معارضة وطنية

معارضة وطنية

افتتاحية الأزمنة

السبت، ١١ يناير ٢٠١٤

المفترض أن تكون ضدّ أية معارضة لا وطنية، فما معنى وجودها إن لم تكن كذلك، وفي أسباب حضورها أنها تظهر تحت مسمّى عنواننا الواسع والعريض بلا معنى، وحينما يكون السلم الأهلي هو السائد، وحركة البناء ضمن محاور الدولة: الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية السائرة إلى الأمام، فمن الواقعي أن تظهر الأخطاء، فيكون من الضروري والطبيعي وجود من يشير إليها، وكذلك اختلاف الآراء عند القيام بعمليات التخطيط باختيار الأفضل.. فلابد أن يكون هناك من هو مع ومن هو ضد، وهذه هي الطبيعة البشرية الخلاقة التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر، والتعاكس، والتضاد الضروري لإحداث عمليات الانتقال إلى الأفضل.
ما معنى وجود معارضة وطنية ضمن الأزمات، ومن تعارض، هل تعارض وطنيتها، أم تتعارض مع وطنها، أم تعارض كينونتها حيث تكون، أم تعارض دولتها، إنسانها وبناءه، وما درجة أهمية وجود هذا المسمّى حين تكون الدولة بجلِّها ضدّ معارضة لا وطنية؛ تأخذ شكل العداوة، أي: لا أخلاقية يملأ فكرها الإرهاب والقتل والتدمير، حاملة لعقائد وأفكار خطيرة تتمثل في فكرها نظريات استباحة الآخر؛ بل أكثر من ذلك إبادة بُناه الفوقية والتحتية والحلول مكانه؛ حيث يراها الكثرة ممتلئة بالأحقاد والغيرة القميئة والحسد الدنيء؟؟ ما معنى وجود تهديد وخطر يصيب الدولة بما تحتويه؟ ومثالنا الكيان الصهيوني وعداوته لنا وللعروبة بمجملها، ولديه الخلاف والاختلاف وكل أسباب التعارض: اليمين المتطرف. واليسار المتشدد. والوسط القابل للحضور. والمتديّن الذي يدعو لإبادة العرب، بيد أنه حينما تنشأ أزمة لديهم ينسى الجميع اختلافهم وخلافهم ويتّحدون من أجل الدفاع عن فكرة وجودهم.. فأين نحن من نظرية "اعرف عدوك"، وحينما يتّحد عدوك ضدّك كيف تكون؟! فهل نمتلك حقيقة المفهوم الدقيق للمعارضة ومعادلة الوطن أولاً والمواطن والمواطنة "مثلث الوطنية"؟؟
وما دعاني لمناقشة موضوع عنواننا هو تعليق ورد من السيدة: بيلسان داود على موضوع كنت قد كتبته تحت عنوان "ثورات بلا رومانس" والذي جاء فيه (يا ترى إن من يدّعون أنهم معارضون وطنيون ويشاهدون بأم العين كيف يفعل هؤلاء الرعاع الذين لم يخرجوا حتى اللحظة من الجاهلية الأولى، ألا يخجلون أن يتبنوا هذا التخلف والجهل والحماقة؛ إذا كان هذا موقفهم؟ فكيف لأيِّ عاقل يفهم إنسانيته أن يسير وراءهم.. والله لقد كفّرونا بالثورات وبمن يقودها؟!)..
وعندما أسير تحت عنواني المثير للجدل حيث استوقفني كثيراً تعليقها؛ أجد أثناء رحلة البحث والتأمل فيه أن مسمى المعارضة الوطنية ليس أكثر من شعار رمادي، يقع بين الأبيض والأسود، فما الذي تقدِّمه هذه المعارضة أو قدَّمته، وهل أحسّ مواطن الدولة الأبيض بفعلها أو حركتها - والدولة تقود جيشاً وشعباً من المؤمنين بخلاص سورية من شراذمها - بأن لا وجود للرماديّة بينها، فهي الحامل الرئيس لحياة الدولة والمواطنين.
