الأغبياء والمنافقون

الأغبياء والمنافقون

افتتاحية الأزمنة

الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٥

وحدهم فقط مع المرابين، يصدقون أننا وحدنا نحن العرب من اخترع الإرهاب، ومن البديهي أنه من يخترعه يحتج إلى تسويقه، كما هو حال أي منتج ينتظر منتجه العوائد.
مباشرة أدخل على موضوعنا لأقول: هل ندرك الذي يحصل معنا وعلى جغرافيتنا العربية؟
هل هناك من عاقل يسعى لتشويه صورته وتدميرها أمام الآخر؟ ولماذا يوصم العربي مباشرة بالإرهاب عند أي فعل خاطئ صغيراً كان أم كبيراً، في حين نجد لدى عالم الغرب والشمال أن الإرهابيين الحقيقيين الذين يقومون بأفعال مذهلة في البشاعة، يتحولون إلى مرضى نفسيين ومضطربين عقلياً. لسنا أفضل الأمم، إلا أن حقيقة الحقائق تقول: إن ما لدينا من السلمية والمسالمة والكرم والحب والعواطف والترحيب بالضيف ما ليس لدى الآخر، هذه طباع العرب، ولا نقول هذا من باب المفاخرة، أو العنصرية، كما أن الديانة الإسلامية الحقة منحت العربي سمات مضافة، مثل السماحة واللهفة والحب وإغاثة الآخر. الإشكالية التي ينبغي على جميعنا فك شيفراتها واستيعاب حضورها، تكمن في الموجات القادمة على هذه الأمة من غزوات سريعة واستعمار ظاهر ومبطن، والتي عملت فيها تقطيعاً وتقسيماً، وزرعت ضمنها بذور الطائفية والمذهبية، كما عززت لديها لغة العشائر والقبائل، وأصرت كل تلك الجهات على تجهيلها وتهميشها، ووصمها بالتخلف، والغاية دائماً تحويلها إلى مستهلك دائم لنتاجاتهم، حيث مراكز أبحاثها لا تتوقف عن العمل حتى اللحظة، لإبقائها على هذه الشاكلة.
لنعترف أننا بتنا منذ زمن ليس بالقليل، نتقبل كل ما يقدم لنا، ولم نقم بتقديم أي مبادرة منطقية عاقلة وواقعية، وكذلك لدينا الأخطاء المربكة فكرياً ما ليس لدى الآخر، نحن لم نعرف التخصص حتى اللحظة، ويبدو أننا لم نؤمن به، لأننا آمنا بأننا شعوب وقبائل وعشائر وأقليات وأكثريات، خلقنا لنتعارف، لا لنتقاتل، ولم نقدر حتى اللحظة أن ندرك هذا الطلب المقدس، ودُعينا لتعلم الرماية والسباحة وركوب الخيل، ولم نحقق أي نتائج مبهرة تذكر، لأن إيماننا عام وشمولي، وأنانا مزاجية وعصبية، وردود أفعالنا عنيفة وصاعقة ومدمرة في أكثر الأحيان واللحظات التي ينبغي أن تكون الهدأة فيها سيدة الموقف، والتحليل المنطقي العلمي الدليل والسمت لأي فعل أو حركة أو مسير، وعلى العكس تماماً اكتفينا بالتسوير والتحصين، والاستعداد الدائم للغزو والقتال ومعاقبة الآخر، أنشأنا المحميات، واعتبرنا وجودنا فوق الشبهات مغفورة جميع خطايانا عند إلهنا، وأكثر من ذلك نخفيها ونداريها، كما عين المرء ترى كل شيء، تغضُّ عن هذا، وتسمح لذاك، نجيد الغمز بها واللمز بعد مرورنا متفاخرين بأننا كنا… فننسى أين نحن، المهم الحاضر المعيش تملؤه شهوة أريد من دون توقف، لا للمستقبل، لا وجود له في منطقنا من باب بيضة اليوم، ولا دجاجة الغد، وعصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة.
