نضج الفنّ السياسي

نضج الفنّ السياسي

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ١ يونيو ٢٠١٦

والعسكري اللذين يديران نيران المعارك القاسية بحنكة ووعي وفن طوال السنوات الخمس، حيث تقف قواتنا المسلحة، وتتحرك تحت العنوان الكبير والأمين الجيش العربي السوري أمام أعتى صنوف الإرهاب بأشكاله المختلفة، النفسية والسياسية، العالمية والعسكرية، عصابات جيوش صغيرة وكبيرة، أفراد انتقاميون يحملون الأحزمة الناسفة، مفخخات هنا وهناك، كفاح نوعي وإستراتيجي أخذته على عاتقها ثلاثية القائد- الجيش- الشعب الوطني، على الرغم من الآلام العنيفة التي تحمّلها الجميع، ويتحمّلها بين عمليات الكرِّ والفرِّ، الفشل والنجاح، أفراح الانتصارات المؤقتة تؤسس لأفراح الانتصار النهائي على قوى الشر والطغيان، وبالاطلاع على سير ومسيرة الدولة الوطنية السورية في الأزمة العاصفة، نجد أنَّ متانتها وصلابة تماسكها تعرضت لامتحانات عنيفة، لو تعرضت لها قوة عظمى لانهارت، إلا أنَّ تعاظم الحدث رافقه بشكل دائم تعاظم لفهم إدارة مجرياتها، وزاد من إيمان كوادرها الوطنية في القيادات الثلاث الاجتماعية والعسكرية والسياسية، بأحقية الانتصار على قوى الإرهاب مجتمعةً ومنفردةً، هذه العلاقة أخذت تسجل المأثرة تلو الأخرى، جسدت وخلقت نظرية كفاح مذهلة، لم يشهد التاريخ مثيلاً لها في مدة الأزمة الزمنية المديدة، ولا في طريقة التعامل معها، لأن العدو متعدد مجهول ومعلوم في آن، والنظرية تقول: «عدو تعرفه خير من حليف لا تعرفه»، وما أكثر الأعداء وندرة الأصدقاء الذين فهموا واقع ما يدور في الخفاء والعلن وعلى الأرض مباشرة.
أكتب بالكلمة الرصاصة، نوجهها إلى أعداء هذا الوطن الشجاع بشعبه وصنوف قياداته، حيث أولئك المختبئون خلف قوى الشر والظلام، يديرون أدوات إرهابنا الخارجين عن القانون المسمى لديهم التغيير بالعنف الضاغط، أفكار نسجت بغاية استغلال الشعوب والتغيير والحرية والديمقراطية، ممَّ الانتقاد وإلى ماذا؟ وكأنهم يلعبون الروليت ضمن لعبة المراهنات الكبرى، نجحوا في مواقع كثيرة، إلا في هذا الوطن صاحب النضج الفكري والإدارة التكتيكية والإستراتيجية معاً الفعالة والمهمة في وجه العدوان، معادلات ظهرت بقوة من خلال مثلث المؤمنين الذي شكل مفاجأة تلو المفاجأة، لأولئك المخططين والمديرين مع الأدوات المنفذة نجاحات مبهرة، أسست لدراسات عالمية ضمن الحرب القائمة على وطننا وللمستقبل حول هذه النظرية النوعية التي أخرجت كل بنودها، والتي أحزنت وطناً برمته، وبمن يحتويه، سعى للسلام بشكل دائم، إلا أنَّ الحرب غزته من أوسع أبوابها، لذلك أجدني أقدم لكم من خلال ما نشهده محاولات غايتها الوصول إلى الفهم العميق والكامل إلى حدٍّ ما لطبيعة ما يجري على أرضنا من معارك وتطور النضج المسكون أساساً في جوهر الجيش والشعب والقيادة لهذه المعارك وظروفها، ومن خلال ذلك علينا أن نقدر عالياً، وأن نقدم العرفان بالجميل لهذا النضج الذي حقق ومازال يحقق المآثر، وعلى الجبهات كافة والصعد المحلية والعالمية، وأعتقد جازماً أنه لن يستطيع أيُّ مزورٍ مدونٍ للتاريخ من التلاعب بما حصل ويحصل من ذاكرة شعوب العالم، وعلى الرغم مما حدث من فقدٍ في القوى البشرية والمعدات والبنى التحتية، إلا أنَّ عقلية الثبات والمناورة والتقدم، كانت هي الحدث الأبرز ضمن كامل الظروف مع الإمساك بخيوط اللعبة وإدارة الوقت بحنكة وذكاء نادرين، وأنَّ الذي بقي لجيلنا مع ما ذهب منا، سيكون منارةً للأجيال المقبلة، وسيدخل تاريخ الأبدية.
