ضغط الإرهاب

ضغط الإرهاب

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٨ فبراير ٢٠١٤

يتابع وجودك كفرد وحضور الجماعات ووجود الدول، منفلتاً كان أو منظماً في غفلة من القانون أو حضوره؛ ضمن إرادة الآخر الأقوى أو الأعتى أو الخارج على القانون أو القابض عليه، يتحكم به ويستثمره حاملو شعارات الحرية والديمقراطية ومديرو القوى النافذة؛ ينشدون من خلاله إبقاء كل الشعوب الباحثة عن إثبات وجودها تحت وجودهم، ينتابها الأنين الدائم وعذابات الرجوع إلى الوراء كلما حاولت التقدم، ووضع أقدامها على مسارات الاستقرار تنشد النجاح، إنهم في حقيقتهم أعداء لشعاراتهم ومبادئهم وقيمهم، لا ترضيهم إرادة الشعوب ورغبتها بالعيش تحت ظل الأمن والأمان، فمن غير المسموح أن تنعم الشعوب هذه بالاستقرار، وليبقى اللهاث وراء لقمة العيش سبباً رئيساً للحياة والتكاثر؛ والتعلق بالأديان وروحانياتها، وتعزيز لغة الخوف بدلاً من السعي وراء مفاهيم الحب ونسيان باقي الأسباب.
رعاة الحرية والديمقراطية في بلادهم أعداء لحرية العالم وأفكاره وأديانه وسياساته الاقتصادية والاجتماعية؛ فإما أن تكون تابعاً حصرياً ظاهراً أو مخفياً متلبساً؛ فتكون في مظهر الحرية، أو أن تكون إرهابياً مارقاً وخارجاً على القوانين والقواعد الدولية؛ لتحاصر اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً وتنزرع الشكوك في بيئتك! وعندما تطالب بحريتك وحرية شعبك تجد إرهابهم في انتظارك، حيث نجد أن أول فعل قاموا به منذ قيامة العالم الجديد؛ هو استلاب حرية الشعوب عبر استعمارها عسكرياً ودينياً في المبدأ، وبعد نيلها استقلالها استعبادها فكرياً في الآخِر، وجعلها في حالة دوران دائم في الفراغات محاولة استرداد حريتها كيما تمسك بنواصي حضورها، وهذا دليل على أن العالم الأول- دون استثناء أحد منه- يمارس الإرهاب علانية على دول العالم الثالث؛ يبيعها السلاح ليقتل بعضها بعضاً، وينهب مقدراتها المادية والفكرية، وينشئ قواعد له في كافة أمكنتها!! من أجل ماذا؟ من أجل هدف واحد فيه حماية مصالحه، وهذا في صميمه إرهابٌ، وتغذية للتسلط من عناصر أفراد ومجتمعات وحكومات في العالم الثالث؛ لتشكل هذه القوى جماعات متناحرة مع بعضها وهو أعلى درجات إرهاب إنسانية الإنسان.
 من منّا لم يتعرض للإرهاب منذ الطفولة؛ حيث تمت زراعة الخوف الرهيب من الإله الذي إن أخطأنا سيحرقنا بناره، ومن عدم الاقتراب من الجنس الآخر، ومن التحري عن ماذا.. ؟!! ألا نسهم بتعزيز الترهيب والإرهاب على بعضنا ضمن مجتمعاتنا؛ التي لم تستطع أفكار أجيالها المتعاقبة من زراعة الحب فيما بينها، ولذلك نجد أنفسنا محاصرين من أنفسنا بداية، ومن العالم الأول ثانياً؛ الذي أيضاً يمارس الإرهاب بين بعضه وكله، وعلى الكل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وجنسياً ودينياً، ينادي بالحرية للآخرين وهو من ألدّ أعداء الحرية "مع أدواته وأدوات أدواته"..
