المصالح الوطنية

المصالح الوطنية

افتتاحية الأزمنة

الجمعة، ٢٢ يوليو ٢٠١٦

تقف دائماً بوجه الصراعات القذرة التي تسعى دائماً وأبداً لتدمير الولاء والانتماء، وأهم من ذلك تقليص الحسِّ الوطني، ومن ثم إفناؤه. ولولا وجود التطور في فكر الشرفاء واستمرار تكاثرهم الإيماني أمام ما يفعله المكفرون المثيرون للغط حول مفاهيم الوطن والوطنية، والذي يفتعله المختبئون خلف جدران الوطن المشككون والمتربصون له، والعاملون على انهياره يحيون ضمن بؤس آمالهم الانتهازية، وهم المستفيدون لدرجة كبيرة ضمن ظروف  مشاريع تخريب الفكر العربي الوحدوي القومي العروبي التضامني وفض سعيه للوصول إلى سيرورة الحياة السلبية المتمسكة بـ "أنا ومن بعدي الطوفان"، وتحويله بشكل دائم إلى حالة من التناقض، تؤدي إلى التضاد أولاً، وتعميق الخلاف والاختلاف معاً بين بناه، ما يؤدي إلى تعزيز غريزة الفطرية وشريعة الغاب التي تظهر حتمية الصراع الذي ولحظة بدء شرارة وقوعه تتوقف كامل مشاريع النهضة والصعود والمسير إلى الأمام، ويعود الجميع ليس إلى التاريخ؛ بل إلى ما وراءه، يظهر القادة الوطنيون هنا واقفين بين حدي سجلات التاريخ وقراءة المستقبل، يدققون من حيث هم في الواقع الذي يمسكون بعضاً من خيوطه، لأن البقية هربت وأنشأت أزمةً أو صراعاً، أو أنها وقفت على الضفة الأخرى تحت مسميات عدة؛ يمين، يسار، معارضة مسالمة، مسلحة تحمل غاية واحدة، تتجلى بإحداث انهيار على الطرف المقابل، لأنها تعتمد أيضاً أن هناك بعضاً من الخيوط ليست بين أصابعها.
بين كل هذا أو ذاك تقف المصالح الوطنية مضطربةً لا تريد الانهيار، تسأل عمن يخونها، وهل الخونة قادمون من خيانتهم لها، ولإيمانهم بها أم لعقائدهم أياً كان منشؤها، أم إنهم في الأساس لديهم الاستعداد الجيني لخيانة وطنهم، أي إنهم يعملون ضد مصالحه، وضد مصالح مجتمعاتهم والإله ورسله وسماحة تعاليم ما أرسل، وضد مصالح دولتهم.
يعتبر عنواننا من أهم المفاهيم التي أخرجتها القيم الفكرية التاريخية الآبدة في حركة الشعوب والأمم، ورسمت حدود علاقاتها التي تسعى بها كل دولة لتحقيق مصالحها الوطنية المبنية على الأسس الواقعية، وإن أول من أطلق هذا العنوان ميكيافيلي، وجسده في كتابه الشهير (الأمير)، حيث اعتبر هذا العنوان المصطلح من أهم مبادئ الحياة، وتفوق بأهميته على منظومتي الدين والأخلاق، منه اتجه إلى أولئك العاملين ضد كل الذي ذكرناه، نتجه ونسألهم: هل التنازل عن منظومة القيم الوطنية والأخلاقية والتلوي والتلوُّن في الإجابات يؤدي للوصول إلى اختلاس الكراسي الوطنية، ولمصلحة من يجري ذلك؟ وهل استعطاف الغرب أو الشرق والاستنجاد والاستنجاء به والوصول إلى تمويله، أو إلى أصحاب الأحقاد والحسد والطمع التاريخي يؤدي إلى تحقيق الأحلام الوهمية؟ هذا للمتعلقين بإبهار الخيانة، أما أولئك المتأسلمون كذباً فيدعون تمسكهم بمبادئ وقيم الدين الإسلامي السمح وهو منهم براء، وأنَّ ما ينفذونه ينبثق من الشريعة الإسلامية، وغايتهم الوصول أيضاً إلى الكراسي الدينية والقيادية الوطنية، ومرة ثانية إلى الإسلام وحرماته وكتابه وإلهه ورسوله، وجميعهم براء من أفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، فالكيفية التي يتبعونها وأحلام داعميهم من بقايا الأيديولوجيات أو المنشقين عن الأيديولوجيات والسلفيين والوهابيين والإخوانيين ليست بجديدة، لأن أفكارهم وسياساتهم وانتماءاتهم وخضوعهم المطلق لإدارات محيطية هي في حدِّ ذاتها تابعة، تظهر لنا غاياتهم اللا وطنية القائمة على أفكار الضغط بكل أشكاله وصولاً إلى اغتصاب كل شيء.
