لماذا ترامب؟

لماذا ترامب؟

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦

اندهاش ومفاجأة وإثارة وقلق مما يحضره حضوره الذي استحضر الأسئلة التي دارت ومازالت مستمرة نتيجة وصوله إلى سدة الرئاسة، هل هو حقيقة أم خيال؟ رجل أمريكا الخفي القوي الذي غيَّبه الإعلام الأمريكي لعشرين عاماً، وغاب عنه الإعلام الأوروبي والباقي من إعلام العالم، وكيف تلاعب الإعلام الأمريكي بعقول متابعيه، ليس في أمريكا فقط، وإنما في العالم برمته بعد أن قام بنفخ المرشحة كلينتون إلى أقصى مدى صانعاً منها بالوناً فضائياً، جذب الأنظار إليها، بينما كان يعمل صنّاع ترامب بصمت ورويّة لطبع صورته في عقول البشرية جمعاء مع تصريحات مثيرة ونارية تعصف بالفكر العالمي السائد لعقود كثيرة، الذي سيطرت عليه المؤسستان السياسية والأمنية، وعندما نعلم أن الرؤساء الأمريكيين يُصَنّعون من هيئة بحث وتحضير علمية فلسفية دقيقة، وهي التي تختار من سيكون رئيساً من بين مجموعة تخص الجمهوريين، ومجموعة خاصة بالديمقراطيين، والذي يعود إلى زمن بيل كلينتون يرى أن أوباما كان عاملاً ضمن فريقه، وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي ظهرت صور ترامب ضمن برامج كرتونية للأطفال، تابعها العالم من دون أن يتوقف عندها، وها هي تتحقق رؤاها بعد عشرين عاماً تقريباً.
أمريكا اليوم خصم مشترك للعالم بأسره، وما من دولة في الأمم المتحدة المتفرقة إلا واكتوت بنيران سيطرتها، أو خبث ألعابها، قواعد.. أوامر.. احتلال مباشر.. وضغوط هائلة، وها هو ترامب يحضر بمرتبة الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، وفي علم العدد والرقم أربعة زائد خمسة يساوي تسعة، النتيجة تعني الولادة الجديدة، حضور مهم بعد أوباما الذي طرح التغيير، وكان الرئيس الرابع والأربعين، ورقمه أربعة زائد أربعة يساوي ثمانية، ويعني السيطرة، وقبله بوش الابن الثالث والأربعين ورقمه أربعة زائد ثلاثة «سبعة» الذي مثل التكوين الاقتصادي زعامة مجموعة السبع، وكلينتون الثاني والأربعين صاحب الرقم الضعيف الذي يمثل الجنس وعدده الستة، وبوش الأب الحادي والأربعين، ورقمه خمسة المجسّد للقبضة، بحكم أن اليد تمتلك خمس أصابع، ولكل عدد هدف ومعنى، وتدعونا الأفكار لامتلاك مغازيها وأسباب وجودها الفكري، وما يهمنا من كل ذلك وصول ترامب، وغايته إحداث الولادة، فهل كان هذا من فراغ، وكيف أتى؟ هل هو حقيقة متطرف، ويحمل عدائيات للعرب المسلمين، للأفارقة، للآسيويين، للمكسيكيين، لأمريكا اللاتينية، هل يريد الخروج من الناتو، وهل يريد من خلال النرجسية العالمية التي يتمتع بها إعادة إحياء عظمة أمريكا من باب أنه رجل مال وأعمال، تنقل بين الحزبيين، فتارة انتمى للديمقراطيين، وتارة للجمهوريين، كرر ذلك لعدة مرات، إنه مقاول، والمقاول يريد دائماً الحفاظ على بنائه وعدم إهدار ماله.
إذاً هو ترامب الذي قال لن ندافع عن أحد بعد الآن، ندرك أنه أتى ليلهب العالم بحروب شوفينية وإحياء القوميات وتعزيز وجود اليمين والتطرف بعد نأيه بأمريكا بعيداً عن أوروبا، ومطالبته إياها بأن عليها أن تدفع مقابل حماية أمريكا لها، وهذا يسري على العرب والأفارقة، ترامب يدرك الواقع الأمريكي، اقتصاد مَدين وصل إلى حواف الانهيار وانحدار صورة أمريكا في العالم، ووصول كراهية العالم لها إلى أقصى درجاتها في أوروبا، وأنها تمثل احتلالاً لهم، وبشكل خاص في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، والأخطار الهائلة التي وقعت بها، وأوقعت حلفاءها معها بشكل أتاح رؤية دعمها المباشر للإرهاب، بعد أن كان خفياً، وتحريكها له وسيلةً للابتزاز.
