أنوثة الجمال

أنوثة الجمال

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٧ أبريل ٢٠١٦

الأنوثة جسد ومكونات صارخة ومتأنقة، تضفي على مجتمع الذكورة هالة من اللطف، فيدعى الجميع إلى التلطّف، وهذه حقيقة لا تنفيها الذكورة، وكلما كان الاهتمام بهذه المكونات الناهضة من جغرافيا جسد، كان الجمال حاضراً، وكلما ازداد المرء بساطة ازداد كمالاً، لأن معنى البساطة يكمن في فهم حقوق الآخر والتوقف عند حواف القدرة، فالقوي الجاهل كالمتمرد المستهتر، كلاهما يشوه الأشياء الجميلة بالنظر إليها، فكيف بهما إذا حاولا لمسها، لنعمل للحياة، لأن العمل مساحة نوعية وصغيرة لا تتعدى مساحتنا وقوفاً أو جلوساً أو نوماً، فينجز فيها ما لا ينجزه النظر المديد صاحب المد الشاسع، ويذكي فينا النشاط الباعث الرئيس لبقائنا في حالة الشباب والفرح الذي يجمع بين الذاكرة والحماسة، ومنها نتطلع إلى الحياة، ونعجب بجمالها الفتان، لذلك نجد أن انشغال أفكارنا وشرودها كفيل بحجب صيغ الجمال وصوره المنتشرة بكثرة حولنا، والإنسان الجميل في فكره يستطيع دائماً أن يرى ويستنبط الجمال من أشد المظاهر قباحة أو سوءاً، فكثيراً ما وجدنا وروداً متفتحة فواحة فوق أكوام من القمامة، من يستطيع أن يميزها لحظة التقاط المشهد، إلا إذا كانت هناك أنوثة مركبة على الذكورة، تعود لتخترقها كما يخترق الماء والهواء والغذاء أفواه وأنوف الأحياء، وهما من جنس الذكورة، فنعلم ماهية الأنثى وحضور الإنسان، فكل الذي يدخل ذكراً، والمتلقي أنثى، حتى وإن كان ذكراً، هلا تفكرنا في ذلك.
أدعوكم أيتها السيدات أيها السادة للنزول من الأبراج العاجية والتجول في مناحي الحياة، ولنكن محايدين، ونحن نعبر المشكلات الاجتماعية الناتجة عن مفهومي الحب والكراهية اللذين يتحدثان دائماً عن أن قمة الحب الكراهية، وقمة الكراهية الحب، وقمة الشك اليقين، وقمة اليقين الإيمان بشيء معرف أو غير ذلك، ومنه تكون قصص الحب الجميلة حاملة للآلام والعذابات، لأن حباً بلا أمل عذاب لا ينتهي بسهولة، ومشاعر تربح هنا، وتخسر هناك، كل هذا يشكل أطر الجمال الواسع المسكون في جوهر الإنسان بجزأيه المنحدرين من جسد واحد بوجهين إلى أن تم فصلهما، فإذا لم تتحرك الأنثى من جوهر الرجل والذكورة في داخل الأنثى، لا يمكن أبداً أن يحدث اللقاء والوصول والاتصال، ومن خلال دراسة عن علاقات الحب والزوجية تبين أن ثمانين في المئة من نساء الوطن العربي لا يعرفن النشوة، على الرغم من إنجابهن الكثيف، حيث نجدهن يصلنها بوسائل أخرى، وعلى الرغم من أن مفردة الجمال في جنس اللغة العربية مذكرة، إلا أنها ترافق عناصر الحياة الأنثوية، لكون الحياة أنثى، فهل ندرك ذلك من أجل أن نتمتع في جمالها، ونعمل على زيادته، حيث نجد ضرورة للإعادة، نعيد فهم مكونات الحياة، ونعيدها إلى لغتها البصرية، كي ننهي عناصر الشهوة القاتلة التي تنهيها والقادمة من لغة الأنا، ومفردها أريد، والتي إن تضخمت قضت على مفردات الجمال؛ بل أنهته، وحولته إلى ماديات فانية، فكيف بنا لا نستمتع ونجله، لنتعلم أن نقول لبعضنا شكراً، وأن نقف خلف بعضنا في المسير والصعود من أجل أن يصل جميعنا، فيبتسم، ونرسم البسمة التي تمنح الجمال للآخر.
