وطنٌ وذكريات

وطنٌ وذكريات

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٩ أبريل ٢٠١٦

الصمت والتساؤل يتحركان، يحاولان اصطيادهما، إلا أنهما وأقصد عنواننا مستمران كوحدة الوجود ووحدة الشهود وكَحَوم الفراشات التي ترخي بجمالها على الفتن، فتقول لها:
حذارِ أيتها الفتنة من العَودِ على بدء، ابتعدي عنا بعد أن تلاعبت مديداً بنا، أحرقتك شموعنا المشتغلة تحت أشعة شمسنا، وأخذت علامات النجاح وأصابع النصر تلوح وترتفع بعد أن هامت العيون لفترة، لبرهة، لزمن، قبضت عليها أصابع اليد، جاءت اللحظة المناسبة لتسقط الأقنعة بسرعة البرق، وارتسمت على الوجوه علامات الأمل، وشخصت الأبصار نحو الأمام الظاهر في الحاضر، والمستعدة للانتقال نحو الغد المستقبل، دعونا نحب، فالحب كالموت لا يعترف بالطبقات، أو الثروة، أو الجاه، وهو بالنسبة للرجال حالة وجود، والأنثى تحدده بأنه كيانها، الحب بداية المعرفة، كما النار تنير وتشير حين اشتعالها إلى الخطيئة، تبحث عن مشعلها، أو مرتكبها، وهو شمس الحياة، كلما أشرقت أضفت على الإنسانية معاني الفضيلة والتسامح والخير، لننتفض من ثقافة العيش الأجوف، ولننفض عنا وعن الحياة غبار العاصفة التي مرت بنا، دعونا نتجدد، و نمسح الماضي الذي أقلق جميعنا، فلنبتعد عن النار، وأكثر من ذلك وقبله، تعالوا جميعنا نطفئها.
الصمت بلاغة العارفين، والتساؤل رغبة الباحثين عن المعرفة والعلم وإيجاد الحلول الضحية شهيدة الحق، يكتب اسمها على وجه السماء المرئي من حقيقة الباصرين، فينتصر لها المؤمنون، ليقف الجدل الطويل الذي يضيع الحق، ويظهر كما الجمال بلا طهارة، وكما الأنثى التي أفقدتنا  الجنة، إلا أننا لا نزال نراها في ابتسامتها مع فوارق التشبيه، وكما هو حال الصراع أي صراع يبدأ بين القوة والضعف، بين العقل والغريزة، بين الهدوء والعنف، بين الصمت والتساؤل، نسأل عن قوة الروح التي نجد أنها تنساب في الحياة، وعزة النفس تجري مع الدماء في العروق الإنسانية، وسمو الوجود يهز الفكر والفكرة، ويأخذ به إلى عوالم الحياة المنجبة والمنتجة محدثاً البهجة، كما هو فعل النور حينما يضيء، وبعد ذلك نقرُّ أنه الحساب, فنعلم أنه ليس رأياً نتداوله بحكم أن الأفعال والأرقام والإحصائيات فوق الآراء التي تذروها الرياح، إنما تعتمد في سجلات العلاقات البشرية والتاريخية، فلنؤمن بالجغرافيا، وأنها الحقيقة الواحدة الباقية التي تدعونا لفهم العشق الذي لا يكون إلا بالوصل، وأن جني المال يحتاج إلى البذل، وأن ديناً بلا عقل دين جهالة وجهل، لا يمكن لك أن تصمت عندما ترى إنساناً يطعن بين المارة، أو عندما تكون هناك مؤامرة على شخصك، أو على أسرتك، أو على وطنك، والفخار يعتلي الرؤوس والحياة لحظة أن يسقط الجنود أثناء الهجوم أو الدفاع عن حدود وشرف أوطانهم ومواطنيهم، ليتحولوا إلى شهداء تشاد لهم نصب تخلد حضورهم، يسكنون من خلالها ذاكرة الفخار والاعتزاز.
في الصمت يحدث التأمل، فيسعى منه العابد للمعبود، ويصل الود للودود، فيرى ما يرى من عالم الوجود والخلود ومنه يسعى لبناء أسئلة عن العيش المر والاغتراب المضني والحب والبغض، وأوصاف الحقيقة، وفهم الواقع، واستحالة الحياة بلا مادة وبلا روح، فهل نفر من عالم الواقع إلى عالم الخيال الحامل للأسرار والإغراء والإعجاب، أم نمارس الواقع بحلوه ومرّه وألوان أنواره السبعة المسكونة في قوس قزح، حيث يمنحنا طهراً جميلاً لا خطايا فيه ولا آثام.
وطن الذكريات شوهته سنوات خمس عجاف، ملأته صخباً وشيطنة وكفراً وآفاقاً مجهولة، فهل نقرر التوبة والابتعاد عن الآفاق المجهولة، لنرمها بعيداً، ولنعد للوطن الذي ننشد فيه أهازيج القداسة، ونستمع لترانيم المعابد التي تدعو الله للظهور عليها، فنراه من كينونته الذهبية على عرشه كشعاع خاطف قادم من عين الشمس، يخمد بحضوره نار ما عشناه من جحيم، فهل نساعده ونعود إليه بعد أن اقتتلنا تحت مظلته ودفاعاً عنه، إذاً هو الآن يحتاجنا لنكون معه، كما نحتاجه ليكون معنا بعيداً عن أي لغة أخرى، نعم أدعو جميعنا للقيام بهذا الفعل الروحي الذي ينادينا منذ وقت، ولو أننا استجبنا له لكان خلاصنا حصل، لكن بقاءنا بين الصمت والتساؤل أخرنا على سبل الوصول، وأضاع كثيراً من ذكرياتنا وأشياء مهمة من وطن نحيا فيه وعليه.
وطن الذكريات يحتاج جميعنا، فما فقدناه ليس باليسير، ووحدتنا واتجاهنا هما الهم والأهم على جدول اهتماماتنا ولحمتنا لعماره، وإعماره كفيل بإعادة امتلائه بنا، وبإنجازاتنا، فلتكن وحدة وطنية نجسدها واقعاً محباً ومؤمناً، وأن الوطن والذكريات وجدا كي يستمرا في رحلة الخلود الأزلي.
د. نبيل طعمة