الحروب والأزمات، العواصف والكوارث جميعها حين مرورها، واخترت هذه الكلمة المرور، لكي تنتقل من مكان إلى آخر، ومن وطن إلى وطن آخر، فهي تتجول بين المدن والبلدان والشعوب والأمم، لأنها جزء مهم من فلسفة تكوين الحياة التي تحمل فيما تحمل العدالة والإنصاف الحياتي الإلهي، وعندما نضيف من خلال دوران دائرة السوء على رساميها والفاعلين والمتفاعلين فيها، ندرك تماماً أنَّ من خطط ونفَّذ وموَّل ودعم هذه الدائرة التي حاصرت وطننا، لابدَّ أنها ذاهبة إليه بحكم السياق التاريخي الذي نستعرضه في الأمام بعد استحضاره من الوراء، والذي يعلمنا إلى أين تسير بعد معالجتها التي سببت وكما ذكرت كثيراً من الآلام، وتترك أيضاً الكثير من الذكريات الصعبة، لكن حضور الانتصار وأفراحه يمنحها لغة السكون والأمل وابتسامات ذات شجون.
تأكد حصول النضوج القيادي والعسكري من خلال حركات الفعل ورد الفعل على نضوج الإرهاب ويناعته وضرورات استئصاله وحصده وقطافه، والشعب بشيبه وشبانه، بأطفاله وصباياه ونسائه، وصلوا جميعاً إلى درجات متقدمة من النضوج، نتيجة ما جرى ويجري، وبقي أعداؤه يراقبون، يتهامسون، يتآمرون على هذا النضوج المستمر، إلا أن الخارجين على الوطن، ومنه المدارون المأجورون، لم يقدروا أن يواكبوا هذه العملية المبهرة للنضوج، ليبقى التخلف والتبعية سيدهم الأول والأخير.
إنَّ كل ما سِرنا إليه، يمنحنا فرصةً نادرة، تأخذ بنا إلى الخلاص النهائي شريطة توحيد هذا النضج وعدم بقائه مجزَّأً أو فردياً، فالمعادلة براقة، وتأخذ بألباب الناس المتجسدة في الجيش والشعب والقائد، وكلما كانت ملحمية ازدادت قواها، ودعمت من القوى الماورائية، لأن الواقع التاريخي يتحدث دائماً، بأن لا انتصارات نهائية من دون توحيد النيات العقلية والقلبية، فتظهر منها القرارات الملتهبة والحاسمة التي تصهر المؤمنين بوطنيتهم، والتي تأخذ بهم للدفاع عن وطنهم، على الرغم من الآلام العظيمة، لنستذكر أنَّ هذا النضوج حدث قبل وأثناء حرب تشرين التحريرية، واستمر بعدها حتى توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وتفاعلات المسألة اللبنانية، ومع اختلاف ظروف الرئاستين، وإيماننا بأنَّ لكل زمان دولةً ورجالاً، وتطور أساليب نضج الوعي والحماسة، وأساليب الدفاع والوطنية، واستعادة النضج المتطور مع تدحرج زمن الأزمة الكبرى نتاج الحرب الكونية الضاغطة إلى أعماق التاريخ، لن يطولها النسيان، ولن تقتلع من الذاكرة الوطنية التي يتمتع بها الشعب العربي السوري الذي تفوق بنضجه على الواقع المرير حيث منه نقول: إنَّ الحروب تصنع النضج، تولد الأفكار، تُنسى بتسارع العودة إلى الحياة، تفرض الحوار الذي يصنع السلام المؤقت استعداداً لحروب قادمة ونضج جديد في السياسة، في العسكرة، في المجتمعات.
د.نبيل طعمة