادم من أزمة أو أزمات، فإذا ما مرّت علينا إحداهما ولم نستفد منها فحتمية السقوط تعادل توقّع المصير، فالفرصة معنوية أو مادية غايتها تحقيق الفائدة، والحياة لا تحتمل الخسارة؛ إنما تحتاج إلى النجاح لأنها مستمرة، وإذا ما حدثت وبقي إنسانها كانت له فرصة جديدة للعودة؛ بشرط أن يكون المسير إلى الأمام؛ أي: امتلاك تصور المستقبل كي لا يخسر زمن التوقف أو التقهقر الحادث نتاج ما مرّ به.
 لغتنا أوجدتنا ضمن مناخ عام، رحنا نبحث، هل نؤمن بالضاد أم بالصاد، بالضيق الذي نعاني منه أم بالصديق الذي نبحث عنه، بحكم بياتنا على مشاعر الكذب والافتراء والنحيب والبكاء والاستجداء، وإصباحنا على اختلاط الحقيقة؛ بدءاً من ذاتنا وصولاً إلى مظهرنا، فلم نعد نعرف مفاتيح الانتصار من الأقفال، وكيف بنا نعيدها لبعضها كي تتداخل وتدور من جديد، لننفتح على رؤى جديدة نفرز معاً الغث من السمين، والآليات التي تعيننا على استبدال أو حذف بعضٍ من أفكارنا المهترئة؛ كي نُحِلّ محلّها فكراً قيِّماً نجتمع عليه، ونقدم أنفسنا للآخر مجتمعين لا متفرقين.
إن جميع الشعوب غير العربية أبدعت أفكاراً وانتصرت على ماضيها، وتقدمت بقوة إلى الأمام، جدّدت حتى في لغاتها، إلا لغتنا نريد الانتصار بها على التطور والإبداع والمحافظة بقوة على القديم الماضي الذي يعيد نكْء الجراح، وإصرار من لدنّا غريب على البقاء ضعفاء! وفي حالة استجداء، علماً بأن الضعيف منتقم دائماً، وما أكثرهم بيننا، والقوي لم يمتلك فكر التسامح، لذلك تجده لا يسامح، والذكي المنتج من بين طبقات شعبنا متفرّد بذكائه تراه دائماً باحثاً عن كلِّ ما له، ومتجاهلاً كلَّ ما حوله..
ما تقدم، يدفعنا للتفكر في فرز الحقيقة المختلطة، فهل بمقدورنا أن ندقق فيها بحثاً عن الحرية ضمن خرائب هذا الجهل، ولم ندرك بعد أن القضاء على الجهل أولاً يوصلنا إلى الحرية العاقلة..
تاهت المفاهيم حتى تداخلت، فالآلام والآمال والأحلام جميعها سكنتها الهزائم، شهْدُ أيام العطل والأعياد أصبح بدون طعم، أرشيف الذاكرة انهزم أمام صور الضحايا والدمار... الآباء. الأمهات. الشيوخ. الكهول. الصبايا. الشباب. الأطفال. جميع هؤلاء يتحدثون لغة الضاد، ضائعون، يتفقّدون هزائمهم، ويسألون: متى نستفيق مما نحن فيه، هل هي مجموعة كوابيس مجنونة! كم ضاد أنجبتها مُضَر، وكم صاد تحدث بها الغساسنة والمناذرة!! جاءنا يسوع فآمنّا، وظهر محمد فأسلمنا، وحضر عليّ فاهتدينا، أيٌّ منهم لم يهدد أو يتوعّد أحداً منّا، أشهروا كراماتهم وصرخوا علينا مستنكرين وغير مصدقين ما نفعل بصفتنا الإنسانية؛ التي تظهر على جنسنا بين الأحياء، فالراحلون لا يطالبوننا بالثأر لهم، فكيف بنا نكذب من فكرنا عليهم، نقاتل بعضنا باسم الإله، نريد الثأر لهم، كيف يحدث هذا؟!
هل ضاعت لمعة الحب من أعيننا؟! هل فقدنا سِمة الاحترام؟! ماذا تعني لنا فرصة الحياة؟! ونحن نقف على حافتها، نطمح لها، لا نريد أن نسقط إلى الهاوية بل إلى الحياة، مؤمنين بأننا نستحقها ومعنا إمكانات المكان وصيغة البدء من جديد؟!
فرصة للحياة يتعلّق بها الأفراد تملؤها الأحلام، تؤدي إلى بناء المجتمعات بناءً سليماً؛ حينما يسود فيها مفهوم استثمار القدرات والإمكانيات والأماكن، وحينما يبدأ استغلال الفرص تنتهي قيمة الحياة؛ بحكم نشوء الصراع بين أفراد أي مجتمع، ومن ثم بين طبقاته، فحياة الإنسان قائمة من قيمة حقوقه التي تسمح له باستثمار فُرَصِهِ لا مصادرتها.. فالشعور بالانكسار حالة لا تغيب عن الأفراد أو المجتمعات إذ لا مناص لأي فرد أو مجتمع من أن يمرّ بها حيث تكون له فرص إعادة حضوره، فإن مُنع فلا حياة ولا فرص. 
د.نبيل طعمة