فساد عالمي

فساد عالمي

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٦ أبريل ٢٠١٦

عالم مشلول مرتبك منفلت بشكل خطِر، بعد أن سيطر عليه شيطانه الذي غدا أكبر من إلهه في جوهره، وطغت الأخطار، وأضحت هائلة وضاغطة على سكانه وحيوانه ونباته وجماده، وأخذ يتداعى إلى القمم، قمة حول المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض والسماء، وقمم تدعو للسيطرة على الممتلك من القدرات النووية، وقمم للتنمية  المستدامة وجوهرها عنصري، غايتها إبقاء التخلف، وأخذنا نشهد  دولاً تفلس مالياً واقتصادياً، ودولاً تنهار اجتماعياً وأخلاقياً، انتشار الأوبئة والأمراض المرعبة ضمن حروب بيولوجية خفية وظاهرة، انحلال سياسي واقتصادي وأخلاقي فاق كل التوقعات، صراعات، طوائف، مذاهب وأديان تحت راية لقاء الحضارات وحوار الديانات، وما هي إلا مماحكات فكرية ممنهجة ولقاءات لا تغني الفقراء، ولا تعطي البسطاء والجياع خبزهم، أو قطرات من مائهم خاصتهم، وسيطرة مفجِّرين يمتلكون متفجرين انتحاريين يتقمصون أدوار الجيوش على شكل انتحاريين، يأخذون أماكنهم بين البشرية بعيداً عن كل الأسلحة التقليدية والقتالية والفتاكة، ينشرون الخوف والرعب بشكل أفراد مذهل، لم يستثنِ أحداً في عوالم الشمال، الجنوب، الشرق، الغرب، الجهات الأربع، حيث منها تأتي الأخبار، بعد أن تصنع فيها، والكل يبحث عن المركز، عن السبب والمسبب، والكل عاجز مشلول أمام كل ما يجري.
إذاً السؤال الذي يفرض حضوره، من يحرك كل هذا الحراك في مثلث الكون المتمثل في الله والشيطان والإنسان، مؤكدٌ أنه الإنسان، فإلى أيٍّ منها يتجه والمقدس منه كثير من اتباع خطوات الشيطان أو عباده، حيث هدفه الأول والأخير إفساد الإنسان والشيطان هو الوسواس المسكون في جانب الشر ضمن هيكل الإنسان.
كيف يغض الطرف عن آلام الشعوب وعن الخراب والتدمير الممنهج لبنائها المادي واللا مادي أمام الادعاء الحضاري لدول عالم الشمال؟ كيف لا تفكر الأمم البسيطة بتاريخها وحاضرها، وما هي عليه، كيف لا تفصل ثقافتها خاصيتها؟ وكيف لا تنتبه إلى حريتها المقترفة بسذاجة عقل القبيلة والعشيرة والطائفة وضرورات التقدم إلى إنجاز مشروع حضاري يؤمن فوائد نوعية وارتقاء مهماً بين المجتمعات؟ كيف يتم الاتباع أو السير تحت أجنحة هذا النظام العالمي الممتلئ بالفساد والإفساد، ليظهر كواقع منظور يدل بقوة على أنه فساد عالمي بامتياز؟ لماذا أنجز هوات ومستنقعات ورمالاً متحركة ضمن قاراته الخمس ودولها بلا استثناء؟ وغايته الدائمة والتاريخية اصطياد دول العالم الثالث أو عالم الجنوب بشكل خاص، بحكم الفكر المسكون بين جنبات العالم ونظامه المقود بدقة، منه الذي ينص على إبقاء الجنوب بين التخلف والنمو، وإسقاطه بين الفينة والأخرى، إلا أنَّ روائحه الكريهة هبت دفعة واحدة، حتى وصلت حدود التقزز، فهي تفتك بالمنظمة العالمية التي تدعى الأمم المتحدة ومجلس أمنها والدول العامة والدائمة العضوية فيه، أجل جميعها تجردت من المعاني السامية التي وقعت عليها جميع الدول المساهمة فيها، وتحولت في أكبر مؤسسة ترعى المصالح