نحن نغيِّر العالم

نحن نغيِّر العالم

افتتاحية الأزمنة

الثلاثاء، ٨ نوفمبر ٢٠١٦

السوريون يقولون: لا لرعاة الإرهاب الذين يقاومون العدالة الإلهية والوضعية والحصانة السيادية للدول والشخصيات الرسمية والمواطنية، فلغة الإرهاب المستمرة يتملكها التهديد والوعيد عن سبق إصرار وترصّد، ومن دون سابق إنذار، وأداتهم العصا الغليظة والعسكرة التي تتحرك بين بندي الفصل السادس والسابع، وهذا ما يراكم القلق، ويزيد من أزمات العالم الثالث، وبشكل خاص العالم العربي، ومن ثمَّ محيطه من الدول الإسلامية.
السمة الغالبة القادمة من عنواننا هي طريقة التعامل التي لم تتطور حتى اللحظة من شعوبنا المولدة لقياداتها، والمتجلية في قصر النظر حول تصور الحلول للأزمات المنشأة مسبقاً من جوهر وجودها أو استقراء القادم إليها والمسقط عليها، لماذا نتحدث حول ذلك؟ لأن أشكلة العقل العربي تقع في خضوعه العاطفي والروحي، وبهما أتعب الجدية النادرة من القاع إلى الواقع الذي يتحدث: إن العقل الجيد يصنع وطناً جيداً، يبني بينهما مجتمعاً خلاقاً، يمتلك رؤى مستقبلية، يراها من حاضره المقاد منه بإرادة علمية وفلسفية تصنع إنساناً، يؤدي واجباته في إنجاز وطن، ينجح اسمه بالقيمة والمعنى من خلال السعي الحثيث لإيجاد دولة واقعية، تؤمن بالاستقرار لا بالاستفزاز، وبالتقدم لا بالتخلف، وبالاستقلال لا بالتبعية، تحمَّل قلة من الدول العربية هذا البناء، وسارت به، وقطعت عليه أشواطاً مهمة، فماذا جرى وبماذا قوبلت؟
أولاً في مراكز الغرب كانت الدراسات تتم بدقة حول متابعة حركات التحرر العربي من الفكر الاستعماري، ومن خلالها جرت أيضاً عمليات مراقبة النمو الاجتماعي والعلمي وآليات التمدن المتسارعة ومقاييس النمو الاقتصادي، ظهرت نتائج تلك الدراسات التي أمرت ليس بوقف كل ذلك، بل بإعادة مجتمعاتنا إلى نقطة الصفر، وأكثر من ذلك إلى ما تحتها.
وثانياً اتجهت ومنذ هجمات أيلول 2001 إلى التنفيذ بضرب الأسس والقواعد الاجتماعية التي تعتبر العامل الرئيس في بنيان أي مجتمع، وتمَّ الاختراق عبر زراعة الأفكار المفرقة، وعبر عقد من الزمان جرت التهيئة لما أطلق عليه مشروع التغيير العربي وشعاراته الطنانة التي أظهرته عبر سنوات أنه ربيع دموي تخلفي، قبلته الشعوب العربية بحكم أنها لم تستطع تطوير وعيها الروحي وبقاء تعليمها تحت حدود مستوى الإنتاج الإيجابي والإبداع الإنساني. من كل ذلك قدر رعاة الإرهاب اصطياد الأحلام العربية المتفرقة وتحويلها إلى كوابيس تلعن وجودها وبقاءها، وتتجه إلى إفناء ذاتها.
أزماتنا صناعتنا يطورها فينا الآخر، فلماذا لا نعترف بأنَّ الماضي الذي نحيا على أطلاله والذي نمسك به بقوة مسؤولٌ عن ذلك، لماذا نرمي كل ذلك على أجيالنا الحاضرة، لنتأمل في الأثواب الجميلة التي يرتديها عالم الشمال، والشعارات البراقة التي تسلب لبَّ عوالم الجنوب ضمن عمليات خداع يقع فيها العالم، غايتها الأولى والأخيرة ابتزاز العالم، وبشكل خاص العالم العربي برمته، ومن دون استثناء، وتطويقه بتلك الشعارات وإبقاؤه تحت ضغطها، كل ذلك من أجل استمرار نهب ثرواته واستلاب