عملاء المؤامرة

عملاء المؤامرة

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢ مارس ٢٠١٦

اشتغلوا طويلاً بصمت، أوجدوا من أجل تحقيقها الأدوات، عززوا وجودها، اخترقوا بها الدولة والمجتمع، هيؤوا الحواضن، أعدوها بهدوء، وساروا بها على عدة محاور؛ المؤسسات، الجيش، الأمن، أبناء الأرياف بشكل خاص، والبعض اليسير من أبناء المدن، أيقظوا الماضي غير البعيد، وأشعلوا الفتيل من خلال أطفال ونسوة ضمن مجتمع رغم تعلم سواده، إلا أنَّ القبلية والعصبية والعشائرية، لم تغادر عقله وحركته ومسيره من ذات الأماكن التي استخدموها قبل أربعة عقود، وأخمدت في حينها بعد أن احتاجت إلى سنين، انطلقوا منها، والفرق بين هنا وهناك اتساع دائرة التآمر وعلنيته الفاضحة، وفتح حدود المحيط والداعم اللا محدود، والغاية الأولى والأخيرة الانقضاض على جسم الدولة وعقلها المدبّر، أجل سكنوا الكثير من مفاصل الدولة وحياتها، ودفعوا بالحواضن التي حملت الرايات والشعارات إلى الأمام، دعمهم إعلام التآمر المحيط القريب والبعيد بكامل قواه الإعلامية، وكان معهم في الداخل أيضاً أخطبوط الفساد، وبين هؤلاء وأولئك، وقف الرماديون منتظرين انهيار جوهر الجسم الذي يؤدي في اعتقادهم للانهيار الكامل، استثمر البسطاء كحطب يشعل الأتون، يقودهم أشخاص منتقون، المهيِّئون يُؤَهِلون المُهيَّئين، يقودون المحرّضين، يراقبون المديرين، يقدمون ويؤخرون، ويدفعون بثقلهم المادي والمعنوي مرة ثانية، دخلوا من بوابات الدين والعلمانية والثقافة، ساروا بلغة الشعب السوري واحد، وكفَّروا كلَّ من يقف مع الدولة، ويدافع عنها، في النتيجة وصلنا إلى عشرات الجبهات ومئات العصابات، وجميعها حملت رايات الجهاد وأسماء الأئمة والخلفاء والأنبياء والآلهة، وكتائب لا تعد ولا تحصى، صرخوا باسم الله، وقتلوا باسمه، وهتكوا الأعراض تحت تفاسير جهاد النكاح، وهكذا قال المفتي والمفسر والإمام، ناهيك عن الحرق والتدمير، والغاية دائماً الوصول إلى الدولة والسطو عليها.
الحق نحتمي به، لأن الحق لا يتكثَّر، ولا يتغيّر، ومشربه صافٍ لا يتكدر، فأين كان الرجس كانت الظلمة، وأين كانت الظلمة كانت الضلالة والفتنة، والتي بها افتُعل صراع غايته قديمة حديثة، والفتنة أشد من القتل، أرادها أصحابها أن تكون جهاراً نهاراً بين البدر والهلال، وتجلى الأول في الوهابية والسلفية والإخوانية السياسية، ووقف الثاني من باكستان إلى لبنان مروراً بإيران والعراق وبلاد الشام، والتقاطع في دمشق عمود إيمان المؤمنين ووتده الراسخ من الأرض حتى قبة السماء لكل الأديان من كل الطوائف والمذاهب، ومن كل الإثنيات؛ أي إن الصراع تجلى بين المؤمنين والمسلمين.
قد يستغرب البعض ما أخطّه، وقد يستشرقه آخرون، إلا أنَّ الواقع القديم الحديث يرخي بظلاله على ما يحدث، والآية الكريمة تتحدث عن ذلك: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) وهذا دليل حق على أن هناك فرقاً بين المؤمن والمسلم، والمؤمن المسلم، والمسلم المسلم (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وكنت بتواضع قد تحدثت كثيراً حول هذه المسائل في العديد مما كتبت، فإلى أين يريد المشغلون الوصول بأدواتهم؟ أوَلمْ يكفهم ما سال من دماء ووقع من دمار، يا أيها الناس هذي الشآم بأهليها المؤمنين بالحق ومدينة العلم برقبائها ونجبائها وأبوابها وأمير أمرائها والولاة القادمين من أصلابها وقديسيها والصالحين فيها، أين أنتم اليوم منها ومن موقعها؟ هلا علمتم أن ما تقومون به منقلب عليكم لا محالة آجلاً أم عاجلاً؟!