العالمية، وتحافظ على القوانين الدولية، وتحمي حقوق الدول والشعوب، إلى ماخور للمقايضة ودعارة فاضحة، ودكاكين رخيصة أضاعت شرف العهود والمواثيق، وغدا كل شيء يباع ويشترى، لا تحت الطاولة، وإنما عليها، وفي العلن، من دون رادع أو خجل، الكل يفاوض الكل، والكل يريد غزو الكل، والسطو على مقدراتهم، والكل هنا تعني التآمر، لأن الواحد بمفرده لا يقدر على تحقيق ما يريد، من دون أن يكون معه قوى تسانده في تشكيل تآمر، والمضحك المؤلم من طرحنا لهذه القضية، أنها أصبحت مكشوفة، وتهاوت جميع الجدران الحاجبة للرؤية، وتفتحت أعين المجتمعات والبشرية بأبعادها على ما يجري ضمن كواليسها، وطبقاً للخطط التي وضعت ضمن قيامتها، كانت الوعود القادمة منها بأن المستقبل مشرق لجميع شعوب الأرض، إلا أنَّ الذي حدث هو عكس ما أريد من حضورها، فالآمال تبخرت، والأحلام انتهت، وسيطرت واقعية الفساد بقوة، وطغت على كل الموجود.
ندقق فنعرف أن البشرية البسيطة والمركبة لم تعد تكترث لما يجري، وكأنها استسلمت للواقع، دفنت أحلامها، وراحت تبحث بأبسط الوسائل من أجل البقاء والاستمرار بعد أن انعدمت الصدقية في السياسة والعدالة والحياة، وساد الشعور حالة استلاب الحقوق والعقول وحلول المخاوف وتوطينها في العقل البشري بدلاً من زرع التطلع إلى الأمام، وتطوير أفكار الاشتغال للحياة بفرح وبسمة وسعادة، فوضى عالمية نتاج الشلل والفساد المنتشر في رأس الهرم العالمي المتربع على قمة الأمم المتحدة ومن مجلس أمنه ومنظماته المنتشرة يشارك فيه الجميع، والكل يتهم الكل، فضائح بالجملة والمفرق، منها ما يجمعون على دفنه وأين؟ تحت مباني الأمم المتحدة بإجماع الكل، ويقسمون على عدم إفشاء الأسرار التي اتفقوا على دفنها، وإلا فالإرهاب سينتشر أكثر، وهو كذلك حيث نجده يعمل تحت مظلة الفساد العالمي، كأخطبوط تطول أذرعه القارات والدول القائمة فيها والمجتمعات، وحتى الأفراد، كيف يمكن لنا أن نفهم هذه التحولات العالمية المرعبة لحظة أن يتأملها العقل الإنساني، وأنه سيجد أن ليس هناك راحة للبشرية، بل أعداد هائلة وضخمة وقوية، تجعلنا نسأل نحن نواجه من؟ وأقصد البشرية جمعاء المسكونة ضمن دولها البسيطة.
لنمعن النظر في المشهد العالمي، ونتفكر ملياً فيما يجري، ماذا نجد؟ الكل يحارب الكل، والحرب ليست فقط بالوسائل العسكرية، لكن هي الحرب التي تقوم بين أشخاص يعرفون بعضهم جيداً، ويخططون لها بامتياز، نتابعها فنراها معلنة وخفية، فكرية علمية، جاهلة أو متعلمة، دينية تكفيرية أو مؤمنة مكفرة، المهم مرة ثانية أن الحرب ولغتها التهديدية هي السائدة، وهي المنتشرة، ولذلك نجد أن العالم بأسره يقف أمامها بحالة شلل بحكم قواها، على الرغم من حصول الاجتماعات وإنجاز الخطط الآنية والاستراتيجية والتحدث عن نجاعة الحلول المقدمة، إلا أن الشعور السائد لدى البشرية أنَّ حالة من الاستهبال لها تلقى عليها، ويتم الاجتهاد من أجل تعميمها، أن يسود العلم هو الهبل القادم من الشلل المصمم في عمق الفساد، والذي يعتبر أهم أداة من أدوات العالم الأول لزعزعة الدول والشعوب والأفراد.
د.نبيل طعمة