 من كل هذا.. نجد أن الصراع قائم من أجل هدف واحد يجسِّد نظرية منع الشعوب من المضي على طرق الحرية الحقيقية التي يؤمنون بها، وكلما ازداد عزم الشعوب للوصول إليها نجد التحرك السريع بما يضغط عليها إرهاباً إعلامياً أو مسلحاً جهلاً وتخلفاً، تحمل رسالة وجودها الممتلئة بالحب والود والإخاء والإيثار، تنهض، تنفض غبار المحن والأزمات، تتحمل عبء رصِّ الصفوف وتوحيدها بعد تقريب وجهات نظر المختلفين؛ لن يعيقها جَرّ المغرضين للمنتجين إلى الوراء، ولا أساليب الحاسدين والحاقدين الذي أنزل بالشعوب آلام الضرِّ والأذى، وأوجد شروخاً باعدت بين أبناء الشعب الواحد، وزرعت الخصام والشقاق بين عيشه المشترك.
تحت ضغط الإرهاب الممارس على شعوب العالم الثالث: قادة. رؤساء. اقتصاديين. مفكرين وساسة وبشكل خاص على مجتمعاته، الكل متهيبٌ من وقوعه ؛ بكونه أداة خلخلة البناء الاجتماعي الآمن والمسالم، والذي حتى اللحظة لم يشأ عالم الحريات والديمقراطيات تعريفه أو إيقافه.. ونحن حينما ندعو للتقارب والتأمّل وصفاء الذهنية كي ننظر بعين الإخاء والتسامح والتطور والتقدم ومواكبة الركب، لأن مجموعة هذه القيم هي أهمّ دعائم مقاومة الإرهاب، ولنرمي بدعوات الشر والسوء الكامنة في النوايا التي تحاول أجهزة وأنظمة الدعاية والإعلام الغربية وأدواتها الافتراء الوقح والمشين على شعوبنا.
إن احتكاك الآراء يؤدي إلى لمعان في الأفكار، وورود النتائج، وسطوع نجم الحقائق، فكيف بنا لا ندرك ولا نستحضر فائض الوعي، ولا نحلل أو نعاين منابع الإرهاب الممارَس على شعوبنا: نظريته وتطبيقاتها، وجوده ووسائل نشره. تغذيته ونظم توريدها إليه؛ حيث تشكل سرطاناً هائلاً ينتشر فقط بين شعوبنا وعوالمنا، ويستشري فوق جغرافيتنا، هل ينبغي أن نتعامل ونتعايش قسرياً معه بحكم أن لا مفرّ منه؟!
كثيراً ما طلبت دول العالم الثالث - وجميعها متضررة من الإرهاب - إيجاد تعريف له، ومن ثم إقرار قوانين توقفه عند حدّه أو تنهيه، إلّا أنها اصطدمت مع العالم الأول الذي يريد حتى اعتبار مقاومة التخلف والجهل والعدوان منه أو من ممثّليه وأدواته إرهاباً، فكيف يكون هذا والحق مشروع في المقاومة ضد العدوان والاعتداء واستباحة الدول الأقوى للأضعف! ومنه تكون حياتنا قلقةً وغدنا مظلماً ومصيرنا مجهولاً.. تحت ضغط الإرهاب تعيش دول العالم الثالث أو ما يسمى عالم الجنوب أو النامي- وبشكل خاص منطقة الشرق الأوسط- والسبب وجود الكيان الصهيوني والعالم الأول برمّته الذي يشكل عليها سيفاً مسلطاً فتاكاً، وكلما اتجهت نحو الاستقرار والبحث العلمي، وإحلال السلام والأمان لشعوبها، تجده يخترقها يفتّت شملها يعيدها إلى نقطة الصفر وأكثر إلى الناقص السلبي؛ وهي بدورها تجري وراء استكماله، فإذا حصل ووصلت إليه حاصرها وأوجد لها مشكلات تتلهّى بها.. وهذا بحد ذاته بداية لنهاية وجودٍ آمنٍ وحلول الاضطراب. ليسأل كل منّا ذاته: ألا نحيا جميعنا تحت ضغط الإرهاب؟!. 
د.نبيل طعمة