منطق اللامنطق

منطق اللامنطق

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦


إلى أين؟ يصلي جميعنا بحثاً عن الحياة الكريمة، ننتظر القدير كي يسعفنا بعيداً عن كل ما يصنعه الإنسان بنفسه ولنفسه، ووصولنا إلى المعارف يدل على أن الأحياء أموات، والأموات أحياء، أيجدر بنا أن نقول هذا؟ هل نحن كائنات مرعبة طبعاً لبعضنا ولكامل الأحياء على هذا الجماد المسمى كوكباً حيّاً؟ فإذا تمسكنا بنظرية الحياة، فما معنى بقائنا صامتين عليها، إننا نمضغ اللحم الحيَّ بعد أن نقتله، والخضار التي قطفناها قبل أن تذبل، ألا تشعركم أيها السادة حاجاتكم اليومية بالاشمئزاز؟
ألا تتفكرون وأنتم تسلبون الحياة أزهارها وأبهى ثمارها حينما تحولونها إلى فضلات من أجل استمراركم توارونها التراب؟ من أين نأتي بالسلام للأحياء البشرية.. الحيوان.. النبات؟
لمن نستسلم لحظة أن نشعر بالإثارة للجوع المعوي الواقع بين الجنس الفموي المهبلي، والفكري العلمي مع الديني، أليس كل هذا جنساً، عمَّ نبحث في حياتنا المقدرة بين نقطتين طالت المسافة بينهما أو قصرت؟ ما يعني للأحياء أنه مادامت هناك بداية فلابدَّ من نهاية، فعلاً تنتابني الابتسامات المفرحة والأحزان المؤلمة في آن، كما تنتابكم حينما أحيا الفكرة، وغايتي التواصل مع الآخر الذي من دونه يشعرني أني قليل جداً، ومن دونه لا يمكن لي الحياة، ومعه أتصارع عليها وعلى كامل وجودها بلغة أريد، وإذا اضطرني الأمر على الأموات أيضاً؛ فهل يمكن لأي كائن إنساني أن ينفصل عن إنسانه؟ من الممكن جداً أن ينفصل عن باقي الأحياء، لكن أؤكد أنَّ وجود المستحيل يتجلى في أن يحيا الإنسان بمفرده، حتى وإن كان مع القدير اللامنظور والمسكون في العقل ككليّ، ماذا يعني هذا؟ أرجو الانتباه، لأن التغلب على الشرّ حالة تدمي الإيمان الذي يتمسك بإنسانية الإنسان، في الوقت الذي نرى سواد البشر يسيل لعابهم لممارسته، من الظلام ظهر الضوء أيها الإنسان السائل، ماذا تفعل؟ ماذا تريد؟ إلى أين أنت ذاهب؟ فما الذي تسعى إليه ضمن رحلتك المادية الروحية؟ هل يقدر أحد من الكائنات الحية اختيار طريقة موته، نهايته، بدايته، أو بداية حياته. لدينا فقط في هذه الحياة ستون ثانية، ساعة، يوم، سنة، يمكن مضاعفتها، لكن لا بدَّ من أنّ قطافها حاصل يافعة أو بالغة أو ناضجة، أو وصلت إلى حدود الاستواء، فإن لم تقطف فستسقط لا محالة، كما الثمرة، حين وصولها إلى الحياد ستفنى.
هل يقرر القدر موتنا؟ من يعتقد ذلك؟ البشرية طبعاً تعتقد ذلك، أليست النهايات سلبيةً رغم آلامها، أحزانها، فراقها، اجتماعنا وإجماعنا عليها، الحقيقة معنا نفقدها بإرادتنا، ومن ثمَّ نبحث بجد أو بوهم عنها، تأخذنا إليها، تخدعنا معها من أجل البقاء الذي يشكل في النتيجة عملاً للفناء.
ضمن معركة الحياة والموت نستطيع أن نحدد القتلة، أو نحصرهم، أو حتى نخرجهم إلى الضوء، ومن ثمَّ نفاوضهم، لأننا لا نريد قتلهم لكيلا نتحول إلى قتلة، المجتمعات تؤمن بسيطرة الندرة على الكثرة، أي تتقبل أن تكون قطيعاً يحتاج إلى الراعي أو الرعاة والحرس القديم الجديد الذي يقف بين الضعفاء والأقوياء، بين الفقراء والأغنياء، بين الساسة والأديان القائدين الرئيسين المسؤولين عن حضور الحرب والسلام بعد إدراك حجم الدماء والدمار، ومن ثمَّ البناء، من يخطط لذلك؟ من ينجز ذلك؟
