كسر الصمود

كسر الصمود

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ١٩ مارس ٢٠١٩

كيف راهنا نحن السوريين على وجودنا، وبماذا راهنا؟ هل كنا أمام العالم، أم إن العالم كان أمامنا، أم إننا في الوسط، فحضر الجميع إلينا؟ محاولات مستمرة لم تتوقف أمام شعب أراد الحياة والتحرر من استبداد القوى المتصهينة وإصرار الأوروأمريكي، لتحقيق أهدافه عبر مخططاته الباحثة عن تحطيم السيادة الوطنية، وإلحاق هذا الشعب الأبي بالتبعية غير المنقوصة لإرادته، هذا لم ولن يحصل رغم قراراتهم الجائرة بفرض أقسى أنواع حصار مورس على شعب من شعوب الأرض، ويصمد الشعب مع جيش باسل ورئيس فذّ خلاق.

أمام كل ذلك نحن لم نيئس، لأننا تمكنا من إدارة الوقت، وكسبنا في رحلة الاستعادة كثيراً من الأرض، وبنينا ودعّمنا ما يحمينا بشكل أفضل، وحصّنا المواقع، والاستعداد مستمر للتقدم لإنهاء هذه المهزلة- المؤامرة، التي انكشفت أبعادها للقاصي والداني، وغدت مفاصلها وبنودها كافة مقروءة واضحة، وهي التي تخاطب السوريين، ومنها، تنازلوا عن الجولان، اقبلوا بسلخ الإسكندرون، أودعوا أموالكم لدى البنوك الأوروبية والأمريكية، سلمونا مقدراتكم من النفط والغاز واليورانيوم والفوسفات والذهب والألماس، لا تفكروا، دعونا نفكر عنكم، استرخوا واستهلكوا منتجاتنا، عودوا للزراعة والسياحة، مارسوا الجنس والطعام والشراب، ابتعدوا عن الفكر والتفكير والبحث والتطوير والتحديث، فقط بهذا ندعكم وشأنكم، من دون إهمال رقابتنا عليكم، تدينوا قدر ما تستطيعون، واستدينوا من بنوكنا، كي تكونوا تحت رحمتنا، شريطة ألا تؤمنوا بالحياة والبناء والإعمار، لأنكم إن آمنتم أمنتم، وإن أمنتم أحببتم بعضكم، وإن أحببتم بعضكم عملتم، وطورتم، واتحدتم، وعززتم صمودكم.

نحن نريد كسر هذا الصمود، نريد تعزيز الكراهية وقبولنا وتنفيذ أوامرنا، نريد عدم قبول بعضكم لبعضه الآخر، نريد أن نبقى دائماً الوسيط بينكم، نقدم لكم الحلول، وعليكم أن تستجيبوا، وإلا فستبقى اللعنات تلاحقكم، تخلوا عن أفكار المقاومة والعروبة والقومية والاعتماد على الذات، وتعزيز بناء الأمة، وإيصال إدارات تنفيذية قادرة على تحويل الانكسار إلى صمود، والتبعية إلى سيادة، والاستهلاك إلى إنتاج، والفشل إلى نجاح، والتشرذم إلى وحدة، والضعف إلى قوة، والعداوة إلى تسامح وتصالح، وهذا ما يعزز نظام الحكم، ويأخذ به للتطلع إلى ما وراء المجريات، وبهذا يكون النجاح مؤكداً.

إن صمود الشعب مع الجيش والقائد يؤدي إلى الاستقلال الحقيقي، ومعه يكون مصدراً مهماً لنجاح السلطات، وكسره يعني تحوله ليكون ضحية لها، لذلك حينما التقطت هذا العنوان أثناء حواري مع صديق عزيز حول الوطن، وسبل تعزيز صموده وأجمعنا معاً، وأجزم أن جميع الوطنيين يؤمنون بما نتحدث حوله، أنهم يريدون كسر صمودنا، كسر صمود قائد الوطن، وكسر صمود سياسته واقتصاده، وكسر صمود الوطنيين المؤمنين بالقائد والجيش والوطن، لكنهم ومهما بلغت قوتهم، أجزم بأنهم لن يقدروا، فقلت هذه حقيقة، لذلك علينا أن ندرك أن هذا الشعب يحتاج للإكرام، واستمر نقاشنا طويلاً حول ما يجري ويحاك، والصعوبات التي تواجه الوطن والأمة من دون استثناء، شعباً وجيشاً وقائداً، وخلصنا إلى أن أعداء الداخل المستترين بين الجنبات، يتشابهون مع أعداء الخارج والمحيطين بجغرافيتنا، وأن هذه المعادلة التي صمدت بقوة، وأبهرت العالم بما فعلت، وبما قدمته من تضحيات، وهي مستمرة ومصرة على القيام بذلك، وأنها فعلاً لا قولاً، تستحق الإكرام والكرامة، لأن الوطنيين صنعوا ذلك الصمود، بعد أن استوعبوا كامل ظروف القضية، قضية وطن وأمة، وآن لهم أن يفخروا به من باب أنها تبعث على السمو، وأن بعض السطحيين لم يدركوا قيمة وقوة هذه القضية، فكانوا ومازالوا عوناً مباشراً أو غير مباشر لكسر هذا الصمود، وهنا أقول: إن الوطنية هي المعيار الدقيق الذي يفرز التضاد، أي الوطني عن غيره، وهذا يصنعه الوطنيون المتماثلون في مشاعرهم الوطنية تجاه الوطن والأمة، والفعل ورد الفعل تجاه البناء والتطوير، والانتظار والارتخاء أمام التبعية والوصولية الاجتماعية والاقتصادية، حتى الدينية والسياسية، لذلك نجد اليوم أن الوطنيين أخذوا يعلون الصوت، وتحول همسهم إلى لغة مباشرة، أين نحن مع أنهم مستمرون؟ همهم الشموخ لا الانكسار، والتقدم لا الانهيار، والانتصار لا الهزيمة، يتحدثون لأن هناك من يريد هزمهم أو كسرهم، أخذوا يشيرون إلى مواطن الخلل الكبير رغم إيمانهم بأن أي عملية تقدم تحمل خللاً، لكن أن يكون الرجل المناسب في المكان غير المناسب، وأن يتم تنظيف المشتبهين وتقديمهم على الوطنيين، فهو خلل وخلل كبير.