استفاق العالم عليه، وبدأ يشمئز منه ومنها، ومع ذلك شهدنا انفصال بريطانيا عن أوروبا، وانتشار اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والدعوات للانفصال؛ الباسك في إسبانيا، وإيرلندا عن بريطانيا أيضاً، ولامبرديا شمال إيطاليا، كل ذلك يشكل عالماً جديداً ظهرت فيه مجموعة البريكس التي تدعو لتشكيل قوة اقتصادية ومالية، كما أنها تدعو إلى عملة موحدة تواجه الدولار، إضافة إلى تحريك روسيا قواها واستعراضها عسكرياً في القرم وسورية، نتوقف مع الصين وخباياها وطموحاتها التي اقتربت كثيراً من إرخاء ظلالها كقوة عظمى بشرية واقتصادية وعلمية وعسكرية، وكنت قد كتبت عن أوباما الأبيض لحظة انتخابه في عام 2008، وبعدها كتبت أيضاً لنتعلم الصينية قبل الروسية.
أجزم أن الإستراتيجية الأمريكية الخفية تسير على سكة العالم الجديد المؤسس منذ عام 1776 تاريخ قيامتها التي لابد لها إلا أن تنتهي، فلكل شيء نهاية، فهل تكون مع القادم الجديد التي صنعت ترامب، وأجزم أنها هيأته على هذه الشاكلة من أجل أمريكا الجديدة، بحكم أن رقمه الرئاسي يعني الولادة، فهل يستطيع حقيقة أن ينأى بأمريكا، ويأخذ فرصة إعادة بنائها أخلاقياً، وهو الذي صرح عن فساد هائل في المنظومة السياسية المديرة والمبرمجة للسياسة الأمريكية، وهل يقدر أن يفكك هذه الخصومات التي راكمها أسلافه، وأن ينهي الفوقية، وأن يخلص العالم أجمع من شرورها الخفية والظاهرة، أم إنه سينزلق مباشرة إلى عدائيات علنية تنهي أمريكا، ويكون بذلك متوافقاً مع النبوءات القائلة بأنه آخر رؤساء أمريكا الخطرين على العالم، بحكم أنه يحمل رقم الولادة، وليتمخض بعدها رئيس مختلف عن كل من سبقوه، يدير الدفة، ويؤمن بصناعة عالم أفضل، نحن نتابع كما العالم يفعل وينتظر، والوقت ليس بالبعيد لإزاحة الستار ووضوح المشهد الأمريكي.
الشرق الأوسط والعرب بشكل خاص يفترض أنهم فهموا الألعاب التاريخية الأمريكية منذ نشأتها، والذي يهمهم منها مراجعة وجودها منذ قيامة الكيان الصهيوني عام 1948 وحتى اللحظة التي أخطُّ بها كلماتي هل تعلمنا من أنهم يتلاعبون بنا، كيف بنا نصدق ونتعامل مع هذه الرئاسات التي لا تبتزنا نحن العرب؛ بل تبتز العالم.
الحكمة الأمريكية المبالغ فيها يقدمها ترامب رؤية نوعية لحظة أن يغرد خارج السرب في القضية الفلسطينية خداع مركب، وهو الذي قال أول ما سيفعله هو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
عنصريٌّ يناهض البشرة الملونة، يؤمن بالعرق الأبيض الإله الذي يمثله، وأنَّ عليه حكم العالم بطريقة ديكتاتورية، الإله عادل، إنه بشر، لننتبه له، ولنحذره، يتقدم ليحكم العالم بطريقة مختلفة تؤمن بالإستراتيجية الأمريكية التي لا يحيد عنها، ولا يمكنه أو لا يسمح له بالابتعاد عنها، هل ندرك هذا الرئيس الأمريكي الجديد، وما الذي يريده، ولماذا هو بالتحديد؟
د. نبيل طعمة .