توقعات 2014

توقعات 2014

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٤ يناير ٢٠١٤

لا شك في أن التوقع بمجريات الغد أي المستقبل يستند إلى علم روحي لطيف موغل في القدم؛ إلا أنه يبقى علماً ظنياً، امتلك أسُساً وقواعد تؤدي به للاستدلال على المستقبل؛ بالتأويل الاحتمالي لا بالغيبي الاستئثاري الديني، رغم ما أُسّس له في لغة المقدس وإتمام علم التكوين به، حيث أشار إلى محبة الله لـ"حنوخ" الذي مثل الجيل السابع ضمن التكوين 5: 18 المتحدث عن الأجيال السبعة الأولى (ميدراش أجَدَة لسفر اللاويين 25: 6) وطبعاً أقصد نبي الله إدريس عليه السلام صاحب علم الضرب بالرمل وحسابات الفلك؛ الذي طرح علمه من أجل الإجابة عن سؤال الطالبين لمعرفة أيِّ أمر غيبي يختص بهم، والكشف عن عواقب الأمور التي تعود عليهم، ومنه استمرّ هذا العلم بين العلمية التي أُنشئت له الأكاديميات في عالم الشمال؛ ومارسه من يمتلكون علوم مفرداته، وأيضاً بقي في عالم الجنوب لدى أُناس امتلكوا قدرات خاصة، والتي نطلق عليها إلى حدٍّ ما "الحاسة السادسة" أو الذكاء الفطري وجماليات التذوق، رغم الحاجة لمراعاة مسائله وشروط امتلاكه، فعملوا بها شعوذة وتنجيماً وخرافة، فلم يقدروا إفادة أنفسهم ولا أفادوا الآخرين من بني جنسهم..
ومعنى أن يمثّل إدريس عليه السلام الجيل السابع، ويمثل تموز "الشهر السابع من السنة" الإله، أي: إن تأسيس علم "حساب الجُمَّل" وربطه بالعدد يمنحنا فرصة الاطلاع على كلمة (روح)؛ التي عددها سبعة و2014 عددها سبعة بعد إسقاط الصفر، والسبعة تكوين لكل مفردات كوننا الحيّ المؤسس من سبعة أيام الخلق في الروحي، وصولاً إلى السلّم الموسيقي ودرجاته السبع، كما أنها تمثّل الحرف الأول من كلمة "النصر" التي اعتُمِدت كإشارة دالّةٍ عليه " Victory " " victoire"؛ فلهذا العام فلسفة خاصة حينما يتنادى إليه المنجمون والمنجمات. العرافون والعرافات. الفلكيون والفلكيات. ضاربو الرمل والمندل يقرؤون الكفّ والوجه. الخلف والأمام. الأعلى والأسفل. الحركة والسكون. الحاضر والمستقبل... والفلك والنجوم، ويتوقعون ويجزمون إلى حدٍّ بعيد فيما سيأتي وسيجري ضمن فلسفة "سين التسويف والممكن"، وسياق وصول المراحل لأحداثها وإحداثيّاتها، يختلقون قصصاً حول الكوارث الطبيعية والصّنعية، ونهاية عصر حُكم وانتهاء حكّام، وفاة قادة وعلماء وعظماء، اغتيالات للشعوب والساسة، انفجارات هنا وهناك، تقسيم دول، اختفاء جزر ومدن وظهور أخرى، صعود تيارات حزبية وانخماد ثورات، مفاجآت في دول أخرى، خسائر اقتصادية وأرباح سياسية، نجاح هنا وفشل هناك، تفكيك المواقف وإعادة ربطها، فشل للحب عند هذا ونجاح عند ذاك  كما في الصعود وضده، الرسوب والبقاء والمراوحة في المكان، رؤى للمدى المنظور والقريب القادم والبعيد في التوقع، زواج وطلاق، وفاة طبيعية ومتعمدة؛ مخططة ومرسومة بدقة تجري هنا وهناك، حروب بين الطوائف والمذاهب والأديان، حوارات بين الدول والأمم... إلخ، تأريخ يكتبه المحللون الجدد والأفّاقون والمشعوذون والعلماء والمفكرون والدهاة والسخفاء..! وتاريخ يسجل حقيقة الأمر كلّه أن جميع من يتقدم إلى التحدث في هذه الشؤون ما هو إلا عبارة عن أداة بيد أجهزة أمنيّة عالميّة وعلميّة؛ بحسب قدرة تلك الأجهزة على صناعته، وكذلك إمكانية إقناعه للآخر واقتناعه بما يتشرّبُه من معلومات يلقيها للمهتمّين والمتلهّفين؛ مبرمجة بشكل ممزوج بين الواقع والخيال، قادمة من نظم استخباراتية عالمية، ومنها بشكل رئيس CIA  و KJB  والموساد، واسكوتلانديارد، والصينية، والفاتيكانية، والباقي هم لاعبون أو بالأكثر كومبارس بحكم تنفيذهم للأحداث واللعب ضمنها.. وقد أحدثت لها في كثير من الدول مدارس أمنية تتعاطى بشؤونهم؛ حيث تُعتبر هذه الأقسام أدواتَ جمْع معلومات مهمة عن البشرية والإنسانية.
ما انفكّت البشرية حتى اللحظة تبحث عن انبثاق يومها القادم أو الجديد؛ ضمن رحلة بحثٍ حملت رعب الغد، أي كيف ستكون حالهم وحياتهم وعملهم ومصيرهم؛ وكان أن تعلّق الجميع بعلم التوقّع، فالملوك والرؤساء من السالفين حتى الحاضرين يملؤون قصورهم ومكاتبهم بالعرافين والعرافات، وكذلك يفعل المؤمنون والكافرون والعلماء، وكذلك الجاهلون والآملون والحالمون الأغنياء والبسطاء والفقراء يعتمدون على ما يُقدم إليهم من توقعات عن مستقبلهم ومجريات أمورهم القادمة، وقد تنجح في بعضها وتفشل في كثيرها من باب "كذب المنجمون ولو صدقوا" أي إن صدْقهم أصغر بكثير من كذبهم، رغم معرفة الناس جميعهم لهذه الحقائق إلا أنهم يسارعون في الذهاب إلى العرّافين والعرّافات أو يأتون بهم على جناح السرعة كلّما سمعوا عن عرّاف جديد هو الأنجح، يحضرونه من أي مكان هو موجود فيه لمعرفة مصائرهم، مهما بلغوا من شأن أو عدمه، ويشتغلون ببعضهم بعضاً.
للأسف.. إن المشتغلين بالتوقع علماً أو جهلاً بدؤوا يغزون عقول البشرية بقوة، ومع تطور علم الاتصال المرئي وغير المرئي ودخول الألفية الثالثة نجد أن الاعتماد عليهم غدا واقعاً، فمع نهاية كل عام ينتشرون في العالم أجمع على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد والإنترنت، يقدمون توقّعاتهم وتنجيمهم ورؤاهم لواقع المستقبل الذي يسكن غدهم..
عالمٌ مادّي غريب بدأ يخاف على مستقبله بقوة باحثاً في علوم الغيب مبتعداً عن الإيمان بإنسانية الإنسان، يتطلع إليهم بكونه يجهل غده، والإنسان عدّو ما يجهل.. نعم، هو يريد أن يعلم، فنحن شعوب تعتمد على طالعها وتنشغل فيه دون أن تعلم، وتعمل بغير إيمان بعلمها وعملها؛ فإلى أين يسير العالم أجمع وإلى أين نسير نحن العرب بشكل خاص؟!!......        من توقعات 2014 أنه عام النصر لسورية.
 د.نبيل طعمة