الجمال كتاب راق جيد ومفيد، ورميه كمن رمى بإنسان عاقل، وقتله يوازي تماماً قتل إنسان فاعل ومؤمن بالحياة، لأن الإنسان والجمال صورة من صور الله، والله جميل يحب الجمال الذي يرتبط دائماً بالذكاء والنبوغ والبصيرة حيث تشير إليه، وتجذب الجسد إلى الجسد، أياً كان نوعه، حقيقةً أم نحتاً أم رسماً، تدغدغه، تداعبه، تتأمله، فتستمتع بعد أن تعرف قيمته وقوة حضوره.
كيف بنا نتلُّ الشاة، ومن ثم نذبحها، ونشعل النيران ونؤججها، وفيما بعد نقوم بشيِّها، كيف بنا نفعل ببعضنا أفعالاً كهذه، نشابه بها أفعالاً غاية في القباحة، نماثلها مع الأفعال الجمالية على نقيض ما تعلمناه من أفعال الجمال، هل العيش المر والفقر والذل والاغتراب المضني وحلول الهدم والتدمير مكان الإعمار والبناء الذي يشكل أهم إشارة تدل على حضور الجمال، كل ذلك يمنع رؤية الجمال أو التصرف بعكس مدلولاته؟ كما أتوقف عند ترحال الغجر وغجرياتهم العاشقة الممتلئة بالقبلات اللاهبة والأحضان الحارة وتشبثهم بالمجون المجنون، يغنون، يلهون، يرقصون، يلعنون الغنى، ينعمون في كسلهم المترف، تاركين العالمين والعارفين والمتدينين والأغنياء يحيون العار والشقاء والأحزان وهموم الجمع والطرح والثواب والعقاب، يشترون الجمال من دون أن يعرفوا قيمته، أي بلا مال، رغم ظهورهم بمظاهره، ويبقى ديدن البسطاء الخبز والخمر والميجنا والعتابا وبقايا كتب، يتعلمون منها فك الحرف بجمال نادر ونظمه بعفوية الطبيعة وجمال حضورها.
الحب قاعدة الجمال، يشرق على الإنسان، كما تشرق الشمس، وهو كالربيع، أزهار تمنح سمواً للأخلاق، ورفعة تسكن العين الخاصة بالجنس البشري، ومهما ارتوينا منه نجد أنفسنا ظمأى إليه، فالجمال وحده يمنح الكبرياء، ويلمس العبقرية كما النشوة الجنسية لحظة تحققها بين جزأي الإنسان الذكر والأنثى، ووصولهما معاً إليها، أي جمال ذلك الذي يكون ظاهراً من خلال فعلها، وأي آهات حنونة رقيقة يتمتعان بها، فالمرأة والرجل يمتلكان سليقة فنية وقَّادة، إن تمتّعا بتلك اللغة الفريدة لغة الجمال، حيث تأخذ العيون ملامحه من النظرة الأولى، وتستبين ملامح الضعف والقوة، تتمازجْ بينهما ألوان الحياة، وتغدُ الظلال جامعة للتوفيق بين الروح والفكرة والغاية والمعنى المرأة التي أخطأتها الحياة، فأودع فيها جمال الأنثى والقدرة على الاحتواء من حواء مع جمال عقل الرجل وقدرته على الملاحظة والتفكير والإدراك، لذلك نجد الأنوثة في الجمال، حيث تشكل الفضائل الجمة على الجنس البشري، فهل ندرك ذلك؟ ونعود إلى الإمساك بنواصي علم الجمال؛ العمارة والنحت والرسم والتصوير والموسيقا والمسرح والسينما، مولدات الحب ومرققات القسوة، ومهذبات الروح، الدافعات إلى الإبداع والإنتاج، الداعيات الحقيقيات إلى إنسانية الإنسان، كيف بنا نتهذب أمام الأنثى، ولا نتهذب أمام بعضنا؟ أليس لأننا لم ندرك مفردات الجمال وأدبياته، وندرك الجمال، وبقينا بشريين لاهثين وراء الشهوة، والشهوة تخلف وانحدار نحو الأسفل.
د.نبيل طعمة