في دول الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني يُطلق على المعارضات هناك: "معارضات بنّاءة" لأن طبيعة نشوئها من طبيعة بناء دولها، ومن الممكن جداً أن تحلّ محلّ السلطة القائمة في أي وقت ترتكب فيها حكوماتها أو أحزابها الأخطاء؛ التي تؤدي إلى خسائر اقتصادية أو إلى إخلال بالتنظيم الاجتماعي أو عدم التعامل الصحيح مع الدول المحيطة، ومن الممكن جداً أيضاً أن تعود تلك الحكومات أو الأحزاب إلى الحكم بعد الاستفادة من أخطائها، فلم نسمع في أية دولة من تلك الدول عن وجود معارضة وطنية، حتى في مجاهل إفريقيا لا تطلق على نفسها هذه التسمية، وفي حال وجود أزمة أو أزمات يتّحد الجميع ضدها، وعند تحوّلها إلى خطر يهدد الكل - أي اليمين واليسار - يسعى الجميع لدرئه بشتى السبل المتاحة.. وما يجري في بلادنا الآن ماذا نطلق عليه؛ ونحن نسمع عن معارضة وطنية، ومعارضة سلمية، ومعارضة معسكرة مسلحة، ومعارضة دموية، ومعارضة دينية، ومعارضة علمانية.. ومنها من ينتمي إلى هنا أو إلى هناك، وجميعها تُموَّل وتُسلَّح وتستجدي الكل ولا تستجدي وطنها!!.
أين نحن أيها السوريون من كل ذلك؟ ألا تعني لنا كافة التسميات هذه أنها جوفاء وشعارات لم تمتلك حتى الرنين أو البريق هنا أو هناك، وخارجية أيضاً بين كل تلك الحواضن، وواقع أمرها يشير إلى حمْل لغة واحدة، هي لغة تدمير سورية بشراً وشجراً وحجراً وطيراً وماءً..!! ألا ينبغي لنا أن نستفيد مما نحن فيه من مسميات تأتينا من القاهرة واسطنبول والرياض والدوحة وواشنطن.. وحتى موسكو؟ فمن يتابع تلك المسميات سيجد أن المعارضة متعارضة في وجودها ومع أسباب وجودها.
لا أعتقد في هكذا تسميات أننا وصلنا إلى مفهوم الخلاف والاختلاف؛ الذي يحمل لغة التطوير ولغة الرحمة بين بعضنا بعضاً، ماذا يمثل لنا مبدأ "اختلاف الأمة رحمة"؟ أليس هذا الشعار أو المبدأ الحياتي الإنساني السياسي والاقتصادي والاجتماعي- وفي المقدس الإيماني- مطبقاً بقوة لدى الشعوب والدول الأخرى؟ وهل نحن مؤمنون بالجوهر أم بقشور المظهر؟ كم نحتاج اليوم لإعادة دراسة المفاهيم كي لا تبقى عناوين براقة دون معنى أو مغزى، والغوص فيها بدلاً من السباحة على سطحها والتلاعب في مضامينها؟ كم نحن نحتاج اليوم إلى لغة موحّدة جامعة لامعة؟.
فما يسمّى بالمعارضة الوطنية ما هي إلا وهمٌ من أوهام فنِّ السياسة العقيم، أيُّ معارضة هذه التي يُطلق عليها وطنية وهي تشاهد الدمار والقتل والخراب وتجهيل العقل الإنساني المؤمن ببلده ووطنه سورية؟!! ما معنى الوطنية والمعارضة، كيف تجتمعان، ومتى تنفصلان، وإلى أي طرف ينتمي أيٌّ منهما، ومن يكون الحامل الرئيس لكليهما.. أليست الدولة؟ فكيف نكون مؤمنين مع هكذا لغة؟.
 د.نبيل طعمة