بعد كل هذا الذي حصل، هؤلاء المشتبهون المستعارون والمدارون عن بعد من الداخل والخارج، الذين أحاطونا بحصار قاس ظلوم، ينبغي كشفهم أمام المواطنين، لأنهم مع مشغليهم الأوروأمريكي الصهيوني، يقفون وراء كل إجراء شاذ، اجتماعي، ديني، وحتى سياسي، وأعيدها لحظة وصولهم إلى ما ينشدون من كسر للصمود، تتحقق التبعية، وهذا لن يحدث، مؤكد انتصار الصمود، لأنه يؤدي إلى الحياة الكاملة، ومن دونه يكون الموت الكامل.

المواطن على اختلاف مراتبه؛ مدني، عسكري، أمني، خاص، عام، مشترك، ينتظر الأفعال من المسؤول الذي هو في الأساس مواطن، وأنه اعتلى هذا المكان، لكنه سيعود حتماً إلى مواطنته، هذا المسؤول الذي يتحدث أننا في أزمة حرب، حرب اقتصادية، وأن الوطن في خطر، والمواطن يدرك تماماً حجم المخاطر المبرمجة عليه وعلى الوطن، وفي أحيان كثيرة يجيب المسؤول، إنه ينتظر التوجيه، والسيد الرئيس يتحدث عن أن كل مسؤول هو مسؤول عن إيجاد الحلول وتفعيلها وتحويلها إلى واقع وردود، لا انتظار الحلول، لأنه مسؤول عما يحمله من مسؤولية تجاه مواطنيه، وسياسة الوطن في آن، ومن دون ذلك تكبر الأزمات، وتتفاعل مشكلة كرة الثلج مع تدحرجها، تنشأ قضايا لا تحمد عقباها، لأنهم مازالوا يسكبون فسادهم الاستعماري القديم، وبغيهم التاريخي، ومكرهم المستمر في قوارير مبهرة وجذابة، وإرادتهم دائماً تقديمها لشعوبنا، فحياة الغرب قائمة على الانتهاز، وسياستهم تمتلك هدفاً واحداً فقط، إخضاع الشعوب، ومن ثم السيطرة عليها.

مؤكد أن قائد الوطن يمتلك قوى سمحت بإنشاء صمود ضد الكسر، وهذا بحد ذاته أدى إلى ثبات أبناء هذا الوطن، وإيمانهم بأن جيشهم الباسل، لم يكن قادراً فقط على تحقيق الإعجاز، بل أيضاً على صناعته، وهو متحقق بقوة، ولكن السؤال المهم: كيف بنا نحافظ عليه وندعمه ونظهره؟ فالصمود له مقومات لا مادية، وهي متوافرة، من خلال الإيمان الوطني وضرورة الحفاظ عليه، والتمسك بالهوية الوطنية، وإعلاء شأن الوطن.

هل هذا يكفي؟ الآلة ومهما كانت مهمة تحتاج إلى طاقة مادية، والإنسان ومهما كان مؤمناً، يحتاج أيضاً إلى طاقات وطنية مضافة إلى الروحية، كي يستمر إيمانه بالله والوطن، وبهما يصمد، وينتج، ويعطي، ويدافع، ويضحي، ويدحر العدوان والإرهاب.

لقد آن الأوان لأن نقف، وعلى الرغم من أننا لم ننهِ حتى اللحظة ما بدأنا به، إلا أنه لا ضير أن نبدأ بالإحصاء، وأن نظهر التشوهات والمشوهين، من دون أي تردد أو وجل، كي لا يتمكّن المارقون منا ومن محيطنا، وبذلك نراهم يلجؤون إلى ما كانوا عليه، ولكيلا يرتجلوا الحيل والألاعيب التي ما رسوها، فحقاً تراكم المشكلات يكسر الصمود، مهما كان صلباً، لأن أثقال الكواهل تحول الشعوب إلى الحيرة والارتباك، ونحن مازلنا بين الأخطار، فهلّا تنبهنا وذهبنا لتعزيز الصمود الذي لن نتخلى عنه، تصوروا كيف كان حالنا، لو أننا لم نصمد، سؤال أدعه برسمكم؟

د. نبيل طعمة