عملاء المؤامرة هم على شاكلة ما أطلق عليهم عنواننا، وعليهم أن يعلموا أنَّ الشام مقدسة أرضها وناسها، وهذا لا يعني أنه يجب عبادتها، إنما رعايتها وحضنها، لأنها طيبة ومباركة من الربّ الإله ومن الرسل والأنبياء والأولياء والولاة، وحدودها حدود روح الله، العمالة تعمل دائماً وأبداً على تفكيك منظومتها الإيمانية الفريدة، وتتمثل في غريزة الغزاة مع عملائهم، حيث تسعى للسيطرة دائماً على العقل منشئة العبث بين الهدوء والعنف، بين القوة والضعف، بين الصح والسحت، ينتج عنه صراعات مروعة، أرادت عناصر المؤامرة تحريكها، والغاية دائماً السيطرة عليها، مخططات خفية وعلنية لا يهدأ راسموها، ولا يكلّون عن بذر بذور الحرب التي تمتلك حالة وحيدة ألا وهي اصطياد السلم والسلام، إنهم يريدون قتل الحرية الحقيقية المتجسدة في الأمن والأمان، وإحلال العبودية بأشكال التبعية والخضوع للآخر، والتخلي عن السيادة الوطنية، إنهم يسعون إلى إطلاق البربرية بأقصى حالاتها، وغايتهم إنهاء التمدن والقضاء على المدنية، والعودة إلى التخلف وإلى الأمية المعرفية والعلمية والدينية، والاشتغال بالتآمر والمؤامرة، وإعادة إنتاج التمرد والعصاة والغلاة والمرابين إلى هذا الوطن الذي وصل إلى حدود الجمال، ولحظة أن بدأ ينشره، خرج العملاء عليه يصيحون، لماذا تتقدم؟ لنعمل على تنفيذ أجندة التأخر والتقهقر والتعلق بالماضوية من دون وعي ولا فهم، وأن كل من يتعلق بالماضي لا يستطيع أن يصل إلى المستقبل، المستقبل الذي يبدأ إنجازه في الحاضر بعد حصول الاستفادة من فهم الرابط بين الماضي والحاضر، فيحدث الاستقرار لما وراء الأكمة، وتتشكل البصيرة التي تنبه، أو تؤيد ما سيحدث في المستقبل.
هو هكذا قدرنا في هذا الوطن، أن نحيا مرحلة أزمة، نواجه فيها صراعاً مقيتاً ومهماً، يتجلى في مواجهة عملائه ومديريهم ومشغليهم داخلياً وخارجياً في آن، ومواجهة تيارات ومحاور حملت في مجملها غاية واحدة ألا وهي إعادتنا إلى الماضي، تستثمر من أجل ذلك كل ما تملك، وهذا ما كان ليكون، لولا وجود العملاء الذين عملوا جاهدين على نشر المؤامرة وتعزيز وجودها والاستفادة من تبعاتها، وإني لأتجه إلى وجودنا ناقلاً رسائل الحياة التي تحدثت إلى بناء الأمم والمجتمعات والأسر، أن فهمها لا يتم إلا بتعزيز إنسانية الإنسان، والإنسان الحق يبني لا يخون، ولا يتآمر، ويرفض العمالة والتبعية، لأن الشخصية الحرة واقعية مدركة مؤمنة بأنها وجدت لتلتقي مع الآخر بكرامة وعز وكبرياء، فكم نحن بحاجة إلى أن نعيد لهذا الوطن وحدته، لأن المؤامرة وعملاءها يريدون تفتيته، ويجب علينا أن نعود إليه، ونترصَّع على جيده، لا أن نبني الحواجز والجدران في وجوه بعضنا، وعلى جميعنا يقع هدم العوائق، لأن الجميع مؤمنون بالوطن باستثناء عملاء المؤامرة.
د.نبيل طعمة