المصالح الوطنية يحميها التلاحم الوطني الذي كلما تعزَّز ساعده بقوة على مواجهة المخاطر والتحديات الإقليمية والدولية، وبشكل خاص الإرهاب العالمي والمحلي الذي لا دين له، ولا هوية ولا جنسية المطبق على مجتمعنا، والتطرف بكل أشكاله  يسعى جاهداً للتغلغل بيننا، والعالم بأسره بدأ يعاني عواقبه، فكيف بنا لا نطور هذا المفهوم المصطلح النوعي الذي وحتى اللحظة لم ندرك أهمية وضرورة التعلق العلمي والنفسي والتربوي به، وحينما ننظر إلى العالم وآليات بنائه واستثماره في هذا المصطلح المفهوم الخاص لدى كل شعب، نسأل عن أهمية هذا المصطلح في عالم الغرب، وكيفية بنائه، وكذلك في الشرق؛ الروسي والصيني والياباني، وعن انعدام الخيانة الوطنية العالمية والانتماء، ووجودها يعتبر شواذ القاعدة في مجتمعاتهم، كيف بنا نعكس ذلك؟ إن خيانة الإنسان لذاته تعني بداية خيانته لعقيدته ووطنه وشعبه وأمته.
بنت الشعوب أبناءها بالمرونة والليونة أو بالقسوة؛ أي بالديمقراطية، أو بالديكتاتورية، وهما وجهان لآلية واحدة، وهي نظام بناء الإنسان، فإن نظرنا من هنا نجد الغرب، ومن الطرف الآخر الشرق، وكلاهما نجح باستثنائنا - نحن العرب- الواقعين في المنتصف ومنه أطلق علينا الشرق الأوسط، حيث لم نعِ حتى اللحظة شأن عنواننا، ولم نقدمه إلى المراتب العليا، ولم نتمسك به، لأنَّ الأنا مازالت أكبر من لغة نحن، ومازلنا ندور ونتحاور حول أصحاب مدارسها الفكرية، فإذا كانت قوانين الإرادة الحرة محددة جغرافياً ومحدودة وطنياً، وأدركتها الشعوب، واستخدمت هذا المصطلح للدفاع عن نفسها وسيادتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، فكيف بنا حتى اللحظة لم ندرك هذا المضمون المسكون في عنواننا الذي نريد من خلاله أن يعمَّ فهمه الدقيق، وأن يطلق من خلاله مبادرة شاملة بشأنه، تهدف إلى الإيمان بالوطن، وإبراز محبته الصادقة، والوفاء له فكراً وجوهراً وحركةً ومسيراً، متى نؤمن أن الوطن ليس هويةً فقط نباهي بها؟ متى ندرك أن حمايته ورعايته من أجل أن تشعر أنك آمن فيه مع من تحب، وأن فيه من يهتم بشأنك، ويستمع إلى حاجاتك، تطالبه فيؤمن لك، ويطالبك فتهرع من دون تردد لتلبيته، تقف بلا تردد فيه ومن غير تمييز لأنك مواطنه، وهو موطنك، مهما بلغ تعدده وتنوعه، في النتيجة تشكل مع أطيافه ذاك قوس القزح الذي ينفرد فتظهر جمالية ألوانه في لحظة توحّده، فتظهر قوته في صفائه ونقائه.
المصالح الوطنية القيمة العليا لأي كائن يمتلك وطناً، يؤمن به حقيقةً لا وهماً، ولا عبثاً في مبادئه ومفاهيمه وقيمته وقوته.
أختم بسؤال: أين مصالحنا الوطنية وأين تكمن؟ وكيف نعيد لها ألقها أمام الأمم التي تفهمت معانيها مذَّاك الزمن الموغل في القدم بدقة،فهل نعي ما نملك ونعمل له؟.
د. نبيل طعمة