ثورات بلا رومانس

ثورات بلا رومانس

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٢٨ ديسمبر ٢٠١٣

ولا حتى شخصيات مركزية محورية مؤثرة، لم تستطع إلى اللحظة أن تمتلك لغة خطابية متفرِّدة، تجذب إليها التابعين ولا استمالة المؤمنين ولا حتى الكافرين، ولم يدُر في فلكها سوى قليل من البسطاء والمنخدعين  وكثير من الرعاع والمأجورين والمارقين، لم تقدر للحظة إقناع نفسها، وتوليد القناعة لغيرها، فلا أهداف ولا طرق ولا عقيدة، عملت في عدد من الدول العربية، وسارت على نهج هتلر الذي شقّ الطرق، ونسي أنّ هي ذاتها التي انطلق عليها عادت انهزاماً مرعباً عليه، بعد أن خلَّفت عشرات الملايين من القتلى وملايين من الجرحى والثكالى، نشرت الدمار أينما حلّت، وأفرغت الفكر من مضامين التمتع باللغة والأدب بالزهوِّ والافتخار والجمال والحب، فلم يبقَ لنا سوى حياتنا، وأي حياة تعني للإنسان حينما لا يعتني بها، لتتقارب ظروف ما يجري على الساحة العربية مع ظروف الحرب العالمية، وتنتفي معها صورة الثورات ولغاتها.
ثورات بلا حب، بلا شِعر بلا أدب، بلا ثقافة، بلا منهج، اختبأت تحت شعار برّاق عنوانه "الربيع العربي" الذي لم يُزهر ولم يرَ العربيّ منه ولا زهرة تجذبه، أو تدعه يتطلع إليها جمالاً أو اندهاشاً، كي يذكر الله أمامها، حيث يكون مسكوناً فيها، يتعرف عليه بعد أن يعرف تذوق جمالها؛ لكن ونتاج فقدانه لزهره وسيلان الدماء وروائح الحزن والدمار القادم من همجيّة الفقر الفكري الذي لم يعرف يوماً ثقافة الحب ومفرداته؛ وجد العربي حيرته ودار فيها، فأين هذه الثورات من ثورة الباستيل ثورة الخبز والكيك 1789 حتى 1799، والهجوم على سجن الباستيل في حزيران، والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في فرساي/ تشرين الأول، وإعلان النظام الجمهوري/ أيلول 1792 وسيطرة روبسبير على السلطة، ومن ثم وصول نابليون الأول الذي أعاد النظام الملكي ووضعه تحت إمرته، وكذلك أحداث كومونة باريس 1871 التي أنشأت حكومة لتدير بلدية باريس، ومن ثم إعلانها حكمها لكامل فرنسا، أين هذه الثورات من تلك البلشفية التي قادها لينين 1917 ومعه تروتسكي وستالين وكروبسكايا والعديد من الثوار؛ بناءً على أفكار ماركس وإنجلز، وقبلهما هيغل وفورباخ الاشتراكية في أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام؛ والتي أدت إلى تغيِّر جذري في الوجود الحي للعالم.
أين نحن من ثورة كاسترو وتشي غيفارا؛ العاشق المتعلق بأشعار بابلو نيرودا وفيديريكو غارثيا لوركا وانتصارهما؛ أي: فيدل وتشي بعد معركة سانتا كلارا في الأول من كانون الثاني 1959، وكذلك ثورة فونغوين جياب محرر فيتنام وموحِّدها مع هوشي منه، اللذين تمكنا من إلحاق هزيمتين تاريخيّتين بالجيش الفرنسي أولاً، ومن ثم الأمريكي من عام 1946 إلى عام 1975، وثورة الجزائر مع عبد القادر الجزائري وبن باديس الذي أسس للثورة ضد الاستعمار الفرنسي، وعمر المختار الذي قاد الثورة ضد إيطاليا موسوليني في  ليبيا، والثورة السورية الكبرى في تموز 1925، وصولاً إلى الثورات التي حدثت خلال عشرين عاماً بدءاً من بولندا وثورة التضامن بزعامة ليخ فاليسا1980، وبعدها تيانانمن أكبر ساحة في بكين، وثورة الخميني 1979 الذي مرّ من دمشق إلى باريس ومن ضاحيتها نوفيل دي شاتو إلى طهران، حيث أطاح بشاهها دون قتال مع ملايين من مؤيِّديه، وثورة المجر (عشرة أشهر)، وألمانيا الشرقية (عشرة أسابيع) وتشيكوسلوفاكيا التي انتهت في غضون (عشرة أيام) أيضاً، والتي حملت الطابع الخجول وأطلق عليها بالثورات المخملية، حيث قادها مفكرون ومثقفون وأساتذة جامعيون وطلاب وعمال، من مبدأ "إن الشعوب تخيف، والشعور الدائم أن الشعوب لا تخاف ولكن.."؟!
أين نحن أيها العرب بشكل عام والسوريون بشكل خاص؟ أين الحضور الرومانسي في هذه الثورات من كل ما حدث في سياق التاريخ العالمي الحديث؟ هل ما يجري من ثورات تحت شعار الربيع العربي يُقارن بربيع براغ؟ وماذا أنجزت تلك الثورات، وما هي نتائج ما تقومون به..؟ أين هي الشخصيات المتمتعة بالجاذبية المغناطيسية ومَن دار في فلكها، ما هي أدواتها..؟ أين هي تلك الأفكار النيِّرة والبراقة والملتهبة حباً وأملاً..؟  للأسف هي مجرد عناوين جوفاء تسأل عن معانيها فلا يستطيع أحدٌ أن يجيبك..
حرية!! أليس من الواجب أن نحرر أنفسنا أولاً؟؟
وديمقراطية لا تعني إلا اللهاث وراء التبعية/ واستيعاب مفهوم "التغيير" شعار أوباما الذي أدى إلى إحداث فوضى الدمار والانهيار للمجتمعات عبر سياسة فرِّق وشَرْذم، وتأتي نتائجها. بـ: نزوح ولجوء.. فقر وعدم. فتاوى. وانحلال: أخلاقي. اجتماعي. ديني. اقتصادي. وسياسي. أي: دمار كلي للبنى التحتية والفوقية.
ثورات بلا حب، بلا أمل، بلا مستقبل، والمسببات: أحقاد، غيرة وحسد؛ بين قادة يتصارعون على زعامات دينية وسياسية واقتصادية، بدوافع أوروأميركية صهيونية، تنشد من خلالها التقسيم والشرذمة وفقدان الأمن والأمان؛ من أجل ديمومة سيطرتها ليس فقط على الجغرافيا، وإنما على العقل العربي برمّته، ودفْعه بعكس مؤشر إثبات وجوده كشخصية حقيقية، إنهم يريدوننا أن نبقى في حالة من الجهل المستمر، وفي أتون صراع من أجل الصراع دون أية نتائج.
نحن الشعب العربي نحتاج حقيقة للقيام بثورات ضد التخلف والتآمر والتبعية والتسلق والتملق والولاء الأجوف، نحتاج لثورات في الفكر على الفكر الانهزامي والانطباعي والفوضوي، نريد ثورات في مفاهيم تعزيز الوطنية والأداء الإنجابي، والانتماء الواقعي لا التخيلي؛ من أجل أن نستحق دخول التاريخ من جديد، وتسجيل الحضور الثوري الحقيقي بين تلك الثورات.
د.نبيل طعمة