الأسد زعيماً

الأسد زعيماً

افتتاحية الأزمنة

السبت، ٥ مارس ٢٠١٦

عربياً بقوة وحنكة إدارته للأزمات التي مرَّ بها، وتراوحت بين الباردة والساخنة والعاصفة، والسبب الرئيس في تجسيد هذا الطرح أنَّ العرب لا يستطيعون العيش من دون وجود زعيم هذا أولاً. وثانياً أنَّ العروبة الحقيقية والواقعية تتحدث عن ذاتها ولذاتها، بأن دمشق هي منبتها ومنبعها وقوتها. وثالثاً أنَّ ما جرى ويجري على الساحة العربية، كان هدفه الأساس هو العودة لسيطرة التديُّن المتشدد المقاد من المنظومة الخليجية بشكل خاص، والحلم المسكون لدى العثمانيين الجدد في عودة الإسلام السياسي، الذي حاربه كمال أتاتورك، وهذا ما اكتشفه الغرب، وسار في ركابه محاولاً دعمه، وغايته فرط عقد الاستقرار، والاتجاه لتعزيز الانفلات؛ ومن ثمَّ إلى الماضوية، إلا أنه سرعان ما تبين أنه يسير عكس التيار، ولذلك أعاد التفكير إلى بدء وتفهم العملية التي تجسد نظرية الزعيم، ومن خلال استعراض القادة العرب تبيَّن بالدليل القاطع أنَّ الرئيس الأسد بقواه العلمية والسياسية، يستحق التربُّع على عرش عنواننا، حيث يتجول مع أحداث مرَّ بها، نستعرضها معاً منذ وصوله إلى سدة الحكم في سورية واكتشاف العرب لهذه الشخصية الاستراتيجية والنوعية، فاتجهوا مجتمعين ومتفرقين لوضع العراقيل ومحاولة تأخير ظهورها من خلال توالي الأحداث وتسارعها؛ سقوط بغداد، واغتيال الحريري، وحرب تموز، وحرب غزة، وتقسيم السودان، وصولاً إلى ما أطلق عليه مشروع التغيير العربي، والذي هدفه الرئيس، كان إسقاط الرئاسات العربية مع قياداتها، تحريك لعبة الدومينو من تونس مروراً بالجمهوريات، حتى وصلت إلى دمشق، بعد أن أسقطت الرئيس صدام حسين، والرئيس بن علي، والرئيس مبارك، والرئيس القذافي، والرئيس علي عبد الله صالح، ورحيل الشيخ زايد الذي أصرَّ في وصيته على أن يكون الرئيس بشار الأسد على رأس مشيِّعيه في أبو ظبي، ورحيل الملك السعودي عبد الله، والانقلاب من ابن الأمير على أبيه، الذي كان له أن انقلب أيضاً على أبيه في قطر، ناهيك عما حصل في الغرب من وصول أوباما على أعقاب جورج بوش الابن، وها هو ذا أوباما على أبواب النهاية، وانسحاب ساركوزي، وسقوط برلسكوني من المشهد، وبقاء الأسد في سدة الحكم بقوة ما يمتلك من إرادة وتصميم وفهم وتحليل للجغرافيا السياسية وأدبياتها، حيث تجلى كلاعب ومدير وقائد لسورية وللمنطقة ضمن اللعبة العالمية الكبرى، وفهم الكبار ضرورة وجوده، وأكثر من ذلك تعزيز استمراره أمام المتوافر من القيادات العربية التي بينت الوقائع، أنَّ أحداً منهم لم يمتلك رؤية الزعامة أو الوصول إليها، وعلى الرغم من محاولات الغرب المبكرة، ومنذ نهايات القرن الماضي لتصنيع زعيم على شاكلة الرئيس جمال عبد الناصر، أو الرئيس حافظ الأسد، رحمهما الله، اللذين ظهرا كزعيمين عروبيين قوميين، ووصول الرئيس بشار الأسد استمراراً لهما، وحاملاً أميناً لفكرهما مع إبداعه في التطوير لذلك وكما ذكرت كانت المحاولات الحثيثة لمنع