الأيدولوجيا الرأسمالية

الأيدولوجيا الرأسمالية

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٨ مارس ٢٠١٤

عملت طيلة عقود بغية الوصول لانهيار منظومة الاتحاد السوفييتي عام 1991؛ والذي حدث على يد غورباتشوف الذي هُيِّئ منذ ستينيات القرن الماضي، وقتها كان رئيساً لاتحاد الطلبة في كازاخستان ومن ثم سفيراً للاتحاد في لندن، ومن ثم رئيساً للاتحاد السوفييتي في آذار 1990؛ بعد أن أزاح غورباتشوف هذا من طريقه أربعة رؤساء سوفييت خلال ستة أعوام من: (بريجنيف إلى أندروبوف وبعده تشرنينكو ومن ثم جروميكو) كي يصل ضمن ظروف غامضة لم يعهدها التاريخ ولا الأحداث في الاتحاد السوفييتي، ولا حتى الحزب الشيوعي القائد في مسيرته منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية 1916؛ إلى إنهاء الاتحاد السوفييتي بتفكيكه عام 1991 بمفردته التي أطلقها إعادة البناء (بيريسترويكا) حين وصوله إلى قيادة الحزب الشيوعي عام 1985 وصولاً إلى الرئاسة السوفييتية عام 1990 واستقالته عام 1991؛ التي أعلن بها انفراط عقد الاتحاد السوفييتي وعودة روسيا الشيوعية مع الدول المتفككة إلى النظام الرأسمالي، وكذلك أعلن عن نهاية قطب جدلي كان يقود جزءاً مهماً من العالم الثاني والثالث، وبقي طيلة وجوده الأيديولوجي الشيوعي والاشتراكي مناهضاً ونداً قوياً لهيمنة الرأسمالية الإمبريالية..
صراع تجلّى في الحرب الفضائية والنووية التي أدت إلى فرض لغة الحرب الباردة واقترابها من الساخنة في خليج الخنازير بكوبا، ووسط إفريقيا، وحروب الشرق الأوسط وأفغانستان، كان مدافعاً شرساً عن حقوق دول العالم أمام سياسات الرأسمالية التي ما انكفأت تسعى للسيطرة على مقدرات وشعوب العالم برمّته..
ما الذي جرى بعد كل هذا الاستعراض الذي نسعى من خلاله لفهم الحقبة الأخيرة من القرن الماضي ودخولنا الألفية الثالثة تحت شعار، العولمة الرأسمالية: والتي تنشد إلى تحويل العالم لقرية صغيرة تمتلئ بثقافة الاستهلاك من خلال الأسواق والمنتجات، وكذلك شعار قائدة المجتمع الرأسمالي العالمي أميركا الذي طرحته عبر بوش أولاً، وهو "لماذا يكرهوننا" ومن ثم قدوم أوباما مع شعاره الأول "التغيير" واستمراره في دورته الثانية وشعاره الثاني "إلى الأمام" .. وكنتُ قد تحدثتُ في هذا عبر أفكار طرحتُها مبكراً مع دخولنا الألفية الثالثة، وشرحتُ فيها مبدأه؛ أي: من الضرورة بمكان أن يتغيّر العالم ويصبح على الشكل الأميركي وتحت سلطته، حيث سبقت هذه العناوين الضربة الأولى وهي: تفكيك الاتحاد السوفييتي وتحويله إلى دول ودويلات وشعوب وقوميات يسهل اصطيادها وسحبها من الحاضنة الروسية رويداً رويداً، ومع كل ذلك تبقى العين على الصين التي تعتبرها الرأسمالية الضربة الثانية.
ونحن نتابع، نلحظ أن روسيا الشيوعية تحولت بأسرع مما كان يتوقَّع الغرب برمّته - وأميركا بشكل خاص- إلى رأسمالية قوية تدخل مجموعة السبع، والثماني والعشرين، وهي عضو مؤسس في الدول الخمس صاحبة الفيتو؛ ونجدها تصارع اليوم في وجودها عن بقايا وجودها العالمي، بكونها أنهت عملية التحول الكلية من الشيوعية إلى الرأسمالية، وتبحث عن مستحقاتها من الكعكة الرأسمالية؛ التي تعتبر العالم أجمع قالب حلوى يستمتع البعض باقتسامه.. وبقليل من التمحيص نرى أن شعوب العالم الثاني والثالث انتهت إلى "جزئيات دول" ضمن كانتونات تتحرك تحتها رمال قادرة على ابتلاعها تلك المجموعات بأسرع مما يتخيله العقل، ولندقق؛ وعندها نلاحظ أن لا صراع بين الأديان، وسادت بعد انهيار المنظومة الشيوعية لغة الحوار بين الأديان وحوار الثقافات، وكذلك خلق صراعات مذهبية وطائفية إثنية ضمن الدين والواحد، أو بين الأقلّيات ضمن الدول الصغيرة التي تخرج عن طاعة الأيديولوجيا الرأسمالية.
نحن لسنا ضد توجّهات أية دولة موجودة على كوكبنا الحي؛ لكن يحق لنا أن ننبّه من كان معنا بقوّة ومازال يسير على نفس الدرب، وأن نشير إلى ما يحاك لنا وللدول الداعمة لبقاء وجودنا؛ الذي كلّما قوي وتقوّى تقوّى بنا، فهل استفاقت روسيا التي غدت رأسمالية من لعبة الغرب وأميركيا بالذات، التي تسعى لحصرها أولاً، ومن ثم تفكيكها وإنهاء تاريخ سوفييتي شيوعي مناهض للفكر الرأسمالي، وأيضاً مسْح صورتها القيصرية من الذاكرة البشرية، وتحويلها إلى دولة عاديّة تعمل تحت أجنحة العالم الرأسمالي بقيادة أميركا.. وما الذي يحدث في العوالم العربية بعد أن كانت عالماً عربياً واحداً؛ حيث توقف في سورية التي تتحمل الصدمات والتي إن انتهت أنهت روسيا من المتوسط وصولاً إلى أوكرانيا التي لو استباحها الغرب أنهى حضور روسيا في البحر الأسود ومن أوروبا، إضافة لما يجري حول روسيا في القوقاز وعلى حدود البلطيق؟! أليس من أجل إنهاء حضور روسيا ومنعها من التغلغل من جديد، وفي المنظور الأميركي الاستراتيجي تفكيك الصين لاحقاً؛ التي تتحول كذلك إلى رأسمالية بتسارع لا يخفى على أحد.
على الرغم من الهاجس الدائم للدول العظمى الرأسمالية بتقسيم المقسَّم وتجزئة المجزأ، بغاية نهْب مجموعات العالم الثالث بعد أن تم ابتلاع العالم الثاني وضمِّه للثالث؛ لا ينبغي أن تنخرط روسيا والصين ضمن هذا المشروع، فحاجة الدول الصغيرة لبقائها كحاجتهم كدول كبيرة لبقائهم، فإن لم يقدروا على إنجاز قطبية ثانية أمام القطب الأول وضمن المشروع الرأسمالي التاريخي المدعوم بقوة من قبل الأديان؛ التي ما كانت لتقوم قيامتها لولا الدعم الرأسمالي لوجودها واستمراره؛ وبالتالي إن لم تعمل على هذا فإنها منتهية إلى العولمة؛ حيث ستحولها الأيديولوجيا الرأسمالية إلى سوق وسوق فقط..
 د.نبيل طعمة