العالم أجمع يدرك أننا مجتمعات ما زالت تؤمن بالحمية القادمة من العواطف، لذلك يعرفون أن لدينا ردود أفعال فوضوية، لا تأثير لها، وعلى استعداد دائم لهدم كل شيء بغاية إثبات الرجولة السطحية والنخوة واللهفة مشغولين بقضايا الذكورة، متمسكين بالقدرة على فعل أي شيء، مثلنا مثل كثير الحركات قليل البركات، أو مسبع الكارات، معتبرين العلم مثل الشعر، من دون الدخول إلى جوهره. نذهب للصين من أجل ثقب إبرة، وإلى الشمال نبحث فيه عن زر أو عروة. الحلم العربي متخصص بالنكسات التي تكاد تقصم ظهره، تحبطه آخذة معه طموحاته، تاريخ ملطخ بالدماء، وللأسف لا يمتلك سوى الممتلكات الدينية التي لم تقبل التطوير قيد أنملة، لا دور فيها للفنون أو الآداب، أو الفلسفات، أو حتى العلوم، واكتفت حداثته التكوينية بالبقاء تحت سقف الشمولية، حيث لم تتملكها العقلانية صاحبة اليد الطولى في التحليل المنطقي الذي يخضع الأشياء إلى عمليتي الرفض والقبول.
الواقع يشير إلى أننا ما زلنا في الوراء، وأننا مقصرون بحق أنفسنا ومجتمعاتنا ودولنا، والاعتراف ليس عيباً، إنما هو دليل على أننا موجودون، ولا يكفي أن نصل إليه فقط، إنما تشير الحاجة الماسة إلى البدء بعمل كبير، أوله قبول العقل العربي للانفتاح على الحياة وعدم بقائه تحت سقف الشمولية الضبابية التي تقبل بأي شيء، وترفض في الوقت ذاته كل شيء، الأزمات الكبرى تدعونا دائماً للتجاوب مع الوقائع، وتأخذنا لاستيعاب الاستحقاقات واستنهاض الأفكار العلمية والفلسفية التي تؤدي إلى تحقيق الانفراجات.
ما جدوى الفكر إن لم يكن قادراً على تقديم الموضوعية والدقة في تحليل المجريات، وإيمانه بعدم الانحياز إلى هذا أو ذاك، من أجل أن يستفيد منه الجميع. نحن العرب ننساق كثيراً وراء أهوائنا وأهدافنا الشخصية، فتظهر أفكارنا بعيدة عن الواقع، ولا تقترب من الحقيقة.
كان خطاب الرسول العربي القادم من الكتاب المكنون (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، هل ندرك معنى كنتم وأين أصبحنا الآن؟ نحمل فقط الرايات السوداء والخضراء والحمراء، نعززها بلا إله إلا اللـه محمد رسول الله، نرفعها فقط على أدوات القتل والتدمير، نغرسها فوق الأشلاء والجثث وعلى أطلال المدن المدمرة والغابات المحروقة، تصدح المآذن بالتكبيرات صباح مساء.
أتوقف لأسأل سؤالاً: هل رأى أحد من العرب هذه الرايات فوق مراكز البحث العلمي، أو الجامعات، أو المصانع المنتجة، أو دور الفكر والثقافة؟
أيها العرب، كيف تفكرون وأنتم تتجهون للجهاد الأصغر الذي يعني قتالكم بعضكم بعضاً، وتدعون الجهاد الأكبر الذي يحمل مبادئ بناء الأسرة والمجتمع والدولة العصرية التي تواكب منظومة الحياة، فتسعى إلينا الأمم للتعارف، كما نسعى إليها؟
وللعلم، إن قوانين العلم، لا تعترف بوجود الغباء، وتؤمن باستثمار قدرات العقل الهائلة، وتقول: إن هناك من يستثمر عقله، فينجح، وهناك من لا يستثمره ليبقى في الوراء، وطبيعي جداً أن الذي لا يستثمر العقل، يغزوه النفاق، ليظهر نفسه بأنه عارف، أو عاقل سرعان ما يكتشفه الآخر، فيستعمره، أو يستعبده، أو يخضعه لأوامره.
د.نبيل طعمة