اقتصاداته، وتحجيم دوره الإشعاعي والإبداعي ضمن حركة الشعوب والأمم، ومنعه من امتلاك قدرة مناهضة الكيان الصهيوني وغطرسته، تلك الشعارات التي تخفي خلفها الإرهاب الحقيقي الذي يراه عالم الشمال والغرب منه بدقة علمية فلسفية ومادية، لنتأمل في معاني الحصانة السيادية ومبادئها التي خصصت فقط في قضايا الإرهاب وقانون جاستا الذي استثناها منه؛ أي استثنى الولايات المتحدة الأمريكية من هذا القانون الذي يطالب بالعدالة، وحقيقة الأمر تعني في هذا القانون إخفاء الإرهاب الأمريكي الصهيوني الذي تمارسه على العالم بأسره تحت مظلته، وهذا إن دل فإنما يدل على إصرار رعاة الإرهاب العالمي على الغزو الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأهم من كل ذلك الروحي منه للدول الحرة الباحثة عن الحياة وحقها من دون مواربة، وهي التي ترى وتمسك بما تؤمن به، والمتجلية بالتوسع والانتشار بإصرار قادتها ومفكريها على الاستمرار بنظرتهم الاستعمارية القديمة الحديثة، على الرغم من المقاومات العنيفة التي تواجه بها في مختلف أصقاع الأرض.
رعاة الإرهاب همُّهم الأول زراعة البؤس في عوالم الجنوب وقتل الأحلام الإيمانية الحقة بروح الله والعروبة في حق الوجود بحياة كريمة وتعزيز التعلق بعوالم الشمال، وإنهم فيه يجدون الجنان والخلود مع العمل الحثيث على تعزيز الحلم الروحي السلبي الحامل لما لا يتوافق مع العقل العلمي المؤمن، والهدف الخبيث من ذلك قتل روح الكفاح في الحياة والاشتغال من أجل بنائها وبناء إنسانها.
أجل.. إنهم يُصنّعون بخبث التخلف، ليلد منه الإرهاب الأداة القاتلة المانعة للتطور، عبث مستمر يبدو أنَّ لا نهاية له، وتاريخ طويل من اللصوصية الممنهجة، تمارس على المجتمعات العربية والإسلامية بشكل خاص، وعوالم الجنوب بالعموم، فهل نستطيع من خلال بث هذه الهواجس والتنبيهات بغاية الاستيقاظ مما نحن عليه وفهم ما يجري، ليلقى إلينا، ويعيش بيننا.
إنني أشير إلى أن الكاتب الحق يكون مهندس روح الله التي يحاول الجناة تشويهها بخبث. وأضيف: إنَّ على العرب المسلمين إدراك تجديد مفاهيم القوى الروحية للإنسان العربي، والتركيز على العوالق البدائية المترسخة في عقله وقلبه وحركته وسكونه، وبناء روح الأخلاق الخيِّرة والعلم والعلمية المكبوتة في داخله، لأنها وحدها كفيلة بإعادة الإنسان إلى إيمانه الحق الذي به يكتشف أسباب وجوده، وبهذا نستطيع أن نواجه قرصنة الإرهاب المستخدم من خلالهم في داخلنا وضد دولنا ووجودنا، نحن لا نريد أن يتحول الإرهاب إليهم، ونريد التخلص منه، لأنه من دون أي أخلاق، أو قيم، أو مبادئ إنسانية، وتحويله إلى حروب إقليمية، يعني أكثر أن نجاح رعاة الإرهاب مستمر في فرض الهيمنة على عوالمنا، لننتبه إلى ما يجري، ولنتحصَّن جيداً بالوعي والمعرفة والاستعداد الدائم لتفكيك ألغامهم المنتشرة بكثرة فيما بيننا.
فرص بلدنا كثيرة، إنَّ ما يحصل معنا يدعو جميعنا كي يدرك امتلاك قدرات تجسد عكس الواقع ورميه بعيداً وإفناءه، نحن قادرون على صناعة الحياة بالوعي الجديد الذي فرز الإرهاب عنا ومنا، وأنه بمقدورنا إنجاز النجاح.
د. نبيل طعمة