ظهوره كزعيم، إلا أنَّ جُلَّها فشل في إبعاده أولاً وأخيراً، وفشلت أيضاً في إظهار بديل عبر تعويم الرئيس السيسي الذي اشتُغل عليه كثيراً، ولكن أسقطه مشروع التغيير أو الربيع الدموي، وأضعف وجوده إلى درجات حساسة، من خلال إضعاف اقتصاد مصر ومحاولة وضعه تحت المظلة الخليجية، وهذا ما ترفضه مصر العربية التي اختارت منذ وصول السادات إلى الحكم القطرية على القومية والعروبة عبر طرحها لغة مصر أولاً، وهذا ما عزَّز وجود الزعيم العربي في زمنه الراحل حافظ الأسد، ودعا الرئيس بشار الأسد لحمل الراية بقوة وضمن إرادة الجماهير العربية من أجل استمرارها وبقائها، ليس فقط كعنوان واسع وعريض، وإنما كأمة عربية، امتلكت مقومات الأمة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.
الرئيس الأسد زعيماً عربياً سوري المنشأ والهوى، يشتغل بمهنة الرئاسة بعد أن أجاد الإمساك بمفاصلها، واستوعب مبكراً فلسفة سياستها والقدرة التي تمتع بها أعانته، وتلاحمت معه، فوقف الشارع العربي معه، ومازال يقف على الرغم من عدائية اللامؤمنين بالعروبة والمتمسكين بالتخلف والتبعية، فالرئيس بشار الأسد حالة استثنائية ضمن المعادلات الدولية، فهو محبوب ومحبب، شاء أن يستمر، أو أراد أن يبتعد بإرادته، فيكفي الشعب العربي فخراً به، بأنه قال: لديَّ مهنة ثانية جاهزة ومتكاملة، وأنا أجيدها، وما أريده هو حياة لشعبي أولاً، وللشعب العربي برمته ولي، وأريد له حريته واستقلاله ونقاءه وبقاءه قوياً عزيزاً كريماً حراً آمراً غير مؤتمر من الآخر، فإذا قرّرَ قررتُ، وإذا قررتُ قرّرَ، من هذه المعادلة النادرة والتي لا يتمتع بها إلا الزعماء القادة على الرغم من اتهامهم بالمغامرة، إلا أنهم خالدون، شاء من شاء، وأبى من أبى.
الأسد زعيماً عربياً بلا منازع، شاغل العالم قادة ومجتمعات ودولاً، عاش بينهم الصغار والكبار، سألوا عنه وعرفوه، وتعرَّفوا عليه، وناقشوا وتناقشوا حوله، وفي النتيجة أقروا أنه شخصية نوعية استراتيجية، تمتعت بالصبر بجزأيه المشرق والمؤلم، وأخذت على عاتقها حمل جوهر الثبات، ومن ثم التقدم إلى الأمام، من دون الالتفات إلى الوراء، فكانت ومازالت وستبقى شخصية محور ومحرك رئيس بيده مفاتيح مهمة لمعضلات جمَّة، تسكن الشرق الأوسط، يحرك ما يريد منها بإرادته، ويوقف ما يريد، فالذي لم يعرف بعد مكانة الزعيم الأسد، فليعلم أنه في خسران، وربما نعذره لأسباب عدم قدرته على فهم ما تمتع به من حكمة البصيرة، وقوة البصر، وهدوء الحركة، حيث أخذ به إلى قيادة وطن يحتاجه حصراً، ويتمسك به، فهو الضامن لوحدته وأهدافه ومصيره، كما أنَّ الأمة العربية تعرف في جوهرها حاجتها لهذا الزعيم، المخلص لأمته وعروبته وقوميته وعلمانيته المؤمنة، ولدينه الإسلامي السمح، الذي آمن به، كما آمن بإنسانية الإنسان المتجسّد لدى جميع الأديان من دون استثناء، لكونه اختير للرئاسة، ولم يختر وبيده يقبض على كل الخيارات، ولأنه رئيس إنسان، استحق بقوة الحق لقب الزعيم العربي.
د. نبيل طعمة