من ينتهي من جراء ذلك؟ وما الحاجة لحدوث كل ذلك؟ أيها الضعفاء: اسألوا أنفسكم لماذا أنتم على هذه الشاكلة؟ أيها الأقوياء لن أسألكم، لأنكم بنيتم قواكم على جماجم الضعفاء؟ من يعادل تلك المعادلة؟ من يصوِّب المفاهيم؟ الجميع يتحدثون عنها، وينتظرون المخلص الافتراضي، الذي يتلاعب فيهم عبر الزمن، يمنحهم فرص الحضور الوهمي من دون أن يأتي، يموتون ويستمر بعدهم الأحياء الميتون لا محالة، هل يستطيع المتحكمون إبلاغ المحكومين بالأحكام قبل صدورها؟ ممكن.. ولكن لا يحدث هذا تخطياً للحدود العاقلة، إذاً.. ما هو غير العاقل أو المنطقي واللامنطقي؟ هل لكائن أن يعترف بالحقيقة؟ هل هناك شيء غير معرف نستطيع أن نطلق عليه الحقيقة، فهي حتى اللحظة غير معرفة، ولم يقدر العقل البشري بكامل قواه الوصول إلى ماهيتها، نعم يدور حولها، يقترب منها، يلامس أهدابها، لكنه مؤكد لا يمكن له الإمساك بها. في عالم الأزمات يغدو كل شيء مملاً، والسقطات محققة، إلا أن يجد الساقطون سلالم النجاة. إذاً هل نحن مغفلون كي نستهدف بهذه الطريقة التي لا تتناسب مع قوانا العقلية المتجمدة، أم إننا غريبو الأطوار عن البشرية المتماثلة التي تسعى جاهدة إلى مقاطعتنا؟
هل أصولنا العربية تربك الآخرين، أم نحن نربكهم؟ هل نحن من أوجد القدير؟ طبعاً بعد أن أوجدنا اخترع لنا الحيوات الثانوية والأخروية وصولاً إلى الآخرة، ناراً وجناناً، وعذابات قبور، وخزنة النار، وأهل أعراف ينتظرون بينهما، إلى هنا، إلى هناك شدّ وجذب عبر المغريات، بينهما من يقتنع من الحاجات تدعو إلى قرار، إلى اتفاق، حيث يتجلى المضحك المبكي، والمفرح المؤلم، ليظهر معهما السعيد والسقيم. أين المشكلة وأين أجزاؤها التي تتشكل منا.. منها؟ من يقنع من حول ماهية القدير كنهه وجوده فينا، أم في محيطنا ووحدتنا معه ومع شهوده وبحثنا المستمر حول اقتناعنا وشكنا وشكلنا ويقيننا إلى أين؟ دعونا نلتصق بالأرض، بسجودنا عليها، بغاية اكتمال الدارة التي تولد الطاقة المفعلة لمحو السالب، فالكهرباء لا تعمل من دون عملية التأريض، وسجودنا على السبعة يوحدنا مع السبعة التكوينية، فنحصل على طاقة الصفاء والنقاء، والغاية أبداً أن نبدأ من جديد، شدّ وجذب هي حركة الحياة بين هنا وهناك.
يجب ألا نضيع أيها الناس، نحن جنس واحد مهما تعددت ألواننا، وجذر واحد مهما اختلفت أدياننا، وبناء واحد فيه تسكن حتمية مصيرنا الواقعة بين البداية والنهاية، والغاية أن يسكننا القدير، فهل نعي ذلك.
نحن جنس إنسان، وجدنا لنقود الحياة الحيَّة المتجسدة على هذه الأرض التي تتجدد مع كل دورة حياتية، حيث اقتربنا الآن من نهايتها، فهل نقدر على تحديثها برؤى راقية وأخلاقية، نستخلصها مما جرى وحدث، وكان منها الاستقرار الذي أسهم فيه جميعنا سابقاً، نرسمه على مستقبلنا، نذهب إليه بقوة، فتنتهي أزماتنا.
 د. نبيل طعمة