الشعب المحتار

الشعب المحتار

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٢ مارس ٢٠١٤

 يمضي زمنه مسرعاً من بين يديه، وهو يبحث عن ديمومته يقلّب المواصفات تائهاً بين التوصيف والتحالف والاصطفاف، ينقِّب عن آثاره محاولاً حماية وجوده بين الحواضن، يلجأ تارة إلى اليمين وأخرى إلى اليسار، يصعد شمالاً ويهبط جنوباً، يخالف يختلف، يعتقد أنه مختار ضمن البحث والاستكشاف فلا يصل ليبقى محتاراً، والفرق بين هذا وذاك «نقطة»، كما هو الحال بين العرب والغرب، معتقداً أن السرّ في النقطة متمسكاً بلغة المقدس، حيث سرّه في الفاتحة، وسرّها في الباء، وسرّ الباء في النقطة، والنقطة سرّ الوجود، والوجود من العدم، والعدم عماء العامة، والعامة خوف، والخوف عبودية، والعبودية لا تعرف الحب، والحب جزءٌ من الخشية، والخشية للعلماء والعارفين والفاهمين والباحثين المتفكرين، أما السياسة فهي للساسة المحركة والمتحركة على كل ذلك.
فلماذا العرب مازالوا يبحثون عن سرِّ الحصانة والتحصين؟ وفي حقيقة أمرهم أنهم في الحضانة والتحضين، يحتاجون للرعاية والتدريب والتأهيل، حيث يبحثون بعد أن فقدوا حضورهم بين الحضور عن الحضور! أليس الفرق بين كل كلمتين نقطة، الأولى فاعلة مؤثرة جامعة ولامعة، والثانية مفرقة متشرذمة ضائعة ومائعة، إذ أن من يعمل حقيقة لا يظهر، والظهور سِمة التابعين المقلِّدين للعاملين.. فهل الكلّي في إنجازه الكوني ظهر؟! فالحق يبحث عنه الباطل، ظاهر مضطرب تخوض غماره المجتمعات وتتلهّى به.
نعم، أهل الغرب بسّطوا الحلال فأصبح الحرام صعباً، أما العرب فقد صَعَّبوا الحلال فغدا الحرام سهلاً، آمنوا بأنهم خير أمة أخرجت للناس، من باب كنتم، وغدوا الآن: أمة أحْرجت الناس، والناس هنا تعني الأمم والمجتمعات والشعوب كافة، وفي الوقت ذاته هم يخدمون شعب اللـه المختار، يحيطونه. يحمونه. ويدعمون وجوده في السرّ وتحت جنح الظلام. يزورونه. يؤيّدونه ويستعينون به على بعضهم. وفي النهار يقاومونه تارة وتارة يقدمون له الأعذار، فالدّماء لا يمكن لها أن تصير ماءً؛ فهم أبناء العمومة!! لذلك تجد العرب يعيشون بين أمرين، الأول: قرارهم مسلوب منهم، والثاني مفروض عليهم؛ بحكم وجودهم في حيرة من أمرهم، فأين هم بين هذا وذاك، وبين ذاك وهذا؟ أليس من يركب البحر لا يخشى من الغرق، والفرق بينهما مكان وجود النقطة؛ من مثل: «الجودة والخوذة» من الأسفل أم من الأعلى.
من يصنع الحضارة، ومن ينجز الخسارة؟ أين أولئك المختارون من العرب الذين يفكرون ويستشعرون ضرورة إحلال البسمة وإشعاع النضارة بدلاً من الاستمرار في تحقيق الخسائر والكآبة؟ أين أولئك العاملون على صناعة النقطة بدلاً من حذفها ووضعها في مكانها المناسب؛ كيما يمتلك العرب قرارهم فيصير لوجودهم مغزى ومعنى وقرار؛ ويصبحون من شعب اللـه المختار؟ أين رسالة الحياة التي تم إيداعها بيد العرب؟ أين التأهيل من أجل إدراك تلك الرسالة والحفاظ عليها ما يؤدي لبقاء معنى لتلك الكلمة التي تنضوي تحتها «عرب»؟ وهل هي تحتاج إلى نقطة، أم إنها كاملة في أسباب وجودهم تحت سقف وجودها..؟!
ماذا تحتاج منّا الحياة؟ هل هو النجاح فقط؟ ألا تحمل أفضل الخطط فشلاً أو أخطاءً تأخذ بالنجاح إلى السقوط؟ كيف نتعامل معها حينها؟ إن لم نكن قادرين على تقبل العواقب؛ والاعتراف بأن هناك خطأ كي نمتلك قدرة البدء من جديد؟ هل نستطيع فعل ذلك من أجل البقاء؟ أين أهدافنا التي نتّبعها من أجل تحقيق الانتصار على الجهل والتخلّف والتبعيّة والذهاب يمنة ويسرة؟ أين مسارات الوصول لمفهوم «خير أمة أخرجت للناس»..؟!
متى نلتقي معاً ونسير على دروب تحديد المصير، نرفض الركوع للغرور الأجوف، ونرفض الغرور والخمول، نشعل الشموع في الظلام، فنبصر الغث من السمين والغالي من الرخيص والحقيقة من الخيال، فنعرف أين نحن وإلى أين نريد أن نصير من خلال حقّنا في تقرير المصير، نلغي الحيرة والدوران في المكان، ونصبح من شعب اللـه المختار، هي النقطة تفعل فعلها إن استطعنا وضعها في مكان احتياجها الدقيق، ونرى بعدها كيف تكون اليقظة بعد النقطة!!
ويحيرني السؤال: هل فعلاً نحن شعب محتار أم محتال أم مختار أم خير أمة..؟ من أخطأ في وضع النقطة بين كلمتي العرب فوضعها على واحدة فيما بينهما فكانت الأولى أولى والثانية ثالثة، إذا هو سرّ النقطة بين كل ما ذكرناه، فمن صنع النقطة أراد لنا أن نكون هكذا.. أترك بين أفكاركم إنجاز القرار.